الاحتضان وأثره على الطفل

Cover Image for الاحتضان وأثره على الطفل
نشر بتاريخ

مقدمة

الطفل نعمة إلهية يصلح إن تمت رعايتها الرعاية الصحيحة أو يفسد إن ترك هملا، فمنذ أن تقع عينا الأم على طفلها للمرة الأولى نجدها تحتضنه بشدة وتقربه من صدرها لتشثم رائحته وتعطيه الكثير من دفئها وحنانها، فيشعر بالأمان وينام بعمق وهدوء.

فهو يحتاج أكثر للاحتضان ليشعر بالأمان والدفء في حضن الأب أو الأم أو الإخوة أو الأقارب، أو المربي أوالأساتذة أو الجيران… كلها تشعره بالقوة وتمنحه الثقة بالنفس؛ ثقة لا مثيل لها. الاحتضان لغة، لغة تجاوزت المشاعر لتكون بحرا من الفوائد الروحية والجسدية والنفسية والوجدانية والعقلية التي لا حصر لها، لغة بقدر ما هي بسيطة بقدر ما تحمل من معان سامية وصادقة.

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إذا مات ابن ادم انقطع عمله إلا من ثلاث، صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له” 1، والصدقة الجارية هي كذلك ذاك الولد الصالح الذي يدعو لأبويه بعد موته، ذلك الولد الصالح الذي لا يصلح إلا بالتربية السليمة في بيته، السليمة في محيطه ومجتمعه، ويعتبر فيها الاحتضان ركنا من الأركان الأساسية.

يقول الإمام المجدد الأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله: “واجبنا أن نستقبل هذا الخلق الجديد بما له على المؤمنات والمؤمنين من حق الرعاية والتربية وحسن التوجيه” 2.

تعريف الاحتضان وأهميته

الاحتضان: مصدر احتضن، احتضنت الأم ابنها إذا ضمته إلى صدرها، واحتضن الطير بيضه إذا رخم عليه للتفريخ واحتواه بجناحيه، واحتضن الشيء إذا ضمه إلى صدره أو عانقه، واحتضنه تولى رعايته والدفاع عنه؛ احتضن الطير البيض.

الحضن: ما دون الإبط إلى الكشح، وقيل هو الصدر والعضدان وما بينهما، والجمع أحضان، ومنه الاحتضان وهو احتمالك الشيء وجعله في حضنك.

فالاحتضان عناية ورعاية واختيار من نوع خاص، وصناعة وكفالة ومنة ومعية ألم يجدك يتيما فآوى ووجدك ضالا فهدى ووجدك عائلا فأغنى 3. واحتضن الوحي الإنسان المسلم وكيف آلة العقل المعاشي وصبغه بصبغة الله ومن أحسن من الله صبغة 4 .

وقد أثبتت مجموعة من الدراسات الاجتماعية والنفسية المعترف بها عالميا أن للاحتضان الأسري والاقتصادي والاجتماعي العلمي السليم… دور مهم في بناء الشخصية السوية للطفل.

محاضن الإسلام

وكفلها زكريا كلما دخل عليها المحراب وجد عندها رزقا 5.

يقول الأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله: “التربية الأم والأسرة والمسجد والمدرسة والجامعة والإعلام. وتلك محاضِنُ الإسلامِ المحتلَّةُ اليوم بجحافل الغزاةِ” 6، “إذا لم تُرضع الأم طفلها الإيمان مع الألبان، ولم يَقُدْ الأب خطى أبنائه الأولى إلى المسجد، ولم تُلَقِّن الأسرة كلمة التوحيد للصبي أوّلَ ما يلْهَجُ بالنطق، ولم يُرَدِّدْ معه الأخ والعم والخال والمـذرِّر آيات الله في غضاضة العمر، ولم تتعهده بالوصية الإيمانية القَرابة والجوار، فقد فاته إبَّان الحرث) 7.

الأم

متى كانت الأم صالحة فهي أول صحبة ومحضن نافع للطفل، فهي التي يتربى في أحشائها ثم تكون أول صرخة له للحياة بين أحضانها، لذلك أمر المشرع برعايتها؛ روى الشيخان أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم: “من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك: قال: ثم من؟ قال: أبوك، ثم أدناك أدناك” 8 أي الأقرب فالأقرب.

الأسرة

إن إصلاح البيئة الأسرية ضروري للتنشئة الاجتماعية الأولية للطفل في سنواته الأولى، حيت يتربى على حسن العادات والسلوكيات، ويتعلم الكلام والعلم النافع.

المسجد والمدرسة

يعتبر المسجد والمدرسة مهد الإيمان بعد الأم المتقية والأب الورع، ففي المدرسة تستمد القوة والثقه والعلم ومصاحبة الأقران… وفي المسجد تستمد الثقة من المخزون الروحي للمسجد بحلقات العلم ومجالس الإيمان داخل المسجد من حفظ للقرآن وتعلم علومه وغيره من العلوم الشرعية…

الإعلام

تعتبر المنابر الإعلامية الحرة والمتزنة والهادفة من بين المحاضن التي تسهم في بناء شخصية الطفل، فالإعلام المربي بديل للإعلام المخزي، يوجه الطفل توجيها سليما رقيقا.

الشارع

الرفقة في الشارع أمر مفروض على الطفل المرور به، وهو بدوره يسهم في تكوين شخصيته وبنائها، فالرفقة الحسنة الصالحة في الشارع تبني، والشارع إن كان كاسحا باطلا فإنه يهدم أكثر مما يبني.

معوقات الاحتضان السليم

  • عدم إشباع حاجات الطفل للحب والحنان بالشكل الصحيح.
  • الإسراف في التدليل.
  • الإعجاب الزائد.
  • الإسراف في القسوة والعقاب.
  • فرض الحماية الزائدة.
  • إخضاع الطفل لكثير من القيود.
  • إطلاق الصفات والسمات السلبية على الذات.
  • الانشغال الدائم عن الأبناء وإهمالهم المستمر.
  • النمط المتذبذب في التربية حيث يعاقب ويتاب الطفل على نفس السلوك والموقف…

ختاما

فإن الطفل يحتاج إلى جهد مضاعف وطويل المدى، وإلى احتضان دائم، فكل طفل محتضن احتضانا سليما تتوفر فيه الجوانب الروحية والعلمية والعقلية والنفسية والاجتماعية هو كنز من الكنوز المستقبلية للأمة يمكن أن تعتمد عليه، ذلك أن الحديقة المرعية والمتناسقة تجلب الأنظار ولو على مسافات.

“يترتب على هذا المنطقِ المستنير بنور الوحي ونور التوجيه النبوي منهاج المسؤولية البشرية عن صلاح الأجيال وفسادها. لا يهدي للصلاح إلا الله، لكن الهداية الإلهية يقيض الله لها بشرا يهدون. والغَوَايَةُ تضليل من شيطان جن أو شيطان إنس” 9.


[1] رواه مسلم.
[2] تنوير المؤمنات، الأستاذ عبد السلام ياسين، ج 2، ص 266.
[3] سورة الضحى.
[4] سورة البقرة.
[5] سورة مريم.
[6] حوار الماضي والمستقبل، حوار الماضي والمستقبل، ص 87.
[7] العدل.. الإسلاميون والحكم، الأستاذ عبد السلام ياسين، ص 534.
[8] صحيح مسلم.
[9] عبد السلام ياسين، تنوير المؤمنات، ج 2، ص 220.