الاستراتيجية النبوية للفتح والفتح العمري لبيت المقدس

Cover Image for الاستراتيجية النبوية للفتح والفتح العمري لبيت المقدس
نشر بتاريخ

من المعقول والمرجح أن تبدأ كل استراتيجية عظيمة بوتيرة متزايدة شيئا فشيئا، وهذا ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم من تربية وتعليم لأمته استعدادا لفتح بيت المقدس، فقد بدأ صلى الله عليه وسلم مرحلة الفتح بنفسه وعندما علم أنه لن يدرك الفتح الفعلي بنفسه، أعطى هذه القضية تركيزا خاصا وبعدا دينيا وتربويا في نفوس صحابته وصولا إلى الأمة جمعاء.

ومن الصحابة الذين تلقوا هذه التربية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نذكر الفاروق عمر بن الخطاب، أمير المؤمنين، الذي كان فتح بيت المقدس على يديه استكمالا لانتشار دعوة الله تعالى في الأرض. فكيف بدأ النبي صلى الله عليه وسلم مرحلة الفتح بنفسه؟ وما هي استراتيجية النبي صلى الله عليه وسلم للفتح؟ وماذا كانت أسسها؟ كيف كان فتح عمر بن الخطاب رضي الله عنه لبيت المقدس؟ وما هي العهدة العمرية…؟

1-    الفتح الأول لبيت المقدس والاستعداد له:

لم تكن قضية بيت المقدس والمسجد الأقصى أمرا ثانويا في الدين الإسلامي بل كانت أساسا عقديا وضع له النبي صلى الله عليه وسلم أسسا ومرتكزات وخططا سار على نهجها الصحابة لأجل الفتح الكبير لبيت المقدس.

لم يقتصر النبي صلى الله عليه وسلم في الفتح على الإعداد العسكري بل سبقه إعداد روحي وإعداد نفسي. ربط النبي صلى الله عليه وسلم قلوب صحابته بذلك المكان المقدس حتى جعل الشوق فيهم لرؤية بيت المقدس والمسجد الأقصى منذ بداية الدعوة وحتى وفاته صلى الله عليه وسلم.

أول ما علق رسول الله قلوب صحابته ببيت المقدس كان الصلاة كون المسجد الأقصى كان أول قبلة للمسلمين والصلاة هي الرابط الروحي بين العبد وربه، وكان المسلمون يصلون اتجاه المسجد الأقصى طول الفترة المكية وستة عشر شهرا -أو سبعة عشر- في الفترة المدنية، فقد روي عن البراء رضي الله عنه قال: لما قدمَ رسولُ اللهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ المدينةَ صلَّى نحوَ بيتِ المقدسِ ستَّةَ أو سبعةَ عشرَ شَهرًا وَكانَ رسولُ اللهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ يحبُّ أن يوجِّهَ إلى الكعبةِ فأنزلَ اللَّهُ تعالى قد نرى تقلُّبَ وجهِك في السَّماءِ فلنولِّينَّكَ قبلةً ترضاها فولِّ وجهَك شطرَ المسجدِ الحرام فوجَّهَ إلى الكعبةِ وَكانَ يحبُّ ذلِك فصلَّى رجلٌ معَه العصرَ ثمَّ مرَّ علَى قومٍ منَ الأنصارِ وَهم رُكوعٌ في صلاةِ العصرِ نحوَ بيتِ المقدسِ فقالَ هوَ يشهدُ أنَّهُ صلَّى معَ رسولِ اللهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ وأنَّهُ قد وجَّهَ إلى الكعبةِ قالَ فانحرفوا وَهم رُكوعٌ1.

بالصلاة نحو بيت المقدس ارتبط الصحابة روحيا بالمسجد الأقصى وباتوا يتشوقون لرؤيته والصلاة فيه حتى أتى أمر الله بتغيير القبلة مصداقا لقوله عز وجل: قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ ۖ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا ۚ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ۚ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ۗ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ 2 لم يكن تغيير القبلة تنقيصا من قدر المسجد الأقصى بل كان أمرا ربانيا وجب تنفيذه ولم يزد هذا الأمر الصحابة إلا شوقا له ومحبة له ورغبة في نصره وتحريره.

لم تكن الصلاة الأمر الوحيد الذي ربط قلوب الصحابة بالمسجد الأقصى وبيت المقدس بل ما زادها مكانة في قلوبهم هي حادثة الإسراء والمعراج، حيث انتقل رسول الله صلى الله عليه وسلم مع جبريل عليه السلام من البيت الحرام في مكة المكرمة إلى المسجد الأقصى في بيت المقدس على دابة البراق. يقول الله عز وجل: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ 3 ثم عرج به إلى السماء العليا حيث التقى بجميع الأنبياء وصلى بهم جميعا فكان هذا أكبر مؤتمر للأنبياء، وأصبحت هذه الحادثة مركزية لبيت المقدس والمسجد الأقصى كما رسخت أهمية المسجد الأقصى دينيا وروحيا بالنسبة للمسلمين.

