الإرهاب والإرهاب المضاد

Cover Image for الإرهاب والإرهاب المضاد
نشر بتاريخ

مقدمة

كلمة “إرهاب” مأخوذة من فعل أَرْهَبَ يُرْهِبُ وتحمل معاني التخويف والترويع ونشر الرعب والفزع في النفوس، ويتم فعل الإرهاب بوسائل لفظية كالتهديد والوعيد وبوسائل عينية كالأسلحة والمتفجرات، والفاعل: مُرْهِبٌ، والمتصف بهذه الصفة: إِرْهَابِيٌّ، وقد أصبح مصطلح الإرهاب في زماننا هذا وفي أيامنا هذه أكثر من أي وقت مضى في مخيلة الناس، مسلمين وغيرهم، بفعل قوة الدعاية الإعلامية، متصلا مباشرة بالإسلام وبالجهاديين الإسلاميين، وأضحى الإسلام متهما “بصناعة” الإرهابيين، أما الدعاة الإسلاميون فقد بات كثير منهم في موقع المدافع إن لم نقل المتودد والمتملق رغبا ورهبا، يجتهدون ويزعمون دفع التهمة عن الإسلام وعن أنفسهم، ويتقربون من ألد أعداء الإسلام والمسلمين خوفا وطمعا.

أما الأنظمة التعيسة في البلدان الإسلامية فإنها أيضا مُرْهَبَةٌ وحالها يثير الشفقة، إذ لا تملك من قرارها شيئا، فهي تنتظر على مدار الساعة أوامر و تعليمات وإشارات أبناء العم سام من وراء البحار، وليس لها سوى أن تستمع وتطيع دون سؤال ولا قيد ولا شرط، وبعضها يتفانى في خدمة أولياء نعمة كرسيه ويتماهى معهم حتى يكون كمن يتخذ لنفسه مظلة والجو في بلده معتدل بمجرد أن يرى في النشرة الجوية سقوط المطر في واشنطن أو باريس أو موسكو!

وبأزرار التحكم عن بُعد تُلَفَّقُ التهم وتنطلق حرب الاعتقالات والمداهمات والمحاكمات في الأوساط الشعبية، وبها تتوقف، وبها تُبَرّؤ نفوس وبها تُدانُ نفوس، فتطال الحملة الإرهابية من شغله خبز عياله عن كل شيء، ولا ناقة له ولا جمل فيما يحدث في هذا العالم المتموج الفوار، وتطال المثقف الأبي الرافض للظلم الاجتماعي والإقصاء السياسي، كما تطال المعطل الجامعي المطالب بالعيش العفيف والشغل الكريم.

أسباب الإرهاب

تعليقا منها على تفجيرات باريس، أشارت وزيرة الخارجية السويدية إلى أن سبب الإرهاب مرتبط بعدم تسوية القضية الفلسطينية. ونادرا ما يتجرأ أحد قادة الغرب على تصريح كهذا، لما يثيره من ردود وانتقادات لاذعة من طرف الدولة العبرية الصهيونية المدللة، صنيعة الغرب الصليبي على أنقاض شعبٍ قتيلٍ شهيدٍ طريدٍ منذ سنة 1948 بتاريخ النصارى.

وفعلا، لا يخفى على اللبيب النبيه أثر تلك المظلمة الفلسطينية، التي لا تزال تنزف دماء ضحاياها ويتألم أسراها ويشكو مُبْعَدوها، لا يخفى ذلك الأثر السيء في نفوس أبناء الأمة المحمدية الذين لم يستسيغوا تلك الهزيمة ولم ولن يتقبلوا هذه المهانة مهما طال الزمن، وحيث إن الأمة الإسلامية حاليا ممزقة الأوصال في دويلات ضعيفة حكامها عملاء للأسياد في البيت الأبيض والإليزيه والكريملين، ولا من يحمي العرض ولا الكرامة، ولا من يوقف سفك دماء مليون وثمانمائة ألف عراقي، ولا إبادة قرى بأكملها في أفغانستان، ولا مجازر سريبرينيتشا وسراييفو، ولا من يمنع تهجير الروهينغا المسلمين في بورما وتخريب وتدمير البيوت على رؤوس ساكنيها الآمنين ولا نصير للنساء والصبيان الذين تُصَيِّرُهُم طائرات F16 أشلاء في فلسطين، ناهيك عما سبق أن اقترفته الأيادي الآثمة للاستعمار الأوربي الغاشم في تركة “الرجل المريض” بعد زوال شوكة العثمانيين، خاصة فرنسا هذه التي تبكي اليوم العشرات من قتلاها في باريس، وهي التي أبادت في الجزائر أزيد من مليون ونصف المليون شهيد، وأقامت على أراضيها تجارب نووية لا يزال الجزائريون يشكون من آثارها وويلاتها، إزاء هذه السلاسل المتواصلة من المآسي والفواجع، لا يبقى أمام الشباب المسلم الثائرِ المتحمس، الرافضِ للظلم والإذلال، القليلِ الفقه والعديم الحكمة، من وسيلة لرد بغي التواطؤ الدولي ضد الأمة إلا أن ينفجر في وجه العالم.

