لطالما تساءلت عن سر اليقين والصمود عند أهل غزة!؟ هل هو وليد اللحظة أو هو نتاج تربية إيمانية روحية جهادية استغرقت أعواما عديدة وأزمنة مديدة؟
لا شك أن الجواب واضح من خلال الأفواج المتلاحقة من صفوة الحفاظ طوال هذه السنوات. لقد تلقى أهل غزة الأبية جرعات إيمانية عالية حمت بذرة اليقين فيما عند الله، فاستقبلوا الشهادة بصدر رحب ملؤه الإيمان.
فرجال وشباب الكتائب هم أنفسهم صفوة الحفاظ، بل صفوة الناس أجمعين، بما حباهم الله من تعلق بكتاب الله وتعلمه وتعليمه، رجالا ونساء وأطفالا وشيوخا وشبابا..
ذلك التشبث بكتاب الله حفظا وتلاوة ومدارسة في بيوت الله، لَهُوَ أشبه باجتماع الصحابة في دار الأرقم بن أبي الأرقم فجر البعثة المحمدية، حيث تلقى صفوة الخلق مبادئ التوحيد والعقيدة ومكارم الأخلاق من لدن خير البشر سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، لينطلقوا بعدها مجاهرين بالدعوة، باذلين الأنفس في سبيلها، مهاجرين في سبيل الله، تاركين ديارهم وأهليهم ومالهم فداء للإسلام ونصرة له.
لقد كانت ومازالت التربية الإيمانية مرتكز المقاومة، والوتد الذي تُقام به أركانها. فالمهندس والدكتور والصيدلانية ورجل الأمن وربات البيوت والأمهات والجدات والطلاب.. هم أنفسهم من صنعوا نسيج السبت 7 أكتوبر، نسيجا حُبِكَ بخيوط من نور؛ مادته الخام كتاب الله وسنة رسوله، خيوط حيكت بالأوراد والأذكار والصلوات، مع العدة الجهادية وما تتطلبه من قوة دفاعية.
فلا غرو أن يكون المنهاج النبوي الذي أُسس على خصال عشر هي مجموع شعب الإيمان تبتدأ بالصحبة والجماعة والصدق والذكر … وتنتهي بالجهاد، تتدرج بالسالك تربية وتنظيما وزحفا.
حاجة الأمة، إذن، ماسة إلى التوبة على مدارج الخصال العشر، والعودة إلى كتاب الله تلاوة وحفظا ومدارسة، وهي ألح الآن. وكذا التشبث بالأوراد والأذكار، حتى تطمئن قلوب المؤمنين بموعود الله؛ فتتشرب اليقين وتتعلمه، وتتعامل مع الأحداث بقلب مؤمن بما عند الله، وبما وعد به عباده الصالحين.
وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ؛ العدة هنا كمالات يتطلع إليها قلب المؤمن والمؤمنة، وتتجلى في الكمال القلبي الإحساني، والكمال الخلقي، والكمال العلمي، حتى إذا نادى منادي الزحف أو الجهاد استنفرت الجوارح كل قواها لاسترخاص المهج في سبيل الله، ووجدت نفسها محصنة بسياج قوي ضد كل الأباطيل والأوهام التي تثبط إرادة المسلمين.
الحاجة ملحة للتوبة والتمسك بالأوراد وتجديد النية في كل خطوة وهمسة وخاطرة، حتى يتحقق فينا قول الحق جل وعلا: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا.