التقرير السياسي الصادر عن المجلس القطري للدائرة السياسية في دورته 17

Cover Image for التقرير السياسي الصادر عن المجلس القطري للدائرة السياسية في دورته 17
نشر بتاريخ

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وآله وصحبه وإخوانه وحزبه

العدل والإحسان

الدائرة السياسية

المجلس القطري للدائرة السياسية الدورة السابعة عشرة دورة عمر محب)، الشعار: قول الله عز وجل واجعل لي لسان صدق في الآخرين الآية 84 سورة الشعراء.

التقرير السياسي

الفترة ما بين 8 شتنبر 2012 و9 يناير 2014

يقدم هذا التقرير قراءة للواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي خلال الفترة الممتدة من الدورة الماضية للمجلس القطري للدائرة السياسية إلى الدورة الحالية، مبرزا بشكل مجمل أهم أعمال الدائرة السياسية خلال هذه الفترة. فنقول وبالله التوفيق:

تنعقد هذه الدورة في ظل تحولات دولية وإقليمية ومحلية غير مسبوقة تلقي بتأثيرها على حال الأمة العربية والإسلامية وعلى بلدنا المغرب. فعلى المستوى الدولي، يشهد العالم اتجاها نحو الخروج من الأحادية القطبية إلى عالم متعدد الأقطاب تفقد فيه الولايات المتحدة الأمريكية بعضا من نفوذها الاقتصادي والسياسي لفائدة قوى أخرى مثل الصين وروسيا وهو ما ظهر بشكل جلي في أكثر من مناسبة وآخرها ما يحدث الآن في سوريا. كما يشهد العالم تنامي قوى صاعدة في آسيا وأمريكا اللاتينية ستزداد قوتها كلما انحازت إلى بعضها البعض لإحداث توازن عالمي استراتيجي يعيد الاعتبار لقضايا البيئة والسلم والعدالة الاجتماعية وتغليب النزعة الإنسانية في معالجة كل الخلافات في العالم.

وتنعقد هذه الدورة في ظل ظروف إقليمية يطبعها الانقسام والتفتت والنزوع إلى الحروب الأهلية بعد أن كانت طامة الدول العربية في السابق هي الحروب البينية بين دولها والموروثة من عهد الاستعمار، وتنعقد هذه الدورة كذلك في ظل ربيع عربي متدرج ما زال لم يتجاوز موجته الأولى الهادفة إلى إسقاط كل بؤر الفساد والاستبداد للانتقال إلى مرحلة التأسيس والبناء لنظم بديلة على أسس مخالفة تسودها الحرية والتنوع والتوافق. رغم محاولات الانقلابيين في مصر إيقاف زحف هذا الربيع ا الثوري وإعادته إلى الوراء والزج به في متاهات الصراعات الأهلية البغيضة. وبالمقابل تخوض النسخة التونسية من هذا الربيع ـ بل هي التي أطلقت شرارة هذا الربيع الواعد ـ تخوض تجربة رائدة نحو المزيد من التمكين والنجاح في ظل التوافق الخلاق بين القوى الإسلامية وباقي القوى السياسية.

وقد تابعت جماعة العدل والإحسان باهتمام بالغ ما تتعرض له الأمة الإسلامية من مؤامرات ومكائد ومن ذلك المشاركة في 54 مسيرة ووقفة احتجاجية ضد الفيلم الأمريكي المشؤوم في شهر شتنبر 2012 نصرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم. كما تابعت الجماعة ما تمر منه القضية الفلسطينية من استمرار مسلسل التهويد والتقسيم والحصار الذي ينتعش بسبب المؤامرة الدولية على فلسطين والصمت الرسمي العربي والخلاف الفلسطيني الفلسطيني، وما تشهده القضية السورية من صمود الشعب السوري البطل أمام ما يرتكبه نظام الأسد من أبشع جرائم التقتيل والتهجير وما تحيكه الأيادي الدولية والإقليمية من دسائس وتصفية الحسابات الخاصة على حساب شعب بأكمله.

وقد كانت الجماعة حاضرة في مختلف الأنشطة والفعاليات الداعمة لقضايا الأمة العادلة عبر هيئة النصرة وذلك من خلال 125 مشاركة في مسيرات ووقفات تضامنية مع الشعوب المضطهدة المنتفضة في فلسطين وسوريا ومصر وبورما. كما كان للجماعة شرف المشاركة البارزة في قافلتين لزيارة غزة مساهمة في كسر الحصار المضروب عنها خلال شهري دجنبر 2012 وأبريل 2013، والمشاركة في آخر قافلة لتقديم المساعدات لمخيمات اللاجئين السوريين متم شهر دجنبر 2013. كما وقفت العدل والإحسان في جبهة المناهضين لحركة التطبيع مع الكيان الصهيوني التي عرفت ارتفاعا غير مسبوق خلال هذه السنة خاصة في المجالين الاقتصادي والثقافي، وكانت الجماعة ضمن المؤسسين للمرصد المغربي لمناهضة التطبيع الذي نظم مجموعة من الحركات الاحتجاجية وتقدم بمقترح قانون لتجريم التطبيع والذي جوبه بمعارضة عنيفة من قبل المطبعين. وفي مقابل رفع الدولة لمستوى العلاقات التطبيعية مع الكيان الصهيوني الغاصب لم تقدم أي شيء ذي بال للقضية الفلسطينية من خلال المؤسسات الدولية التي يرأسها المغرب باستثناء بعض البيانات الباردة بين الفينة والأخرى.

أما أبرز ما عرفته جماعة العدل والإحسان هذه السنة فهو رحيل الإمام المربي الأستاذ عبد السلام ياسين إلى جوار ربه، فقد توفاه الله، رحمه الله رحمة واسعة، بعد ما يزيد عن ثلاثة أشهر من دورتنا السابقة، وها نحن نعقد هذه الدورة بعد شهر من إحياء الذكرى الأولى لوفاته، التي عرفت مشاركة العديد من الهيئات والشخصيات، من داخل المغرب وخارجه، ومن مختلف التوجهات الفكرية والسياسية وصلت إلى 120 شخصية، ليتكرر نفس المشهد المهيب لجنازة الإمام التي سار فيها مئات الآلاف من المشيعين، وحضور أكثر من 400 شخصية لتقديم التعازي للعائلة الكريمة وللجماعة، كما تلقت الجماعة العديد من التعازي الكتابية ومئات الاتصالات من شخصيات معتبرة من داخل المغرب وخارجه، إضافة إلى المواكبة الإعلامية الواسعة.

لقد واكب الإمام المرشد رحمه الله تأسيس الدائرة السياسية خطوة خطوة، و تابع عملها وكان يتفقد ويوجه وينصح. وكثيرا ما كنا نحظى بزيارته في المجلس القطري للدائرة السياسية، و نسعد بكلماته النيرة. وكان، رحمه الله، يكرر أن العاملين في الدائرة السياسية يستحقون كل عناية حتى يكون تدبيرهم للأحداث السياسية اليومية موازنا بين الغايتين العدلية والإحسانية؛ وأن يكون قطب الرحى في ذلك قضية معرفة الله عز وجل ومحبته والفوز برضاه، أي كيف نجمع بين الحضور والفعل السياسي القاصد وبين الإيمان بشعبه والإحسان بدرجاته.

إن هذا الحدث الجلل في مسيرة العدل والإحسان شكل حافزا جديدا للعاملين في الدائرة السياسية باعتبار أنه من تمام الوفاء للإمام وللمشروع الذي أسسه المسارعة إلى العمل ومدافعة واقع سياسي يتسم بالتردي المضطرد المتسارع، وواقع اقتصادي واجتماعي يتسم باشتداد خناق الأزمة على كافة الشرائح، وواقع تعليمي يتسم بالارتجال والدوران في حلقة مفرغة.

وقد تفاعلت جماعة العدل والإحسان مع هذا الواقع بكامل المسؤولية والفعالية والتأثير وعدم التردد في المشاركة أو دعم كل المبادرات الجادة الرامية لمواجهة الاستبداد والفساد والدفاع عن شعبنا ضد السياسات المنتهكة لحرياته وحرماته والحاطة من كرامته والمضيقة على معيشته. وكان مجموع ما شاركت فيه الجماعة خلال هذه السنة من فعاليات مجتمعية فاق 100 مناسبة همت قضايا الاحتجاج ضد غلاء الأسعار والانتهاكات الحقوقية والتضامن مع المعطلين.

إضافة إلى نشاط شبيبة العدل والإحسان ضمن الحركة الطلابية والتلاميذية على مدار السنة والتي تهم الخدمات والمعارك المطلبية والأنشطة الثقافية، كما يساهم القطاع النسائي بجهود مهمة في تأطير شرائح واسعة من النساء المغربيات عبر ورشات التوعية والتأهيل والتعليم، إلى جانب حرصه على مواكبة القضايا النسائية والنقاشات الدائرة في فلكها.

كما نستحضر مشاركة القطاع النقابي في تدبير كثير من الملفات خاصة بالنسبة للعمال والمهنيين ورجال التعليم وقطاع الصحة والمهندسين والمحامين والمتصرفين وقطاعات أخرى. كل هذا ونحن نعرف كما يعرف كل المتابعين حجم التضييق على الجماعة ومنعها من الفضاءات العمومية وحتى الخاصة في حملات ومناسبات متكررة.

ولعل أكبر ما يعكس حضور الجماعة في المجتمع هو الاهتمام الإعلامي الكبير الذي يرصد بعض، وليس كل، حركة الجماعة، وقد فاقت المتابعة الإعلامية لتحركات الجماعة أكثر من 600 مادة بين خبرية وتحليلية، إضافة إلى 110 حوارا وتصريحا أجرتها منابر صحفية مختلفة مع قيادات الجماعة، كما أصدرت مؤسسات الجماعة 42 بيانا تهم قضايا سياسية ومجتمعية متنوعة.

وهنا نسجل الدور الذي يقوم به مكتب إعلام الجماعة من خلال عدد من الأقسام التخصصية وشبكة مواقع إلكترونية تعززت مؤخرا بقناتين إلكترونيين وهما “الشاهد” و”بصائر”، متابعة لقضايا الجماعة والمجتمع في ظل الحصار الإعلامي الشديد المضروب على الجماعة وفي ظل استمرار منعها من إصدار جرائدها ومجلاتها ومن حقها في الظهور في الإعلام العمومي.

كما عرفت الجماعة نشاطا واسعا على مستوى إعداد القوة الاقتراحية والتدبيرية للجماعة حيث عرفت هذه السنة تنظيم مجموعة من الندوات والمحاضرات الفكرية، كان أبرزها المؤتمر الدولي حول نظرية المنهاج النبوي بأسطنبول في دجنبر 2012، وندوة التجديد في مشروع الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله في دجنبر 2013، إضافة إلى عدد كبير من الدراسات والتقارير والنشرات التي أصدرها مركز الدراسات والأبحاث، والورشات التدريبية التي أطرها مركز التدريب القيادي

كما شكلت السنة المنصرمة فرصة هامة لمواصلة الجماعة جهودها التواصلية المؤسسة لخيار الحوار والتعاون، وقد تم خلال هذه السنة عقد مجموعة من اللقاءات التواصلية، سواء على المستوى الخارجي بتأطير من مكتب العلاقات الخارجية أو الداخلي من خلال مختلف مؤسسات الجماعة، وقد كانت تلك اللقاءات مناسبة لتوضيح موقفنا وتوضيح تصورنا من بعض القضايا. كما كانت مناسبة لتجديد دعوتنا إلى التفاهم والتعاون فيما يصب في مصلحة شعبنا وأمتنا. وكانت آخر مناسبة في هذا المنوال الذكرى السنوية الأولى لرحيل الإمام المرشد رحمه الله التي أكد فيها الأمين العام للجماعة الأستاذ محمد عبادي أمام الحاضرين من مختلف مكونات المجتمع على مد اليد لكل الفضلاء.

وقد قدم التقرير التنظيمي المعروض أمام أنظار هذه الدورة الكثير من التفاصيل حول أنشطة الدائرة السياسية في مختلف المجالات.

