الإعداد لانتخابات 2026 (ملاحظات أولية)

Cover Image for الإعداد لانتخابات 2026 (ملاحظات أولية)
نشر بتاريخ

من المعلوم أن الانتخابات بالمغرب تعرف إشكالات جوهرية على مستوى وظائفها، سواء تعلق الأمر بسؤال التداول على السلطة، أو سؤال التمثيل، أو غير ذلك من الأسئلة، لكن هذا لا ينفي أهمية رصد ومتابعة سمات الانتخابات، وما تعرفه هذه السمات من تغير وتحول من استحقاق لآخر. فالرصد الدقيق لهذه السمات قد يسهم في فهم أكثر للاختلالات الوظيفية في الانتخابات المغربية. من هذا المنطلق، وكما كان الحال في انتخابات سابقة، ستكون مواكبة انتخابات مجلس النواب لعام 2026 بملاحظات وتعليقات، وربما أوراق ودراسات يفرضها التخصص العلمي.

وعليه، فهذه بعض الملاحظات الأولية على بدء الإعداد لانتخابات 2026 انطلاقا من خطاب العرش الأخير (29 يوليو 2025):

أولا يُلاحظ الحرص على انتظام الانتخابات والالتزام بإجرائها في موعدها الدستوري والقانوني، ويبدو أن هذا أمرا محمودا، إلا أن قيمة انتظام الانتخابات من قيمة طبيعتها ومكانتها في النسق الدستوري والسياسي، فبكل تأكيد انتظام انتخابات ديمقراطية ليس هو انتظام انتخابات شبه ديمقراطية أو انتظام انتخابات سلطوية.

ثانيا يُلاحظ أيضا الانطلاق المبكر للإعداد للانتخابات بالمقارنة مع الانتخابات السابقة. فقد كان هناك تأخر ملحوظ في جل الاستحقاقات السابقة في الإعداد القانوني والتنظيمي للانتخابات. في آخر انتخابات مثلا، أي انتخابات 8 ستنبر 2021، لم تتم إحالة مشاريع القوانين التنظيمية المتعلقة بها إلى البرلمان إلا قبل أقل من خمسة أشهر على إجرائها، ولم يكن ذلك في الزمن العادي للتشريع، ولكن في دورة استثنائية (ابتداء من 2 مارس 2021)، وخلال الأسابيع الأخيرة من عمر الولاية التشريعية. هذه المرة هناك بعض التقدم على هذا المستوى، لكن هذا التقدم مع ذلك يبقى نسبيا، فالدورة الخريفية للبرلمان، التي من المفترض أن تتم فيها المصادقة على الإطار التشريعي للانتخابات، تبتدئ في الجمعة الثانية من شهر أكتوبر، ونظرا لطول المسطرة التشريعية، فقد لا تصدر التعديلات القانونية المنظمة للانتخابات إلا بثمانية أو سبعة أشهر قبل موعد إجراء الانتخابات، هذا في أحسن الأحوال.

ثالثا من الملاحظات أيضا؛ الإشراف الكامل لوزارة الداخلية على الانتخابات، هذه السمة التي تُشكل إلى حدود الساعة ثابتا من ثوابت إدارة الانتخابات في المغرب. ويلاحظ هذه المرة التوجه إلى وزير الداخلية مباشرة، رغم أنه في تجارب سابقة، ورغم الدور المركزي لوزارة الداخلية، كان يتم التوجه إلى الحكومة أو رئيس الحكومة (1984، 2002، 2016)، أو يتم تشكيل لجان وطنية أو إقليمية (1993، 1997)، ولعل هذا يؤكد ما حدث من تحول في علاقة الأحزاب السياسية بوزارة الداخلية، فبعد أن كان إشرافها على الانتخابات يُشكل عنصرا من عناصر التوتر في المسار الانتخابي المغربي، نظرا لما ارتبط بها من ممارسات، أصبح منذ 1997 قبول تام بإشرافها مع مطالبتها بالحياد وعدم التدخل، لنجد أنفسنا اليوم، كما تبيّن من تفاعل بعض الأحزاب السياسية مع لقاء وزير الداخلية يوم السبت 2 غشت 2025، أمام خطاب يُصور وزارة الداخلية هي الضامن لنزاهة الانتخابات.

