التحولات السياسية في مشروع الإمام المجدد (2)

Cover Image for التحولات السياسية في مشروع الإمام المجدد (2)
نشر بتاريخ

ما يجمعنا؟

ذاتٌ مشتتة نحن بفوارقنا الاجتماعية والبغي السياسي المنحط على ما في عقول بعضنا من تبعية فكرية لغيرنا، وعلى ما في صدور أغلبيتنا الأمية من انقياد للحاكم صاحب الهراوة.

هل ينزل الأعلونَ من الطبقة المستنيرة بضياء المطالبة الديمقراطية إلى أرض الواقع الاجتماعي لينسجموا مع الشعب، وليندمجوا معه وفيه؟ هل تقتضي ذلك الديمقراطية، هل الديمقراطية ضمير، هل للديمقراطية ضمير؟

هل يجد المناضل التقدمي اليساري في تعاليم المعلم كرامشي مدخلا إلى جنة المثقفين المناضلين الثوريين: وهي أن يصبحوا مثقّفين عضوِيّين قريبين من الشعب، قادةً للشعب، إلى حيث ينبغي أن يُقاد الشعب؟ ماتت أحلام كيفارا في جبال أمريكا الجنوبية، وما ماتت التُّرّهات الإديولوجية في عقول سخيفة.

نجد أنفسنا وجها لوجه مع عالمية استكبارية متفوقة علينا بوسائلها العلومية التكنولوجية المالية الاقتصادية الديمقراطية. عالم مستكبر وفينا مستكبرون من بني جلدتنا.

هل في الديمقراطية، في ديمقراطية مَا نصطفيها، ما يحوِّل قِبْلَة الأفكار، وطبيعَة المجتمع، إلى وجهة لا تدور بنا سراديبُها إلى إعادة المعهود الموروث من اختلاف يؤدي إلى خلاف، يؤدي إلى نزاع، يؤدي إلى سيطرة الحزب الواحد، والزعيم الأوحد، والقائد الملهم؟

قوة الديمقراطية تتمثل في مرونتها التعددية، في قَبول السلطة لمعارضة حرة، في انتظار المعارضة فرصتها حين يقتنع الشعب لتثبتَ جدارتها وقدرتها على الحكم، ولتجرب برنامجها حَذِرةً أن لا ينقلب عليها الرأي العام في الانتخابات. قوة الديمقراطية تظهر في انسجام صفوة المتصدين للحكم، واتفاقهم، واندماجهم، على كلمتهم السواء، وهي آخر المطاف: التداوُل الديمقراطي على الحكم بطرق سلمية، بإحالة الاختيار للشعب.

الديمقراطية انسجام واندماج اجتماعي سياسي، و«كلمة سواء» تنتفِي بها من المجال أساليب العنف.

لا بد للمسلمين من انسجام واندماج اجتماعي وسياسي ليواجهوا، وهم أقوياء بمتانة نظام حكمهم، حقائق موازين القوى السياسية الاقتصادية العسكرية المالية في العالم، وحقائق ميزان العدل في مجتمعاتهم.

لا بد للمسلمين من وحدة شاملة ينسجمون فيها قطرا إلى قطر، ومن اندماج قطري يكون هو القوة لا عنف السلاح، وحكم الحزب الواحد والزعيم الأوحد.

ولا انسجام واندماجَ ووحدة إلا على كلمة سواء -كلمتنا السواء لا يمكن أن تنبثق من خارج ذاتنا وعقيدتنا وديننا.

الكلمة السواء الديمقراطية أن لا يتظالم الناس، وأن يتعايش المواطنون راضين بحكم الشعب، آملين أن تتقلب رياح الرأي العام ليتبَدّل الناسُ وجوها بوجوه كلما عجز حزب حاكم أو ائتلاف أحزاب، واثقين من أن حرية التعبير، ووجود المعارضة الناقدة بحرية، كفيلان بتصويب المعوَجِّ، وطرد الفاسد، ومقارعة الناس بالناس لتندَحضَ حجة بحجة. ولتقوم قائمَة الأصلح.

كلمة المسلمين السواء التي توحد، وتَحُل عقداً تاريخية ركيكة ودخيلة، وتهيئ لاندماج وانسجام، وتربي على انسجام واندماج هي التي دعا إليها القرآن أهل الكتاب، وهم كانوا أشد تنطعا وأبعد عن الحق من التائهين مِنا عن الجادّة، وهي قوله عز وجل آمرا رسوله صلى الله عليه وسلم وآمرا من بعده كل من يستمعون القول فيتبعون أحسنه: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ . 1

سؤال محورِيّ طرحناه ونعيد طرحه: ما يجمعنا؟ ولا بد من جمع. العروبة القومية بعثرت العرب. المذاهب الدخيلة تتفتت في ديارها. الإسلام كلمة غريبة كأن الإسلام طارئ في العالم.

في العالم قُوى استكبارية عاتية لا يصمد في وجهها جسم متفكك في القوميات. ولا يصمد أمام غزوها الاقتصادي سويقات استهلاكية تشتري السلاح المتطور ترصده لغدرةٍ من جار قومي. ولا يقف أمام غزوها الحضاري الثقافي قوم منصبغون نفسيا، مقتنعون عقليا بأن أقصى أمانينا نحن المسلمين أن نلحق بالركب الحضاري السائد.

وكأن الإسلام ورسالة الإسلام أسطورة مضت، وكأنَّ وظيفة التذكير به أن لا نخجل في الركب الحضاري الرائح بنا في تياره بين تاريخ الأمم وحضارات الشعوب.

عُقد رديئة، وتفكك في القوميات، وتبعية في الاقتصاد، وتحامُر يطاوع استحمارا في الفكر، وأخلاق ما هي أخلاق، وأم البلايا انعدام العدل الاجتماعي لانعدام العدل السياسي.

اختلال توازن تاريخي يسويه فقط التوبة العامة إلى الله. الطاعة العامة لله ورسوله. الاستجابة العامة لندائه سبحانه، نداء صَمّ عنه أهل الكتاب وعَمُوا، وهم الأبعدون. ويَصِمُ عنه من بني جِلدة حاضِرنا قوم مستكبرون.


[1] سورة آل عمران، الآية: 46