التعليم بالمغرب في زمن الجائحة.. بعض من المعطيات المفزعة

Cover Image for التعليم بالمغرب في زمن الجائحة.. بعض من المعطيات المفزعة
نشر بتاريخ

التعليم بالمغرب في زمن الجائحة

بعض من المعطيات المفزعة 1

بعيدا عما قد يروج له البعض من كون الدولة قد أفلحت في تدبير التعليم عن بعد إبان جائحة كورونا على نحو حسن أو حتى جيد، هذه مقالة تقف عند جملة من المعطيات الرقمية المفزعة التي تفضح الواقع المرير لمجال التعليم ببلادنا إبان ذلكم الوباء؛ أولا: لأن ذلك ليس إلا تردادا للنغمة نفسها للدولة النموذجية الناجحة في تدبير مرحلة الجائحة كليا على كافة الأصعدة، تلكم النغمة التي اعتدنا على استهلاكها كلما حلت بنا وبالعالم ظرفية ما وكأننا لسنا من الناس الذين يصيبهم ما أصاب العالمين (ولعله من باب نحن استثناء لعبقريتنا المشهودة!!). وثانيا: لأن التعليم عن بعد أصلا لم يكن كما قلنا في غير هذا الموضع “من الخيارات المطروحة في تصور المنظومة التربوية المغربية رؤية وتدبيرا وتنزيلا فلا غرو أن يأتي اعتماده ليكشف ما تبقى من عوار جراح مثخنة تضرب قلب مجال حاسم في ارتياد آفاق تنمية مرجوة مأمولة هي السراب عندنا منذ عهود”، زد إلى ذلك أن بعض  المعطيات التي سنوردها في ما يأتي تفضح ذلكم الادعاء جملة وتفصيلا، وتجعلنا نردد قولة سابقة أخرى لنا ترى أنه “لا تفيد اللغة المتأنقة المستعارة، ولا بديع القول وجميل التفنن فيه في  إخفاء آلام الجراح الناكثة في جنب التربية والتعليم”. ويالها من جراح تذوب لآلامها القلوب!!

إفشال التعليم وفشل التنمية

تورد تقارير رسمية في رصدها للبعد التنموي في المغرب ومدى إسهام التعليم في تنمية الرأسمال المادي والاجتماعي وتحقيق الرفاهية، أن الوضع التنموي في المغرب ليس على مستوى الجودة والفاعلية والنجاعة المأمولة، وأن لـ “الأداء غير الكافي” في مجال التعليم أثره القوي في رسم معالم وضع المغرب في مؤشر “الازدهار والرفاهية” الذي يتميز بكونه “أقل ملاءمة نسبيًا”، وهذا يسهم في تحديد التصنيف العام للمغرب ضمن مؤشر الاندماج الاجتماعي، بحيث يوضع في صف الفئة الرابعة التي تضم دولا “تتميز بضعف الأداء في مجالات التعليم المتقدم والاندماج الاجتماعي”. وعلى الرغم مما قد يعد ارتفاعا في النفقات العمومية في مجال التعليم فإن “العائد” الإجمالي يبقى بعيدا عن المنتظر المرغوب، كما أن الإنفاق ذاته يبقى غير كاف للاستجابة لمتطلبات التنمية الحقيقية للمجال نتيجة هذا التضخم المتتالي لمعدلات التسرب والهدر وضعف الجودة التي تجد خير معبر عنها الترتيب الدولي في مجال اختبارات التحصيل الدراسي، وفي المخرجات العامة المؤهلة لسوق الشغل، وفي مدى التقدم في محو أمية الشباب والكبار، وهي كلها عناصر تؤثر على الوضع التنموي للمغرب وعلى قدراته التنافسية الدولية.

لقد صنف المغرب في مؤشر التنمية البشرية لسنة 2020، في المرتبة 121 عالميا من أصل 189 دولة، وكان من أهم أسباب هذا الترتيب وضع التربية والتعليم نتيجة ضعف سنوات التمدرس التي لا يبلغ معدلها سوى 5,6 سنة فقط عندنا في 2019 مقارنة بـ 6,7 سنة للبلدان ذات التنمية البشرية المتوسطة، و12,2 سنة للبلدان ذات التنمية البشرية العالية جدًا، و كذا لأن نسبة السكان الذين بلغوا المستوى الثانوي في التعليم والذين يتجاوز عمرهم 25 سنة، بلغت 29,1٪  لدى الرجال، و36 ٪ لدى النساء.كما أن البلاد وصلت المرتبة 111 عالميا في مؤشر عدم المساواة بين الجنسين.

بنية رقمية هشة وعتاد معلوماتي مهترئ

ستكون جائحة كورونا الضوء الكاشف الذي سننفضح عنده نحن المتخلفين في أذيال العالمين، الفجوة الرقمية العميقة؛ حقا لقد أنفقت استثمارات عالية لتحديث بنية النظام المعلوماتي عندنا، لكن لم تنجح الدولة في “إرساء نظام معلوماتي متكامل ومندمج يمكن من قيادة المنظومة التربوية”. وهو ما أثر بشكل كبير على التصنيف الدولي العام للمغرب في مجال تقييم خدمات الأنترنيت سواء على مستوى تدخل العامل البشري أم مستوى البنية التحتية، بحيث احتل الرتبة 148 على مستوى الرأسمال البشري، والرتبة 104 على مستوى تطوير البنية التحتية، وهو ما ينبئ عن عدم جاهزية البنية التحتية التي لا تتوفر فيها المواصفات القمينة بتسهيل عملية التعليم عن بعد على نحو يسائل استراتيجية المغرب الرقمي وفرصنا في ولوج عوالم التحديات التقنية والعلمية.

إن قدرات الاستجابة المناسبة للتكيف مع التعليم عن بعد على مستوى الوضع التكنلوجي والرقمي، قدرات محدودة حسب دراسة رسمية حديثة، وثلاثة أربــاع تلامذة المــدارس الابتدائيــة صرحوا أن مدارسهم لا تتوفر على قاعــة متعــددة الوســائط. و٪ 65 منهـم قالوا بعدم توفر مؤسساتهم على ربط بالشبكة العنكبوتية، بل لقد صرح ٪ 38 مـن تلامذة المـدارس الابتدائيـة أن مدارسـهم لا تتوفـر علـى المسلاط العاكس (Data Show)، وقد أورد التقرير نفسه أن “خمـس الأسـاتذة بالوسـط القـروي لم يمارسـوا التعليـم عـن بعـد”. وأن مـن مجمـوع الأسـاتذة المشـاركين في التعليـم عـن بعـد، % 35.4 منهـم فقـط راضـون عـن تجربتهـم مقابـل % 62 غـير راضـين عنهـا، من هنا عبر % 36 مـن بـين الذيـن اسـتُجوبوا عـن الجانـب السـلبي للتعلـم عـن بعـد، لما لمسوه من آثار ضعيفة في المردودية بعد العودة إلى المدارس.

وإذا كان مؤشر تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في المغرب، يبلغ 4,6 سنة 2016 و4,8 في سنة 2017 والمعلوم أنه كلما ارتفعت قيمة المؤشر كلما دل ذلك على وجود تقدم، فسنكون إزاء إشكاليات كبرى حقيقية تسائل استعدادانا للدخول إلى العالم الرقمي المتنامي، أما الحديث عن المنافسة فيه فضرب من الخيال على الأقل الآن.

تعلمات ضائعة وجودة مفقودة

 وقف تقرير مغربي صدر في أكتوبر 2021 عند مستوى جودة نظام التعليم من خلال الترتيب الدولي للمغرب في الاختبارات الدولية “PIRLS وTIMSS ” ليقول إن المكانة الدولية غير مواتية للمغرب من حيث الاختبارات الدولية؛ إذ إن البلاد حصلت على متوسط ​​درجة على التوالي 358 نقطة في عام 2016 و383 نقطة في عام 2019، في أقل من المتوسط ​​العالمي المحدد بـ 450 لـ PIRLS و500 لـ TIMSS. ويورد التقرير ذاته أن معدل التسرب التراكمي في التعليم الثانوي إن عرف انخفاضا بنسبة 43٪ تقريبًا بين عامي 1999 و2018 فإن المعدل الذي تم التوصل إليه في عام 2018 لا يزال مرتفعا نسبيا، وكشف أن معدل معرفة القراءة والكتابة للبالغين كنسبة مئوية من السكان الذين تبلغ أعمارهم 15 عامًا فأكثر زاد بشكل ملحوظ بين عامي 2000 و2018 لكنه لم يقض بعد على الأمية التي لا تزال تؤثر على المجتمع، وتبقى القدرة التنافسية للمغرب عائقا أمام موقعه الدولي.