ونعرض فيما يلي بتركيز لمختلف المجالات التي كانت محط اهتمام الجماعة من خلال المستويات التالية:

أولا. على المستوى السياسي: العودة إلى الاستبداد المطلق

بعد إقرار دستور 2011، رفع النظام السياسي ومن يدور في فلكه من هيئات وشخصيات سياسية وإعلامية وثقافية شعارات تبشر بأن الأفضل هو الآتي، وأن المغاربة تركوا الماضي بكل مساوئه، وأن هذه “الطفرة الدستورية” كفيلة بالحد من الاستبداد وفتح المجال أمام الشعب عبر حكومته المنتخبة ليتحمل تدبير شأنه، كما هو متعارف عليه في الدول الديمقراطية.

ورغم التنبيهات المتكررة لباحثين وسياسيين من مختلف التوجهات، وكانت الجماعة في طليعة من أكد أن الدستور الجديد مغرق، كسابقيه، في الاستبداد من خلال الوثيقة التي أصدرها المجلس القطري للدائرة السياسية يوم 24 يونيو 2011 بعنوان “مشروع دستور 2011.. وفاء وعصرنة لروح الاستبداد”، ولم نكن في حاجة إل انتظار تنزيله حتى نقيس ديمقراطيته ما دامت مجمل فصوله تقطر استبدادا.

ومع ذلك، ورغم كشف الواقع مبكرا الأقفال والتمويهات التي تضمنها النص الدستوري، فإن هناك من ظل يموه على المغاربة، ويبشر بتغيير واقع الاستبداد والفساد، وهو في الجوهر ليس إلا واقع المداهنات والمجاملات الكاذبة، واقع الاستخفاف بالشعب ومصالحه، واقع مسايرة الظالمين والفاسدين.

فقد أكدت السنة الماضية، لمن يحتاج إلى مزيد من اليقين، بما لا يدع مجالا للشك أن خيارات الدولة وسياساتها محددة سلفا من قبل القصر، وكيفما كان التوجه السياسي للحكومة، سواء اشتراكيا أو إسلاميا أو ليبراليا، فإنها، في ظل شروط سياسية ودستورية استبدادية، تبقى مرغمة في كل الأحوال على العمل وفق تلك الخيارات والسياسات وتكريسها وتنزيلها من خلال عمل إداري محض. فالأمور تجري كما كان مخططا مسبقا، وهامش التدخل الحكومي يتقلص يوما بعد آخر، خاصة مع استوزار وزراء غير حزبيين في النسخة الثانية للحكومة، ومع استمرار احتكار القصر الملفات الكبرى والإستراتيجية وذات الأولوية، التي منها على سبيل المثال لا الحصر؛ ملف الصحراء والسياسة الخارجية والسياسة الفلاحية والتعليم والداخلية بنفوذها المعلوم والأوقاف والشؤون الإسلامية.

لقد أبرزت الممارسة السياسية للحكومة إلى حدود الآن أن المعوقات البنيوية والسياسية أقوى من أن يفككها حماس سياسي، أو يغيرها تغيير في المواقع، من معارضة إلى حكومة، مهما صدقت الإرادات وحسنت النوايا. كما تأكد عجز آلية الحكومة في الظروف الحالية عن إبداع مسار جديد لتأسيس سلطة تنفيذية حقيقية، كان يأمل الكثيرون أن تحقق نوعا من التوازن بين السلط، وتعيد الاعتبار للعمل السياسي المسؤول، إذ رغم أن من مهام الحكومة بمقتضى دستور 2011 وضع السياسات العمومية، فإن الخضوع للتقاليد المخزنية حد من هامش مبادرتها الضيق أصلا.

وتبخر بفعل ميزان القوى المختل حتى الأمل، مجرد الأمل، فيما سمي بالتأويل الديمقراطي للدستور. وكانت الحكمة تقتضي الانتباه إلى ميزان القوى والعمل على تصحيحه قبل وضع الدستور وليس بعده، لأن خيار دعم النظام السياسي في مناورته المكشوفة ضد الحراك الشعبي أسهم بشكل واضح في استمرار ميزان القوى لصالح المستبدين والمفسدين، ولذلك لا فائدة اليوم من التباكي أو القول إن الإرادة شيء والقدرة شيء آخر، والأفيد هو الرجوع إلى التصالح مع الشعب وتبني مطالبه في نشدان تغيير حقيقي يعالج الأدواء من جذورها ولا يكتفي بالمسكنات الظرفية وإشغال الشعب بالأعراض والمظاهر والقشور التي تبقي على الاستبداد والفساد في مرابدهما، بل إن معارك القشور تشكل أفضل بيئة ينتعش الاستبداد تحتها.

لقد تأكد على امتداد سنتين من عمر الحكومة استدعاء الأسطوانة القديمة، والمتمثلة في أن الملك يعمل وينجز ويحل الإشكالات السياسوية للسياسيين، والحكومة عاجزة وغير قادرة على مسايرته. ولعل ذلك ما توخاه المخزن من خلال العديد من الأزمات، خاصة أزمة انفراط عقد ما يسمى بالأغلبية الحكومية، والمفاوضات المارثونية والطويلة للتعديل الحكومي، التي جعلت العديد من الناس يتساءلون عن جدوى وجود الحكومة أصلا إذا كان تعديلها استغرق 6 أشهر وإذا كان القرار بيد الملك ومحيطه.

نؤكد بمرارة وأسف شديد هذه الحقائق، وإن كنا نعتبر ولا نزال أن فاقد الشيء لا يعطيه، وأن المسؤول الأول عن الانحدارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية هو بنية الاستبداد والفساد المرعية والمحمية بناء على تبادل المصالح المتراكمة من جهود هذا الشعب وخيرات هذا البلد.

كانت تلك بعض الملاحظات الأساسية عن السياسة الداخلية، أما السياسة الخارجية فهي لا تزال محتكرة من قبل القصر ومحيطه، وفي غياب أي شكل من أشكال المحاسبة، رغم توالي الأخطاء وتكرارها، ولعل أزمة الإعداد للقرار الأممي رقم 2099 أظهرت للعيان نفاد صبر من كانوا يعدون حلفاء استراتيجيين للمغرب، حيث أصبح من الضروري البحث عن حلول حقيقية تقنع فعلا المجتمع الدولي، ويبقى ذلك بعيد المنال في ظل استمرار الممارسات الاستبدادية للنظام.