رابعا الحديث هذه المرة لا ينحصر في الإطار القانوني والتنظيمي للانتخابات، ولكن الحديث عن “المنظومة العامة للانتخابات”، وقد حدد وزير الداخلية في لقائه مع الأحزاب السياسية بعض عناصر هذه المنظومة، وهي: تحيين اللوائح الانتخابية، والآليات والإجراءات الكفيلة بتخليق الانتخابات، والحفز على المشاركة، وعقلنة المشهد السياسي، ومراجعة التمويل الانتخابي، ورفع فرص ولوج النساء والشباب وتقوية حضورهم، وتطوير أساليب التواصل الإعلامي، والجدولة الزمنية للانتخابات والتنظيم المادي واللوجستي.. ولا شك أن المقاربة الشاملة للانتخابات أمر جيد، لكنها بكل تأكيد لا تنحصر فيما حدده وزير الداخلية هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإنه يُستشف من الحديث عن “منظومة عامة” وليس فقط عن الإطار القانوني والتنظيمي أن انتخابات 2026 قد لا تعرف تعديلات جوهرية في إطارها القانوني والتنظيمي، مع العلم أن هناك فعلا قضايا تستحق إعادة النظر بشكل جذري وجوهري، منها مثلا ما يرتبط بالتقطيع الانتخابي وبالقاسم الانتخابي.

خامسا لقد طُلب من الأحزاب السياسية إعداد مذكرات بخصوص اقتراحاتها خلال شهر غشت الجاري، لتنطلق المشاورات في شهر شتنبر. والسؤال الذي يفرض نفسه هو: إلى أي حد ستستطيع بعض الأحزاب السياسية إعداد مقترحات فعالة، ليس فقط بالنظر إلى الإكراه الزمني، المتمثل في إعداد المذكرات في غضون شهر، وأي شهر؟ شهر غشت، الذي هو في العادة شهر عطلة، ولكن أيضا بالنظر إلى إكراه المعلومة، فالجزء الأهم من المعلومة الانتخابية الذي من المفترض أن يُبنى عليه الاقتراح يبقى حكرا على وزارة الداخلية، وليس في متناول الأحزاب السياسية ولا الباحثين. إذا استحضرنا كل هذا، وأضفنا إليه أن العديد من الأحزاب السياسية لم تفتح ورش الإصلاح الانتخابي إلا بعد عيد العرش الأخير، كانت النتيجة هي أن الكلمة الأولى والأخيرة في الإطار القانوني والتنظيمي للانتخابات ستبقى لوزارة الداخلية، وأن لقاءات التشاور قد لا تكون في أغلبها إلا لقاءات تزكية.

سادسا تزامن انطلاق الإعداد للانتخابات مع متابعات واعتقالات لعدد من المنتخَبين، ومع خرجات إعلامية تتحدث عما عرفته انتخابات 8 شتنبر 2021 من فساد، لينضاف ذلك إلى ما سبق أن سجلته بعض التقارير والبلاغات الإعلامية في حينه، ولعل وزير الداخلية استحضر ذلك في كلمته أمام الأحزاب السياسية في لقاء 2 غشت 2025، إذ أكد أكثر من مرة على التخليق ومواجهة كل ما من شأنه أن يفسد العملية الانتخابية، لكن يكفي أن نتذكر أن الملك الراحل الحسن الثاني قال إبان الإعداد لانتخابات 1997: “كونوا أخيرا على يقين من أنني سأضع ثقلي الشخصي وهيبتي الشخصية وصلاحياتي الدستورية لتمر جميع الانتخابات المتوالية في هذا البلد على أحسن ما يكون في جو من الاستقامة والشفافية والنزاهة، لأنني مللت أن أسمع أو أن يسمع عن بلدنا أن انتخاباته لم تكن نزيهة وأن استشاراته كانت مخلوطة أو مشوبة”، ومع ذلك لم تسلم انتخابات 1997 هي الأخرى من التشكيك في مصداقيتها.