وحتى مع هذا التغني بتعميم التعليم، فإن التراجع حسب تقرير موضوعاتي لتقييم أزمة التعلم في زمن كورونا ملموس في الجودة؛ إذ لا يكتسـب ما يقرب من ثلثي التلاميـذ المهـارات الأساسـية عنـد نهايـة التعليـم الإلزامـي، سـواء تعلـق الأمـر بالمهـارات المعرفيـة أم الحياتية، وتقريبـا فإن %13 مـن التلاميـذ المغاربـة يعانون مـن اضطرابـات كبيـرة فـي صعوبـة القـراءة “فـي وقـت لا يتوفـر النظـام التعليمـي علـى أي مختـص فـي تقويـم النطـق واللغـة”، ويعزى هذا إلى أن أكثـر مـن %60 مـن المدرسـين الشـباب حصلـوا علـى شـهادة البكالوريـا بـدون ميـزة وربعهـم فقـط مـن حصـل علـى البكالوريـا فـي سـن .18 بل يتم الحديث عن كون %67 مــن مدرســي التعليــم الابتدائـي يتوفـرون علـى قـدرات عاليـة فـي مجـال الرياضيـات و%3,5 فـي العربيـة و %0 فـي الفرنسـية بحسب بحث سبق إنجازه من طرف المرصـد الوطنـي للتنميـة حــول مؤشــرات تقديــم خدمــات التعليــم.

وهذا ما يؤكده تقرير حديث رسمي آخر حديث وهو يقرأ وضعية الفاعل البشري الذي هو عمدة التنمية، إذ يقف عند التدني الكبير لمستوى تحصيل التلامذة المغاربة فمن ذلك أن % 64 من الأطفال في المغرب لا يستطيعون قراءة قصة بسيطة وفهمها في نهاية المرحلة الابتدائية، وترتب هذه الإحصائيات المغرب في مرتبة أدنى ب 2.5 نقطة مئوية من متوسط بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وب 10.7 نقطة مئوية من متوسط البلدان ذات الدخل المتوسط..

بحث علمي هزيل

أورد تقرير للمركز الوطني للبحث العلمي والتقني أن عدد البحوث المغربية التي نشرت خلال الفترة ما بين 23 يناير و23 أبريل 2020 على قاعدة بيانات Web Of Science (WOS) لم تتجاوز 4 بحوث من أصل 6024 بحثا، بينما نشرت المملكة العربية السعودية 18 بحثا، وجنوب أفريقيا 13 بحثا، ومصر 5 بحوث، ولقد رتب المغرب في المرتبة الرابعة في ترتيب البحوث الموجودة على قاعدة بيانات (Scopus).

من جهة أخرى تورد المعطيات المتوفرة إلى توجه الدولة إلى تعزيز برنامج دعم البحث العلمي الخاص بالجائحة، عبر استقبال عدد من المشاريع العلمية وصلت إلى401  مشروعا، خلال الفترة التي تغطي ما بين 9 و30 أبريل من العام 2020، وقد تم العمل في مرحلة أولى على تمويل 53 مشروع بحث علمي، وفي مرحلة ثانية على اختيار 147 مشروعا آخر كلها ذات صلة بالجائحة كوفيد 19، وقد كان لافتا أن تمثل نسبة الأبحاث الطبية منها 8%، والأبحاث العلمية نسبة 46% والاقتصادية نسبة 16%، وأن تحتل الأبحاث السياسية 4% فقط.

لقد تراجع تصنيف المغرب في مؤشر الابتكار العالمي لسنة 2020 بمركز واحد مقارنة مع مؤشر السنة التي قبلها فجاء في المرتبة 75 عالمياً من أصل 131 بلداً، وإذا كان أداء البلاد في مدخلات الابتكار أفضل (المرتبة 85) فإن الأداء في المخرجات كان أقل (المرتبة 69) وإن كان الترتيبان معا قد عرفا تقلصا مقارنة مع العام 2019. وهو ما يكشف عن عجر البحث عندنا عن مسايرة متطلبات التنمية، من هنا لم يكن غريبا أن يحتل المغرب المرتبة العاشرة من بين 19 اقتصادا في شمال إفريقيا وغرب آسيا.