ما غرضي من سرد هذه الطوام الجسام التي ترتكبها أو تباركها القوى العسكرية العظمى أن أضفي الشرعية على قتل الأبرياء من طرف تنظيم داعش أو غيره من المنظمات المتشددة الغاضبة المكفهرة في وجه العالم، معاذ الله، أبداً، فالإسلام دين رحمة، ولزوال الدنيا أهون على الله من إزهاق روح إنسان بغير حق، لكني أريد ان أنبه إلى الدواعي النفسية والدوافع الشعورية التي تؤدي بشباب أمة مظلومة مقهورة إلى هذه الردود العنيفة القاسية، إذ العنف لا يولد إلا عنفا مضادا وكراهية ودماراً، فعلى إثر أحداث 11 شتنبر الشهيرة في أمريكا سنة 2001 التي اتهم فيها تنظيم القاعدة، نُسبت لزعيم التنظيم يومئذ مقولة يرد فيها على خصومه الصليبيين والصهاينة يقول فيها … هل دماؤكم دماء ودماؤنا ماء!؟) وإن كانت الشكوك لا تزال تلف تلك الأحداث وملابساتها، وعلى كل حال، أي منطق هذا الذي يقيم العالم ولا يقعده لقتل امرئ من مواطني دول الاستكبار ولا يأبه لإزهاق أرواح الملايين من أمة سيد المرسلين؟ وفي مثل هذا قال الشاعر:

قتل امرئ في غابة جريمة لا تغتفر

وقتل شعب كامل قضية فيها نظر !

خاتمة

ليت العالَمَ يعرف رفق الإسلام وعظمة الإسلام ورحمة نبي الإسلام وسمو أخلاقه في الحرب والسلم، على سيدي وحبيبي رسول الله أفضل الصلاة وأزكى السلام، لم يثبت التاريخ سواء في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعهد الخلافة الراشدة، أو بعد الانكسار التاريخي في أزمنة العض والجبر، أن ارتكبت الجيوش المسلمة في أوج قوتها وسيطرتها معشار معشار ما يقترفه اليهود والنصارى اليوم في حق المسلمين المغلوبين. ليس من شيم المسلمين قتل النساء والأطفال والمدنيين في الحروب ولا تخريب دور وممتلكات العزل ومزارعهم ومواشيهم ولا تعذيب الأسرى ولا الإجهاز على الجرحى. للحرب ضوابط صارمة في الشرع الإسلامي تلزم المؤمنين بالله واليوم الآخر كما للسلم والأسرى والعهود، أما هؤلاء الجهلة المتنطعون فيرتكبون تحت شعارات الإسلام والجهاد سوء الفعال، والإسلام الحقيقي بريء منهم والجهاد المقدس بريء منهم، يحسبون أنهم على شيء وبئس ما يصنعون.

ليت أصوات الحكماء وصيحات العقلاء تعلو في هذا العالم، حتى تلج آذان صناع القرار وتتسرب إلى قلوبهم فيعملوا على كف الظلم والأذى عن الشعوب الضعيفة، ويكفوا عن إشعال نيران الفتن، فيزول كدر الضغائن والبغضاء والمعاداة وتصفو المعاملات وتتحسن العلاقات. دعونا ولا تمنعونا أن نحلم ونتطلع ونستبشر ونعمل، وإن كان حلمنا صعب المنال، ودونه خرط القتاد، فالأمر دعوة سلام ورحمة للعالمين، المؤمن مكلف بالسعي لخير البشرية جمعاء ما استطاع إلى ذلك سبيلا، لا ييأس من روح الله حتى يلقى الله تعالى وهو على ذلك، ذاك المسعى المبارك موعوده غد الإسلام القريب لا ريب فيه بمشيئة الله، وهو الرحمة التي بُعِثَ بها ولأجلها خيرُ البرية محمد بن عبد الله رحمةً للعالمين، اللهم صل على سيدنا محمد النبي وأزواجه أمهات المؤمنين وذريته وأهل بيته كما صليت على آل سيدنا إبراهيم إنك حميد مجيد.