الابتـلاء للمؤمـن

Cover Image for الابتـلاء للمؤمـن
نشر بتاريخ

الحمد لله الذي خلق الداء وخلق له الدواء، وجعل الابتلاء تمحيصا لعباده وتثبيتا لأصفيائه، والصلاة والسلام على طب القلوب وشفائها. أسوتنا في الصبر على البلاء وعلى آله وصحبه وحزبه.

أختي الفاضلة:

كم تمنيت أن تسعفني الظروف ويواتيني الوقت لأزورك وأجلس معك، لأواسيك وأهون عليك،ولأكون هذه المرة المنصتة وأنت سيدتي الفاضلة المتكلمة التي تبوح بما يجول بالفكر والخاطر لأخت أرادت أن تنصت إليك بقلبها قبل أي حاسة أخرى، فطالما جلست وسمعت وفتحت صدرك لآلام الآخرين لتبحثي عن الحلول وتضمدي الجراح.

كم تمنيت!؟ لكن أراد الله أن يكون قلمي معبرا ومهونا ومنورا، يهمس في أذن قلبك، مترجما صدق نيتي ورغبتي في التخفيف من آلامك.

أختي الفاضلة:

الابتلاء ألوان وأشكال، والمرض أحد أنواع الابتلاء الذي يبتلى به العبد المؤمن وغير المؤمن. إلا أن ابتلاء المؤمن تطهير للذنوب وتجليةلصدإ القلوب وقرب من ربنا المعبود، وهو لغير المؤمن عذاب في الدنيا، وعقاب، فابتلاء المؤمن إذن منحة ربانية ورحمة إلهية.

والابتلاء و هو اختبار للمؤمن، سنة من سنن الله في الأرض، يميز بواسطته بين العبد الشاكر الحامد له تعالى الراضي بقضائه وقدره، المؤمن بحكمة الله وتصرفه في خلقه لأنهيعلم بأنه في الأول والآخر عبد لمولاه يفعل فيه ما يشاء، وما يفعل الله تعالى بنا إلا ما فيه خير لنا في العاجل والآٍجل. وأما العبد الكافر فيضيق صدره عن الصبر، ويكفر بقدر الله تعالى فيخسر دنياه وآخرته.

الابتلاء، سنة كونية سرت على الأنبياء والرسل، وعلى أوليائه وأصفيائه، ولا يستثني الله من سننه الكونية أحدا. من المؤمنين من يصبر ويحتسب الأجر عند ربه، ومنهم من يرضى ويفرح بالبلاء، ومع ذلك لا يتمنى البلاء مؤمن.

أختي الفاضلة:

لا تظني لحظة أن المرض عقاب للمؤمن، لا بل هو برهان على أن الله يتذكرك فقد ابتلي الصحابي الجليل عمران بن حصين وظل طريح الفراش ثلاثين سنة، ولصبره وورعه كانت تعوده الملائكة في مرضه (أي تزوره) بل وتصافحه. وقد فهمت إحدى الصحابيات هذا المعنى، فذهبت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم تطلب الطلاق من زوجها لأنه لم يصب بأي مرض ولو بحمى طيلة مدة زواجه بها، فهو في نظرها غير مؤمن لأن الله لم يتبتليه بمرض، وضحك الرسول صلى الله عليه وسلم من كلامها وطلب منها أن تعود إلى بيتها فما بات زوجها ليلته تلك إلا وقد أصيب بالحمى.

وأنت تكابدين ألم المرض والعلاج لا تنسي أختي أنك الآن قريبة جدا من الله تعالى فهو معك لقوله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه: “يقول تعالى لعبده يوم القيامة. عبدي مرضت ولم تعدني. فيقول العبد وكيف أعودك وأنت رب العالمين. فيقول عز وجل ألم يمرض عبدي فلان؟، أما علمت أنك لوعدته لوجدتني عنده”. الله معك، فهل تستشعرين هذه المعية؟!.

إنها فرصتك لتتقربي أنت أيضا من الحق سبحانه وتعالى. ولتكن نفسك قوية مؤمنة بأن الأجل هو الذي يحكم علينا بالموت، فكم من سليم معافى التحق بربه، قبل ذلك السقيم الذي يئس الأطباء من شفائه.

المرض فرصة للتطهير من الذنوب، فرصة للتقرب من الله، فرصة للإحساس بآلام الآخرين الذين يعانون من المرض، فرصة للسلوك والتقرب من الله، لنيل الأجر والثواب والدرجات العليا من الجنة، علمنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن ندعو للمريض فنقول “اللهم أذهب البأس رب الناس، اشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقما.

والحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه، والصلاة والسلام، على الحبيب المصطفى وعلى آله وصحبه وحزبه.