لو تحدثنا عن مؤشرات الاعتناء بالمواهب، فإن ما تقدمه بعض التقارير الوطنية يظهر أن المغرب يحتل المرتبة 100 من بين 125 دولة تم تصنيفها حسب المؤشر العالمي لتنافسية المواهب، حيث حصل على 32.93 نقطة مثل بعضها مجال المهارات المهنية والتقنية ب 27,2 نقطة، وشمل بعضها مجال مهارات المعرفة العالمية ب 16,21 نقطة. ولن ننسى نزيف هجرة كفاءاتنا وأدمغتنا (600 مهندس يغادرون كل سنة) ليستخلص جهدها الآخرون، بينما لا يجد الناجحون المتفوقون لأنفسهم مكانا في المؤسسات ذات الاستقطاب المحدود لارتفاع المعدلات وضعف المكتسبات اللغوية أمام متعلمين خريجي تعليم خاص ذي فرص ممتازة للترقي المهني والاجتماعي.

ما نسجله ختاما هو أن الوضع التعليمي بالمغرب يعيش مستويات كبيرة من تدني الثقة في المدرسة المغربية، من ذلك تعبير العديد من المستجوبين في بعض الاستطلاعات عن “حذرهم من جودة التعليم”، وعن وسم المدارس بـ “المشروع الفاشل”، وعن ارتفاع مستوى الثقة في التعليم الخصوصي إلى نسبة لا تقل عن 83% وتأرجح هذه الثقة في التعليم العمومي ما بين 46% و53%. وبعد هذا من يقنعنا أن التلعيم بالمغرب بخير، وهل سنسقط في تصديق الوهم الجديد المسمى بالنهضة التربوية في جبة النموذج التنموي أم إنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ ۚ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ ۖ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى.

مراجع المقالة:

تجد هذه المعطيات مراجعها في مصادر منها:

1.   دراسة بناء مجتمعات المعرفة في المنطقة العربية: اللغة العربية بوابة للمعرفة، منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، صدر في فرنسا، عام2019، طبع بالقاهرة، جمهورية مصر العربية؛

2.   المندوبية السامية للتخطيط، بحث وطني حول تأثير فيروس كورونا على الوضع الاقتصادي والاجتماعي للأسر، اﻟﻔــﱰة اﳌﻤﺘــﺪة ﻣــﻦ 23 إﱃ14 2020 أﺑﺮﻳــﻞ.

3.   المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، الانعكاسات الصحية والاقتصادية والاجتماعية لفيروس كورونا ” كوفيد 19 ” والسبل الممكنة لتجاوزها”؛

4.   مؤشر الابتكار العالمي 2020، من سيمول الابتكار؟ المنظمة العالمية للملكية الفكرية (WIPO)، وجامعة كورنيل الأمريكية (Cornell University)، ومعهد إنسياد الفرنسي لإدارة الأعمال (INSEAD)؛

5.   البرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، تقرير التنمية البشرية 2019 لعام ما وراء الدخل والمتوسط والحاضر؛

6.   تقرير التنمية البشرية لعام أفق جديد التنمية البشرية والأنثروبوسين، 2020حقوق الطبع 2020 لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، UN Plaza, New York, NY 10017 USA؛

7.   التعليــم فــي زمــن كوفيــد بالمغرب، تقرير موضوعاتي ملخص بشراكة مع اليونيسف 2021، الهيئـة الوطنيـة للتقييـم لـدى المجلـس الأعلى للتربيـة والتكوين والبحـث العلمـي بشراكـة مـع منظمـة اليونيسـيف؛

8.   التقرير الهيئة الوطنية للتقييم لدى المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي. تحت إدارة رحمة بورقية وبمساهمة طارق حاري، رقية الشفقي، عبد العزيز آيت حمو، نوال زعاج، مهنة الأستاذ) ة (في المغرب على ضوء المقارنة الدولية. تقرير موضوعاتي، دجنبر 2021.

9.   Centre national pour la Recherche Scientifique et Technique, Worksheet Covid-19 dans les bases de documents scientifiques, Avril 2020, P : 2, 4, 8.

10.   Evolution du positionnement, international du Maroc, Tableau de bord stratégique, institut royal des études stratégique, Huitième édition, Novembre 2020, p 35-44.

11.   L’Institut Royal des Etudes Stratégiques (IRES) Evolution du positionnement international du Maroc ; Tableau de bord stratégique ; Neuvième edition ; Octobre 2021.

12.   Global innovation index 2020 who will finance innovation ? 13th edition.


[1] بعض هذه المعطيات وارد في سياق تحليلي في كتاب صدر لي تحت عنوان: “التعليم بالمغرب في زمن كورونا المنجز والتحديات” سيصل القراء قريبا.