فشاء الله تعالى أن يكون هذا هو الفتح الأول، فتحا نبويا لتلك البقعة المقدسة الطاهرة من هذه الأرض بواقعة عظيمة ألا وهي الإسراء والمعراج.

لم تزد هذه الواقعة الصحابة والمسلمين إلا شوقا وحبا للمسجد الأقصى بعدما كانت اختبارا لهم وامتحانا لهم في تسليمهم أمرهم للنبي صلى الله عليه وسلم، وكانت تخفيفا من الله تعالى على قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما أثقل قلبه الحزن على فراق زوجه خديجة أم المؤمنين رضي الله عنها و عمه أبي طالب. فصار الصحابة يسألون النبي صلى الله عليه وسلم عن المسجد الأقصى وعن بيت المقدس، فعن ميمونة مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: “قلت: يا رسول الله أفتنا في بيت المقدس؟ قال: “أرض المحشر والمنشر ائتوه فصلوا فيه فإن الصلاة فيه كألف صلاة في غيره قلت: “أرأيت إن لم أستطع أن أتحمل إليه؟ قال: فتهدي له زيتا يسرج فيه، فمن فعل فهو كمن أتاه؟” 4.

كما تفهم الصحابة من خلال الواقعة أن المسجد الأقصى والمسجد الحرام مترابطان وتهديد أحدهما تهديد للآخر والتفريط بأحدهما تفريط بالآخر. فزادهم الأمر شدة وإصرارا على نصرته وتحريره.

2-    الخطة الاستراتيجية النبوية:

غزوات النبي صلى الله عليه وسلم معين لا ينضب من العبر والعضات. لم تقتصر الخطة الاستراتيجية النبوية العسكرية والسياسية للفتح على الغزوات التي كانت باتجاه بيت المقدس وبلاد الشام فحسب، بل كانت كل الغزوات التي سبقتها لها الدور الكبير في الاستعداد لهذا الفتح دون نسيان السرايا الاستطلاعية التي كان صلى الله عليه وسلم يرسلها لمعرفة أخبار بيت المقدس وبلاد الشام. كان للغزوات على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم دور كبير في تربية جيل من القادة المحنكين عسكريا وفكريا وسياسيا، فتعلموا من رسول الله صلى الله عليه وسلم الفكر العسكري والسياسي النبوي وكان تطبيقه سببا وسبيلا للنصر والتمكين.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا تمنوا لقاء العدو وسلوا الله العافية فإذا لقيتموهم فاصبروا واعلموا أن الجنة تحت ضلال السيوف” 5.

من الأمور التي تربى عليها المسلمون عبر خوضهم للغزوات، أن قوة الإيمان هي أفتك سلاح يعتد به الإنسان، فإذا كان الله قد أمر بالإعداد لمواجهة الأعداء؛ فإن أعظم قوة هي الإيمان الصادق بالله، فالعدو لا يخشى في ميدان المعركة الأسلحة، ولكنه يخشى من سلاح الإيمان الذي يستمد قوته من الله؛ لأنه السلاح الذي لا يقهر واليقين الذي لا يغلب. كما تربى المسلمون على قوة الترابط والتآلف بين المسلمين وهي من أسرار النصر، والثبات والصبر والدعاء عند لقاء الأعداء، يقول الله عز وجل: وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ 6 وقال الله تعالى: وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ 7.

بعد الهجرة النبوية استمرت الغزوات بتركيز اتجاهها نحو بلاد الشام وبيت المقدس، فكانت غزوة مؤتة التي ربت في الصحابة الإيمان بالنصر والتمكين، كما أهمية كفاءة توكيل الأمور فقد كانت قيادة جيش المسلمين، أولا بزيد بن حارثة رضي الله عنه ثم جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه، ثم الأنصاري عبد الله بن رواحة رضي الله عنه، قيادة شديدة متمكنة متواترة عملوا على رفع راية الحق واحدا تلو الآخر حتى نالوا الشهادة، فتقدم خالد بن الوليد رضي الله عنه سيف الله المسلول إلى خطوط المعركة الأولى فخرج من المعركة بسلام بحنكته وفطنته العسكرية رضي الله عنه.

ثم كانت غزوة تبوك التي فضحت في طياتها المنافقين بعدما كان الجهاد واجبا، فقد كان سبب خروج المسلمين في هذه الغزوة بث الرعب في جيش الروم، وكان بها وما أن وصل المسلمون إلى أرض المعركة حتى وصل الخبر إلى جيش الروم فبث الله في قلوبهم الرعب ولم يجرؤوا على الخروج للمسلمين مع أنهم كانوا يفوقونهم عددا وعدة، فعلمت هذه الغزوة الأمة جمعاء أن تمكن العقيدة في قلوب الرجال أقوى من كل سلاح وعتاد، فكل أمة حادت عن عقيدتها ما تفتأ أن تغرق في ثنايا النكسات والنكبات حتى ترجع إلى كتاب ربها وسنة رسولها صلى الله عليه وسلم.

بعد العودة من تبوك جهز النبي صلى الله عليه وسلم جيشا آخر وولى أسامة بن زيد بن الحارثة رضي الله عنه عليه، أسامة بن زيد رضي الله عنه، الشاب الذي كان عمره ثماني عشرة سنة، رغم أن الصحابة رفضوا توكيله إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم أصر على توكيله بالجيش حتى وفاته صلى الله عليه وسلم وقد بشر الصحابة بجدارة تكليفه بالإمارة. وشاء الله تعالى أن يلتحق رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرفيق الأعلى وآخر وصاياه أن ينفذوا جيش أسامة.، فكان آخر بعثة وجيش جهزه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

تولى أبو بكر الصديق رضي الله عنه الخلافة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسار على خطاه صلى الله عليه وسلم ونهجه دون أن يحيد، فقد أشار عليه الصحابة في فترة خلافته أن يعيد جيش أسامة لكون أسامة بن زيد رضي الله عنه صغيرا في السن إلا أن الصديق رضي الله عنه كان شديدا في رده ولا أحد قدر على ثنيه فقال: “والذي نفس أبي بكر بيده لو ظننت السباع تخطفني لأنفذت بعث أسامة كما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو لم يبق في القرى غيري لأنفذته” 8 فلما رأى الصحابة منه الإصرار على الرفض رأوا أن يرسلوا إليه عمرا رضي الله عنه عليه يرسل أحدا آخر غير أسامة رضي الله عنه فكان رده على عمر رضي الله عنه: “ثكلتك أمك يا ابن الخطاب أأؤمر غير أمير رسول الله صلى الله عليه وسلم” 9 وبهذا مضى جيش أسامة كما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم متجها نحو البلقاء من أرض الشام ثم إلى مؤتة حيث استشهد والده زيد بن الحارثة رضي الله عنه، وعاد رضي الله عنه بنصر مظفر دك به حصون الروم.

لم يؤخر الفتح زمن أبي بكر رضي الله عنه إلا حروب الردة التي كان لها رضي الله عنه بالمرصاد ولكنه أنفذ جيش أسامة فكان بداية الفتح الذي استكمله أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

3-    فتح عمر بن الخطاب لبيت المقدس:

ما كانت الغزوات السابقة إلا وتربية نبوية واستعدادا لفتح أعظم وأجل بدأه رسول الله صلى الله عليه وسلم وسار على خطاه أبو بكر الصديق رضي الله عنه وكان على يدي الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

عندما استكمل أمين الأمة أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه فتح دمشق احتار إلى أين يتجه إلى قيسارية أم إلى بيت المقدس، فهو يعلم مكانة بيت المقدس عند المسلمين فاستشار أمير المؤمنين فأمره بأن يمضي إلى بيت المقدس فكان بها. فرح الصحابة لهذا الأمر فقد كانوا يتشوقون لرؤية المسجد الأقصى والذهاب إلى بيت المقدس فكتب أبو عبيدة بن الجراح إلى أهل إيلياء- القدس- يدعوهم إلى الله وإلى الإسلام أو الجزية أو الحرب فأبوا أن يجيبوا إلى ما دعاهم إليه، فركب إليهم في سبع جيوش سيرها نحو بيت المقدس. ولكنه لم يحاربهم بل حاصرهم وقطع عنهم كل سبل النجاة ، ولكنهم لم يستسلموا إلا بعد ضيق فطلب كبير أساقفتهم -نصارى القدس- أن يصفوا له شكل أمير المؤمنين عبر الرسائل فوصفوه لهم، وجدوا أن وصفه مطابق تماما للوصف الذي في كتبهم المقدسة فتأكدوا أن هزيمتهم ليست بالبعيدة فاستسلموا، وسألوا عن مطالبهم فأجابوهم بالثلاثة إما الإسلام أو الجزية أو القتال، فرضوا بالصلح واضعين شرطا استغرب له المسلمون آنذاك وهو أنه لن يدخل بيت المقدس ولن يسلموا مفاتيح إيلياء إلا لعمر بن الخطاب رضي الله عنه. فكتب أبو عبيدة رضي الله عنه إلى أمير المؤمنين فاستشار عمر بن الخطاب الصحابة فمنهم من أشار عليه بالذهاب ومنهم من أشار عليه بأن لا يذهب ولكنه حسم أمره بالذهاب إلى بيت المقدس.

فخرج رضي الله عنه متوجها نحو بيت المقدس حتى وصل إلى جبل المكبر في جنوب المدينة المقدسة، ورأى أسوارها فكبر وكبر المسلمون ليعرف أهل المدينة بعدها بوصول أمير المؤمنين إلى بيت المقدس.

وكان هذا هو الفتح العظيم لعمر بن الخطاب لبيت المقدس فدخل رضي الله عنه إلى المدينة وسأل عن مكان المسجد الأقصى وتوجه إليه فقال: “الله أكبر هذا هو المسجد الذي وصفه لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم” فأمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه ببناء المسجد حيث كان قبلا هضبة خالية 10، ثم بني مسجد عمر في البقعة التي صلى فيه فور دخوله إلى المدينة.

من المواقف التي خلدها التاريخ في هذا الفتح الكبير كون الصحابي الجليل، مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان في جيش الفتح، فلما ألح عليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه بأن يؤذن فوافق وأذن رضي الله عنه ولم يكن قد أذن منذ وفاته صلى الله عليه وسلم، فأذن في رحاب المسجد الأقصى وبالصوت نفسه والشدة نفسها التي أذن بها عندما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حيا، يوم الفتح لمكة المكرمة فلما وصل إلى “أشهد أن محمدا رسول الله” اختنق صوته بالبكاء فبكى رضي الله عنه وبكي معه المسلمون والصحابة شوقا وحنينا لقائد الأمة الأعظم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يتمكن رضي الله عنه من إكمال الأذان.

العهدة العمرية هي عهد و ميثاق وضع بين أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه و بين أهل إيلياء ، فضمن هذا العقد لأهل إلياء المسيحيين حريتهم الدينية التامة و حرية الحركة والعيش الآمن  في بيت المقدس، فسمي العهد، عهدة عمرية وهذا كان نصها:

“بسم الله الرحمن الرحيم

هذا ما أعطى عبد الله، عمر، أمير المؤمنين، أهل إيلياء من الأمان.. أعطاهم أماناً لأنفسهم وأموالهم ولكنائسهم وصلبانهم وسقمها وبريئها وسائر ملتها.. أنه لا تسكن كنائسهم ولا تهدم، ولا ينقص منها ولا من حيِّزها ولا من صليبهم ولا من شيء من أموالهم، ولا يُكرهون على دينهم، ولا يضارّ أحد منهم، ولا يسكن بإيلياء معهم أحد من اليهود.

وعلى أهل إيلياء أن يُعطوا الجزية كما يُعطي أهل المدائن. وعليهم أن يُخرِجوا منها الروم واللصوص. فمن خرج منهم فإنه آمن على نفسه وماله حتى يبلغوا أمنهم. ومن أقام منهم فهو آمن، وعليه مثل ما على أهل إيلياء من الجزية. ومن أحب من أهل إيلياء أن يسير بنفسه وماله مع الروم ويخلي بِيَعهم وصلبهم، فإنهم آمنون على أنفسهم وعلى بِيَعهم وصلبهم حتى يبلغوا أمنهم. فمن شاء منهم قعد وعليه مثل ما على أهل إيلياء من الجزية. ومن شاء سار مع الروم. ومن شاء رجع إلى أهله، فإنه لا يؤخذ منهم شيء حتى يحصد حصادهم.

وعلى ما في هذا الكتاب عهد الله وذمة رسوله وذمة الخلفاء وذمة المؤمنين، إذا أعطوا الذي عليهم من الجزية.

كتب وحضر سنة خمس عشرة هجرية.

شهد على ذلك: خالد بن الوليد وعبد الرحمن بن عوف وعمرو بن العاص ومعاوية بن أبي سفيان”.

خاتمة:

منذ فتح بيت المقدس على يد عمر بن الخطاب رضي الله عنه والاهتمام منقطع النظير لم يتوقف بهذا المكان المبارك قط. وبسبب مكانته العظيمة والمقدسة كان مصدرا لأطماع الاحتلال بأنواعه فنرى في التاريخ الحملات الصليبية التي شنت عليه ثم الاحتلال الصهيوني الذي يضع يديه على تلك البقعة الطاهرة المقدسة ولكنه وعد الله الذي ينفذ في الأرض مصداقا لقوله تعالى: إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ ۖ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا ۚ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا 11.


[1] أخرجه البخاري.
[2] سورة البقرة، الآية 144.
[3] سورة الإسراء، الآية 1.
[4] رواه أبو داوود.
[5] أخرجه البخاري ومسلم.
[6] سورة البقرة، الآية 250.
[7] سورة آل عمران، الآية 147.
[8] البداية والنهاية لابن كثير، الجزء 10 الصفحة 423.
[9] البداية والنهاية لابن كثير، الجزء 10 الصفحة 424.
[10] المدخل إلى دراسة المسجد الأقصى، بتصرف.
[11] الإسراء، الآية 7.