البحر الأبيض المتوسط يعاتبنا بأمواج شواطئه الذهبية، ونسائمه الحاملة نداءات الآلام والدموع من غزة. يترجع صداها على مسامع المصطافين تحت شمسه الدافئة.
لنجعل من اصطياف الأجيال الصاعدة رسالة، ومن متعتهم موقفًا صادقًا، بل اصطفافًا مع إخواننا الذين يُجوعون، ويُقتلون، ويُسكت صوتهم على مرأى ومسمع من العالم. مع كل قطرة ماء تلامس أقدام شبابنا، وكل نسمة يسعدون بها، هناك صرخة استغاثة تنتظر من يسمعها… لنحول أوقات جيل الإيمان والأمان على هذا الشاطئ الجميل إلى عهد نصرة، وعهد وعي، وعهد وفاء لأهلنا في فلسطين الجريحة.
يعلم البحر ما يعنيه في مخيال الطفل الإسرائيلي، إنه جزء من “إسرائيل الكبرى” و”الهوية الصهيونية”:
- التراث اليهودي يسمي البحر المتوسط “بالبحر الكبير” ويعتبره رمزا لحدود الأرض الموعودة. إنها تعاليم توراتية يرضعها الطفل الإسرائيلي منذ تعليمه الأولي.
- الطفل الإسرائيلي لا يمثل له البحر المتوسط فضاء بحريا للسباحة فقط بل ميدانا استراتيجيا يشهد على حروب ومخاوف أمنية من عمليات تهريب السلاح إلى صراع مع المسلمين الأعداء عربا وغير عرب من فرس وأتراك.
- البروباكاندا الإسرائيلية تصور الساحل الفلسطيني (يافا، حيفا، عكا..) كأنه لم يكن عامرا قبل 1948 وأن الاستيطان اليهودي هو الذي أحياه! وتقدم البحر كنهاية للشتات وبداية للتمدن اليهودي مع تغييب كلي للحياة العربية بالساحل قبل النكبة.
- إنه منفذ إلى العالم بعد قرون الشتات اليهودي تحرروا في مجاله من العزلة بخلاف حياة المنفى السابقة في أوروبا أو البلاد العربية.
- إنها عملية غسل أدمغة الأجيال لتكون مياه المتوسط المالحة، والحدود الزرقاء تعكس هوية مشحونة بالعنصرية والحقد والحنين إلى أرض الميعاد والانفتاح على الغرب.
أما الطفل الفلسطيني يعني البحر له شاهدا صامتا على الوجع والحنين والمنفى إنه حدود حلم ممنوع.
- يرى البحر لكنه مقيد بخط أمني تحيطه الزوارق الحربية الإسرائيلية.
- البحر المتوسط رمز للوطن المسروق تحيي ذكرياته الجميلة الجدات والخرائط القديمة.
- لعب الطفل الفلسطيني تحت طائرات استطلاع ونيران القصف.
- البحر شاهد على قوارب اللاجئين الغرقى
- البحر نافذة نفسية للهروب، عشرات القصص عن أطفال وشباب حاولوا الهجرة عبر البحر أو رموا رسائل في زجاجات..
- البحر طريق أمل وصول المساعدات أو إطلالة بعيدة لسفن الحرية قبل اعتقال أحرارها..!
ما عاتبنا البحر المتوسط إلا لحبه لنا، طالما كان لقلوب المسلمين بوابةً للقاء الحضارات، ونقطة انطلاق لرحلات العلم والدعوة، وساحةً للفتوحات ونشرا لقيم الشجاعة والصبر.
في الماضي، عبرت سفن الإسلام مياهه حاملة نور الرسالة المحمدية بين الشواطئ، فكان البحر شاهدًا على عظمة الحضارة الإسلامية وارتباطها بالأمم الأخرى.
رحم الله شهداءنا الأبرار وحيا الله إخواننا في غزة العزة المرابطين على ضفاف البحر المتوسط يحاربون من أجل الحياة والكرامة، رغم القهر والجوع والحصار.
هو اليوم أكثر من مجرد بحر للاستجمام أو التجارة، بل رمزٌا للانتماء والشهادة بالقسط ودعوة إلى حمايةً القيم الإنسانية، والذود عن ديننا الذي تكالبت عليه يد الغدر والخيانة من بني صهيون وأذنابهم من بني جلدتنا.
بكل يقين نستبشر بمستقبل الإسلام الأغر بإذن السميع العليم، يكون فيه البحر المتوسط منبرًا للوحدة والتلاحم، تتلاقى عبره شعوب المنطقة على العدل والمحبة والسلام، ويُكتب فصل جديد من البشرى والبناء، ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله عز وجل، صفحة جديدة تشرق فيها شمس الحرية على فلسطين وأهلها وكل المستضعفين في الأرض.
لنجعل من البحر المتوسط ممرًّا للأمل وساحة للاصطفاف مع الحق لا للاصطياف فقط.