ومما زاد الواقع السياسي رتابة هذا التشرذم والصراع بين بعض القوى السياسية، لتكون النتيجة مشهدا سياسيا بئيسا، يدفع المواطن من جديد إلى العزوف عن العمل السياسي، وينشر ثقافة الهزيمة والاستسلام للواقع بكل علاته الاستبدادية والإفسادية. وهذه مناسبة أخرى لنعيد التحذير من المعارك الهامشية بين قوى المجتمع، فالمستفيد الوحيد من هذا العراك هو المخزن الذي يبني قوته على ضعف، بل إضعاف، القوى السياسية. إن مساحات المشترك أوسع من الانجرار للتطاحن في الهوامش الضيقة، وهي مساحات كافية لتتوحد فيها كل الجهود للخروج من واقع الاستبداد والفساد، وينبغي استثمارها على أحسن وجه لبناء ما يكفي من جسور الثقة المتبادلة بين الجميع بما يضمن العبور الآمن من جسر المرحلة الانتقالية نحو الاستقرار الدائم في ظل دستور الشعب والعيش المشترك والتنافس الحضاري.

ثانيا. على المستوى الاقتصادي والاجتماعي: تبخرت الشعارات واستمرت الأزمة

تميزت سنة 2013 باستفحال الأزمة الاقتصادية وما واكبها من تعتيم وتعميم وتعويم للحقائق. وأصبح الشغل الشاغل لأصحاب القرار هو استرجاع التوازنات الاقتصادية الكبرى ولو على حساب القدرة الشرائية للمواطنين. وتناسلت على إثر ذلك القرارات الفجائية بخصوص تقليص الاستثمارات العمومية والزيادة في الأسعار؛ خاصة تلك المتعلقة بالمحروقات، والمرتقبة قريبا في مواد أساسية أخرى، وتجميد الاتزامات الاستثمارية للدولة قبل متم السنة بشهرين. علما أن الاستمرار في اتفاقيات التبادل الحر يُفاقم من سنة إلى أخرى العجز التجاري، والذي بلغ سنة 2012 مقارنة بالناتج الداخلي الخام 24,2%، أي ما يناهز 201 مليار درهم في انتظار نهاية 2013. وهذا الوضع لا محالة سيزداد سوءا إذا علمنا أن عرض التصدير يبقى ضعيفا وأن 41,5% من حاجيات السوق الداخلية تغطى بالواردات، منها 85% لا يمكن الاستغناء عنها.

لقد تأكد أن المعضلة الاقتصادية بالمغرب تبقى متعددة الأوجه: فهناك تذبذب النمو الاقتصادي، وضعف التنافسية، وتفاقم العجز الخارجي، وضعف إحداث مناصب الشغل، وتراجع التوازنات المالية، ومشكل السيولة والضغط الضريبي وتفاقم مديونية الاقتصاد. وجل الأرقام، بما فيها الأرقام الرسمية ، تؤكد ذلك.

وعوض البحث عن الحلول الجذرية تم الاكتفاء بإخماد بعض الحرائق مقابل تسعير اللهب في جيوب المواطنين وذلك باتخاذ بعض الإجراءات الخالية من أي إبداع مثل سن الرسوم التضامنية والزيادة في رسوم التسجيل والضريبة على السيارات والضريبة على القيمة المضافة ورفع مساهمات التغطية الصحية لسد العجز الحاصل من جراء الاختلاسات. وعلى الرغم من كل الإجراءات الترقيعية، فإن بعض المؤشرات خاصة المالية منها لم تتحسن بل تراجعت في غالب الأحيان. وهذه بعض الأمثلة على ذلك:

– تقليص نفقات المقاصة من 54,6 سنة 2012 إلى 40 مليار فقط في قانون المالية لسنة 2013؛

– تجاوز مديونية الخزينة لسقف 62% من الناتج الداخلي الخام، أما مديونية الاقتصاد فتزيد عن 100% منذ 2010؛

– تجاوز عجز الميزانية خلال الفصل الثالث من السنة 7,3% من الناتج الداخلي الخام رغم تدخلات خفض النفقات؛

– تقدير الضغط الجبائي ب 22,4% من الناتج الداخلي الخام، يتحمل أزيد من 70% منها الأجراء والموظفون في الوقت الذي تستفيد فيه اللوبيات من 60% من النفقات الضريبية التي قدرت ب 34 مليار درهم؛

– تقدير نفقات الحسابات الخصوصية للخزينة (الصناديق) ب 19% مقارنة بنفقات الميزانية؛

– عدم تجاوز احتياطي العملة مجموع 4 أشهر من الواردات؛

– عدم تجاوز تغطية الصادرات للواردات 48%.

إنها مؤشرات واضحة الدلالة على الأزمة التي يعاني منها الاقتصاد المغربي. وفي الوقت الذي تغرق فيه الدولة من جديد في وحل الاستدانة، نجد قلة من العائلات ورجال الأعمال الذين يدورون في فلك المخزن يكدسون ملايير الدولارات وتتزايد ثرواتهم باستمرار.

وقد قيل الكثير عن إعادة التموقع الذي تنهجه مجموعة SNI التي تتحكم فيها العائلة الملكية، و بيعها لحصصها في رأسمال ‘بيمو’ ومركز الحليب و’كوزيمار’ بمبلغ قدر ب 9,7 مليار درهم، وقبل ذلك ‘لوسيور’ ب 1,7 مليار درهم، إلا أن هذا البيع لا يعني الانسحاب بل فقط الخروج من القطاعات الأقل مردودية للهولدينك الملكي إلى قطاعات أكثر ربحا من قبيل الطاقات المتجددة والأبناك والتأمينات والعقار والمهن العالمية للمغرب. وهي نفس القطاعات التي يتهافت عليها بعض المستثمرين الأجانب خاصة الفرنسيين والإسبان.

أما بخصوص السیاسات القطاعية المتبعة من طرف الدولة في قطاعات الصناعة والفلاحة والسياحة والطاقة فقد فشلت لحد الآن في تحقيق الأهداف المسطرة رغم الاعتمادات المالية الضخمة التي تمت تعبئتها عن طريق التمويل الخارجي أو موازنات الدولة.

فاتفاقیات التبادل الحر والمیثاق الوطني للإقلاع الصناعي، لم يمكنا المغرب من تحسين عرضه التصديري ومن رفع تنافسیة النسیج الصناعي الوطني، ومخطط المغرب الأخضر أثبت عدم قدرته على ضمان الأمن الغذائي للمغرب، ورؤية 2020 للسياحة طالب المهنيون بمراجعتها لعدم قدرتها على تحقيق أهدافها، وبرنامج الطاقات المتجددة تعتريه نواقص بنيوية متعددة. فهذه السياسات الفاشلة تؤكد استئثار الأجهزة المتنفذة في الدولة بالقرار العمومي لخدمة مصالح شخصية عوض أهداف التحرر والقوة للاقتصاد الوطني.

إن شبح السكتة الاقتصادية غير المستبعد يعزى لنواقص الحكامة الاقتصادية، التي من أبرزها التملص من المسئولية والمحاسبة و تعطيل دور المؤسسات وتأخير القوانين التنظيمية والإصلاحات الهيكلية الجذرية. وحتى ما نص عليه الدستور الممنوح من مبادئ اقتصادية ومالية لم يتمكن أحد من أجرءتها..

وقد سعت الحكومة، أمام هذه الأزمة الاقتصادية التي يعيشها الاقتصاد المغربي، إلى تبني نفس الاختيارات التي سارت عليها الحكومات السابقة، من خلال الاستمرار في التحلل من الدور الاجتماعي للدولة، والعمل على تخفيض النفقات الاجتماعية التي تستفيد منها عادة الفئات الفقيرة، كما أن الطبقة الوسطى أضحت هدفا سهلا لتلقي ضربات موجعة، سواء من خلال الزيادات في بعض الضرائب التي تستنزف معظم مداخيل هذه الفئة الاجتماعية الحيوية، أو من خلال الزيادة في أسعار بعض المواد الاستهلاكية خاصة البنزين.

وعلى الصعيد الاجتماعي تزداد طوابير العاطلين رغم الأرقام الرسمية التي تعلن أن المغرب يتجاوز العديد من الدول الأوربية في نسبة البطالة (9.1 %)، خاصة في صفوف حاملي الشهادات العليا، مع أن الأرقام المرتبطة بمؤشرات التنمية لا تزال تجعل المغرب في المراتب المتدنية (الرتبة 130 من أصل 186 في التصنيف الإنمائي وفق برنامج الأمم المتحدة 2013).

ورغم تنزيل مشروع التغطية الصحية الإجبارية و نظام المساعدة الطبية راميد و التخفيض من سعر بعض الأدوية، يجمع المتتبعون للشأن الصحي أن هذه الجهود لم تنعكس إيجابيا بعد على الوضع الصحي، نظرا لأن قطاع الصحة يعرف الكثير من المعضلات المرتبطة بالحكامة والتنظيم و مشكل الموارد البشرية، كما أنه يصعب إصلاح قطاع الصحة في غياب إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية حقيقية. وقد أقر رئيس الحكومة بعدة معوقات ظهرت خلال تنفيذ نظام المساعدة الطبية من بينها مشاكل في صعوبة الحصول على الرعاية المطلوبة وعدم التوازن في توزيع الخدمات الصحية والنقص الملحوظ في الأدوية والأجهزة الطبية و تعقيد مسالك العلاجات المفروضة على حامل البطاقة.

ومن المشاكل الصحية الخطيرة صعوبة الولوج إلى العلاجات، إذ لا يتوفر المغرب إلا على سرير واحد لكل ألف نسمة، ولا تبلغ نسبة الاستشفاء سوى 4.7 %، مقابل 14 % في تونس، في حين تبلغ كلفة الولوج إلى الأدوية 400 درهما لكل مواطن، ولا يتوفر المغرب سوى على طبيب واحد لكل 1700 نسمة، وممرض لكل 1000 نسمة.

ورغم إنفاق ما يفوق 25 مليار درهم لحل مشكل السكن، لم تستطع الدولة الوصول إلى الأهداف المسطرة، إلا بنسبة 50% منذ بدء المخطط، مع العلم أن 41 مدينة المتبقية من أصل 85 هي المدن الكبرى، التي تضم مدنا للصفيح وليس أحياءا، أما بخصوص السكن الاجتماعي فلا يزال العجز يقدر بأزيد من مليون وحده سكنية.

ولا يفوتنا أن نلفت الانتباه إلى ظاهرة خطيرة عرفت تناميا ملحوظا في الآونة الأخيرة ألا وهي الجريمة بمختلف أصنافها ومستوياتها، فقد أصبح المواطنون في جل مناطق المغرب لايأمنون على أنفسهم وممتلكاتهم. وهذا ما يبرز بوضوح عجز الدولة عن ضمان أهم حقوق الانسان ألا وهو الحق في الحياة والأمن والسكينة والطمأنينة.

اعتبارا لكل المعطيات السالفة الذكر، والتي ما هي إلا تجليات للاستبداد والفساد، حذرت جماعة العدل والإحسان منذ بداية سنة 2013 على لسان نائب الأمين العام للجماعة والناطق الرسمي باسمها الأستاذ فتح الله أرسلان من “الانفجار غير المؤطر” الذي يمكن أن ينجم عن الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي تزداد تدهورا يوما بعد يوم).

ونفس الأمر ذهبت إليه الأمانة العامة للدائرة السياسية للجماعة في بيانها لـ8 شتنبر 2013 وبعض قيادييها في تصريحاتهم إبان إقرار تطبيق نظام المقايسة الجزئية، حيث تم التنديد باستهداف القدرة الشرائية للمواطنين، والاتجاه نحو التمكين للفساد والاحتكار، والسكوت عن مظاهر الريع والاختلالات البنيوية التي تنعدم معها كل معاني الشفافية والتنافسية وتكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروة. كما تم التنديد بتسخير مقدرات البلاد وميزانيات العديد من المؤسسات العمومية لتغطية مصاريف تبذيرية تستفيد منها أقلية محظوظة ضدا على إرادة الغالبية الكبرى من المغاربة.

لكن يبدو أنه لا حياة لمن تنادي. إذ أصبحنا نشاهد، أمام سياسة صم الآذان، موجة جديدة من تنامي الاحتجاجات في مناطق وقطاعات مختلفة. فبالإضافة إلى الاحتجاجات النقابية والاحتجاجات المتوالية للمعطلين من حاملي الشهادات، أضحى الاحتجاج على الأوضاع الصحية نشاطا شبه معتاد للساكنة في كل المدن. ولم يعد يقتصر الاحتجاج على عموم المواطنات والمواطنين فقط بل امتد ليشمل الشغيلة الصحية التي ما فتأت تشتكي من الظروف الصعبة التي تمارس فيها مهنتها من نقص في الموارد البشرية و الأدوية و أجهزة العلاج والفحص مما يضعها في المواجهة مع المواطنين، كما شهدت قطاعات التعليم والقضاء احتجاجات متوالية، وخرج السكان في مجموعة من المناطق مطالبين بمطالب محلية، وكان ملفتا للنظر التعامل العنيف في كثير من الأحيان مع متظاهرين سلميين لهم مطالب محددة ومسطرة في ملفات مطلبية رفعت مرارا للحاكمين بدون جدوى.

على المستوى الحقوقي: ملف حقوقي ثقيل لم تحجبه المناورات الرسمية بالخارج

لقد تابعت الجماعة من خلال هيأتها الحقوقية، بقلق شديد، الوضع الحقوقي المتردي بالمغرب، وكانت حاضرة بقوة في جل الفعاليات المتصدية للانتهاكات الحقوقية سواء في حق أبناء الجماعة أو كل ذي حق من أبناء المجتمع. فرغم العبارات التي زين بها الدستور الممنوح في صيغته “الجديدة”، ورغم الانفتاح الحذر على الآليات الحقوقية الأممية، ورغم عضوية المغرب في مجلس حقوق الإنسان، ورغم تصنيف المجلس الوطني لحقوق الإنسان لدى الآليات الأممية، فإن التصنيف الأخير لمنظمة “التصنيف الديمقراطي” لسنة 2013 وضع المغرب في الرتبة 97 متراجعا بدرجتين عن تقرير سنة 2009، في الوقت الذي صعدت تونس ب 33 درجة، وهذا ما يفضح حقيقة شعار الاستثناء المغربي في أجواء الربيع العربي و يؤكد بالمقابل أن الوضع كارثي للغاية. ومن عناوين هذه الكارثة الحقوقية التي لن يكفي بيع البلاد والزهد في سيادتها للتستر عليها:

– قمع المظاهرات السلمية

في قلب العاصمة وفي غيرها من المدن حركات احتجاجية متنوعة تتصدى لها القوات العمومية بعنف مفرط وإهانات وتعذيب في كثير من الأحيان، وبمحاكمات صورية وتهم ملفقة، واعتقالات (مناضلو الحراك المغربي، والأطر المعطلة، والطلبة، ورجال التعليم، والعمال، وضحايا الانتهاكات الجسيمة، والمعتصمون في مناطق عديدة…). ولم تعلن الدولة بعد مسؤوليتها عن المآسي التي ذهب ضحيتها الشهيد كمال العماري بأسفي والشهيد عبد الوهاب زيدون بالرباط وشهداء الحسيمة، وغيرهم من الشهداء رحمهم الله.

– وضعية العدالة

ورش لا تجدي فيه الشعارات والبهرجة الإعلامية في غياب إرادة حقيقية لبناء قضاء نزيه ومستقل ومقتدر. مهازل تتراكم في محاكم جد متخلفة، وتعشش فيها الرشوة وتتجسد فيها أبشع صور الفساد وتردي القيم. وتأتي الاعتقالات التعسفية، والمحاكمات غير العادلة، والتعليمات الجائرة، والاحتجاجات المتواصلة للعاملين في سلك العدالة من قضاة وكتاب ضبط ومحامين وعدول، لتكشف جزءا من انهيار إحدى أهم ركائز الدولة.

– التعذيب والمعاملة الحاطة من الكرامة والاعتقال التعسفي

لا زال في المغرب، وأحيانا في أدنى سلاليم الفساد والاستبداد من يجبر الناس على تقبيل الأحذية والأرجل. ولم تعترف الدولة بعد، ولم تعاقب بعد من مارسوا التعذيب في معتقل تمارة والمعاريف وفي مختلف مخافر الشرطة والدرك والقوات المساعدة، وفي السجون والمعتقلات السرية، وفي الساحات العمومية وخارج المدن، وداخل السيارات… وقد جاءت زيارة المقرر الأممي في قضايا التعذيب السيد خوان مانديز للمغرب الذي التقى واستمع لضحايا التعذيب، وضمنهم عدد كبير من أعضاء جماعة العدل والإحسان الذين حضوا بجلسة خاصة مع الفريق الأممي يوم الأربعاء 19 شتنبر 2012. وقد أقر التقرير الذي قدمه المقرر الأممي “خوان مانديز” أمام الدورة 22 لمجلس حقوق الإنسان في جنيف يوم 4 مارس 2013 والذي جاء في حوالي 20 صفحة، بأن التعذيب وسوء المعاملة لم يختفيا من المغرب، حسب الشهادات التي رصدها في زيارته إلى المغرب. وقد خلص التقرير إلى أن ممارسات التعذيب لا زالت موجودة في القضايا الجنائية وقضايا الحق العام وفي حالات أخرى، مثل القضايا ذات الطبيعة السياسية، أو الإرهاب، أو المظاهرات)، ويضيف هناك لجوء متزايدا للتعذيب ولسوء المعاملة أثناء إلقاء القبض وخلال الاعتقال، ويشمل التعذيب، كافة أشكال الضرب وبشتى الوسائل كما يشمل التعليق لفترات طويلة والضرب والفلقة والصفع باليد على الوجه وبالخصوص على الأذنين، كما يشمل الركل والتعريض لدرجات حرارة مفرطة أو برودة مفرطة، والاعتداء الجنسي أو التهديد بالاعتداء الجنسي والعبث بالمناطق الحساسة).

وفي نفس السياق كانت زيارة وفد من منظمة العفو الدولية للمغرب والذي استمع بدوره إلى عينات من الضحايا من أعضاء العدل والإحسان يوم فاتح ماي 2013.

كما أن الزيارة الأخيرة للمقرر الأممي في قضايا الاعتقال التعسفي للمغرب والتي استمع فيها لعدد هائل من ضحايا الاعتقال خارج القانون، ومن بينهم عدد كبير من أعضاء جماعة العدل والإحسان الذين التقى بهم الفريق الأممي في جلسة خاصة استغرقت ساعتين يوم الأحد 15 دجنبر 2013، والتي كانت مناسبة كشفت فيها الجمعيات الحقوقية وتقارير صحفية عن استمرار الأجهزة المخزنية في أسلوب الاعتقال التعسفي وضرب القوانين والمواثيق الحقوقية عرض الحائط. وهو ما يشهد عليه الواقع حيث يعتقل أبرياء لم يتمتعوا بمحاكمة عادلة (السلفيون…)، وسياسيون غلف اعتقالهم بأغلفة جنائية (عمر محب ، من بقوا في ملف بلعيرج، معتقلو الحراك المغربي، طلبة العدل والإحسان بفاس..)، وإعلاميون (علي أنوزلا ومصطفى الحسناوي…) ومظلومون من أصناف شتى. أما داخل السجون المغربية فاكتظاظ، وفساد، وظروف صحية ونفسية وتربوية مزرية، وتعذيب مؤسساتي ممنهج يمارس في تناقض صارخ مع التزامات المغرب أمام المنتظم الدولي. أناس ماتوا (محمد بن الجيلالي)، وآخرون يموتون ببطء، وإضرابات المعتقلين عن الطعام (أغلبهم إسلاميون زج بهم ظلما وراء القضبان ودون مراعاة للمآسي الإنسانية التي تعيشها عائلاتهم وأبناؤه).

– الحق في التنظيم والعمل السياسي وتأسيس الجمعيات

جاء في التقرير الذي سلمته منظمة هيومن رايتس ووتش للرئيس الأمريكي باراك أوباما قبيل الزيارة الملكية الأخيرة للولايات المتحدة الأمريكية أن أعضاء العدل والإحسان لا حق لهم حتى في الانخراط في جمعيات آباء التلاميذ. عبارات تلخص ما ذهبت إليه ذات المنظمة في أحد تقاريرها السابقة حين أكدت أن قانون الجمعيات بالمغرب مجرد حبر على ورق. وتؤكد وضعية حزب الأمة وحزب البديل الحضاري والعديد من الجمعيات أن العمل السياسي والجمعوي منحة تمن بها الدولة على من تشاء، وليست حقوقا كما التزم بذلك المغرب أمام المنتظم الدولي.

– الحق في التدين

تمارس الدولة وصاية جائرة على الإسلام والمسلمين في شؤون تدينهم. فهي التي تسيطر على المساجد وتسيسها، وتفرض فيها إيديولوجيتها، وتمنع المواطنين من الاعتكاف فيها، وتغلقها في وجوههم وإن كانوا هم الذين بنوها، وتمنع من الإمامة والخطبة والوعظ كل من يخالفها، في انتهاك صارخ لحرية الرأي والتعبير والحق في التدين. كما تسيطر على الحج وأموال الحجاج دون القيام بواجبها في شفافية ووضوح.

– تشميع البيوت وغرامة قراءة القرآن

في الوقت الذي تواصل فيه شبكات الدعارة أنشطتها، وتتزايد الاغتصابات التي يرتكبها أجانب في حق الأطفال المغاربة ويحضى بعضهم بالعفو من عقوبتها، تصل الجرأة بأجهزة الدولة درجة إخراج من يجتمعون في بيوتهم لقراءة القرآن بعدما منعوا من المساجد، فتشمع بيوتهم وتعتقلهم (وجدةـ بوعرفة، تازة، الناضور، العروي…)، وتفرض عليهم الغرامات، وتهددهم بالإكراه البدني كما وقع في تنجداد. ويستمر التشميع وغرامات قراءة القرآن رغم الضغوطات الإعلامية والحقوقية والبرلمانية الوطنية والدولية ليكون عنوانا خاصا لمظهر من مظاهر التهور والتصلب في سياسة الدولة ضد العدل والإحسان.

الفساد الإداري والمالي

وتزال الرشوة والفساد المالي والإداري تنخر هياكل الدولة وبنيات المجتمع، ويستمر نزيف أموال وخيرات الشعب التي تهرب خارج الوطن، والصفقات المشبوهة التي تباع من خلالها البلاد بالجملة والتقسيط، وتنتهك حقوق المواطن الاقتصادية وتنهك قدراته الشرائية بالزيادات المتتالية في الأسعار دون الأجور. ولعل أوضح شاهد على هذه الوضعية المتردية هو مؤشر مدركات الفساد لمنظمة الشفافية الدولية لسنة 2013 والذي صنف المغرب إلى جانب سيريلانكا والمالاوي في الرتبة 91 من بين 176 دولة متراجعا بثلاث درجات عن السنة الماضية.

حقوق المهاجرين واللاجئين

قدمت الدولة المغربية خدمات مجانية لحماية الدول الأوروبية من زحف هجرة الأفارقة الذين نهب الاستعمار خيراتهم، ونصّب عليهم نخبا حاكمة موالية له يدافع عنها بالدبابات والطائرات العابرة للقارات وبجنود مستعمرات أخرى متواطئة. فتحول المغرب من بلد عبور إلى مستنقع احتجاز. وانضاف الآلاف من النازحين عبر الحدود غير المحمية إلى ملايين الجياع والمتسولين المغاربة. ثم جاءت نكبة الشعب السوري الشقيق التي ساهمت في تكريسها وتوظيفها أطراف عدة، حيث أصبح شرفاء سوريا وحرائرها وأطفالها في أبواب المساجد والأسواق، في المدن والبوادي المغربية، يمدون أيديهم متسولين. فهل هي الصورة البئيسة التي يسعى المخزن لترويجها وتوظيفها عن شعب مقهور أراد الحرية والكرامة فأصابته النكبة التي يعلم الجميع من المسؤول عنها، لترهيب المغاربة وتخوبفهم وصدهم عن أي حراك مطالب بالحرية والعدل والكرامة؟ لكن هيهات فدرس التاريخ يقول أن قوانين التحولات الاجتماعية والانتفاضات الشعبية هي قوانين وقواعد صارمة وعلى رأسها قانون “الضغط يولد الانفجار” وقانون الكرامة قبل الخبز وقانون الفساد مؤذن بالخراب.

ثالثا. على المستوى التعليمي: الدوران في حلقة الاستعجال والارتجال

لقد كان الإعلان عن ميلاد برنامج استعجالي إيذانا بموت ما ادعي أنه ميثاق وطني، كان قد صنع على أعين المخزن وتحت بصره، ثم زُعم أنه وقع عليه إجماع. وإذا كانت العشرية الأولى التي خصصت للتعليم لم تنته إلا على حصيلة عنوانها الأبرز الفشل الذريع في تدبير المنظومة التربوية، فإن حال السنوات الثلاث العجاف من البرنامج الاستعجالي لم تكن أفضل حالا من مثيلاتها، إن لم تكن الأسوء وباعتراف المنفذين أنفسهم.

ففي سياق عام طبع بالفشل التام في تحقيق نهوض جدي بمنظومة تربوية ولوجا وكفاءة وجودة وحكامة، تم الاستنجاد ببرنامج كانت سمته الغالبة هي الارتجال والاستعجال والتلفيق، فكانت النتيجة حصدا لاختلالات على مستويات متعددة شملت الهدر الفظيع للطاقات، والعبث البين في المناهج والبرامج، والارتجالية المزاجية في التسيير والتدبير، كل هذا بتكلفة مادية بلغت 43 مليارا من الدراهم. فوا عجبا لمنظومة تشتري هدر الطاقات وتنوع الأمية ونقص المردودية وغياب البحث العلمي بهدر الأموال العمومية في غياب تام لإعمال منطق المحاسبة والمساءلة.

كانت المحصلة النهائية اعتراف القائمين على هذا التنفيذ الاستعجالي والارتجالي بغياب الرؤية الواضحة، وافتقاد القدرات التدبيرية، وغياب منظومات التتبع والتقويم والافتحاص، وهي مخازي تستوجب المحاكمة بسبب هذه الجرائم التي ارتكبت في حق الناشئة التعليمية في عالم أضحى فيه التعليم البوابة الرئيسة لولوج التقدم المعرفي والرخاء الاجتماعي.

إنه ما كان منتظرا أن يمتلك الحكام الجرأة ليعلنوا مسؤوليتهم عن الفشل الذريع الذي يطال كل المشاريع التي يزعمونها تنموية وينفقون عليها من أموال الشعب دون رقيب ولا حسيب، على الأقل انسجاما مع منطوق دستورهم الممنوح، فكان طبيعيا أن يتم إلقاء اللوم على حكومة لا تملك من أمرها شيئا على رأي “رمتني بدائها وانسلت”.

ونعتقد أننا نخطئ الوجهة إن مضينا نستفيض في قراءة الخطاب الرسمي للحاكمين حول التعليم ومشاكله ومسؤولية هذه الجهة أو تلك، ذلك أن الصدق مع الله ومع الشعب والوضوح في التحليل يقتضيان أن نعلن أن المسؤول الرئيس عن فشل المنظومة التربوية هو النظام الحاكم نفسه الذي لم يجعل عبر تاريخه العميق في الاستفراد والاستبداد من التعليم شأنا وطنيا عاما بل شأن لجان مقربة أو مجالس صورية تستجيب فقط للتعليمات.

إن الذي بات ظاهرا لكل متتبع أن النظام الحاكم لا يمتلك أية سياسة تعليمية بما هي إرادة قاصدة مدبرة للشأن التعليمي بما يضمن النتائج التي تطمح إليها الأمم العاقلة من أي تعليم، إنما يمتلك سياسة غايتها تأبيد الاستبداد ودوام الاستعباد وتقنين الخنوع والخضوع، وهي كلها غايات مرماها الأوحد ومصبها الأبعد في بناء مواطن الإجماع والمقدسات والاستثناءات.

ما عاد المغاربة في حاجة إلى توصيفات مكرورة متتالية متشابهة لأدواء منظومتهم التربوية إنما يحتاجون إلى معرفة من يخرب و لصالح من يخرب العابثون المبذرون ثروة الشعب المتمثلة في فلذات أكباده في تجارب لا يجمع بينها إلا الفشل المبين وضياع الأموال والجهود وتفويت الفرص. أما حصر القضية في الحكومة المحكومة المأمورة فالتفاف آخر على هذا الشعب وتحريف للنقاش حول المسؤول الحقيقي، واستمرار في تضييع الوقت، وإدخال للمنظومة في حالة الموت السريري، كما هو الالتفاف بمحاولة حصر أزمة التعليم في لغة التدريس، وجعل المخرج والخلاص حسب بعض المغربين هو تدريس الدارجة. إنه ضحك على ذقون المغاربة ومحاولة جديدة لطمس بعض معالم هويتهم.

إننا نحتاج قبل أي تشخيص حقيقي للخلل الذي تعيشه المنظومة بسبب الواقع السياسي والاجتماعي الذي يعرفه البلد إلى أن يرفع حكام الجبر أيديهم عن رهن الأمة ومصير أجيالها باستبدادهم، وعن رهنها بإملاءات الاستكبار العالمي، ثم نحن في حاجة بعدُ إلى بناء سياسة تعليمية يكون مدخلَها حوارٌ وطني عمومي حر ومسؤول يؤسس لجبهة وطنية لإنقاذ المدرسة المغربية وبناء تعليم يستجيب لهوية الأمة ولحاجياتها الآنية والمستقبلية.

خاتمة

كان هذا عرضا مركزا لأبرز سمات الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي والتعليمي، وقد قدمنا له بلمحة موجزة عن بعض أعمال الدائرة السياسية خلال هذه السنة، ونحن إذ نحمد الله عز وجل على توفيقه وسداده، نتوجه بالشكر الجزيل لكافة الإخوة والأخوات على ما بذلوه من جهود جبارة في تنزيل المخطط الثلاثي للدائرة السياسية لهذه الولاية التي نحن في بدايتها ونلح على مواصلة التعاون والتنسيق مع باقي مؤسسات الجماعة سائلين المولى القدير أن يوفق الجميع لمزيد من العطاء.

وفي الأخير نؤكد دعوتنا إلى ميثاق جامع يجلس كل الغيورين والفضلاء لصياغة بنوده بكل مسؤولية، لأن في فرقتنا واختلافنا دعم غير مباشر للاستبداد والفساد. نقول قولنا هذا. وعلى الله التوكل. ومنه جل وعلا التوفيق. والحمد لله رب العالمين.