في زمن هيمنت عليه معاني التواصل الأرضية المقطوعة عن الله واليوم الآخر، تلح علينا معاني التواصل القلبي بعمقها الروحي الإيماني الإحساني بما هي قاعدة العلاقات الإنسانية الراقية الغائبة عن دنيانا غيابا مذهلا. في هذه السلسلة التي يسعد موقع “الجماعة نت” بنشرها، يتحدث الأستاذ المجاهد أحمد الملاخ رحمه الله عن هذه المعاني مرتبطة بمجالي الدنيا والآخرة.
الإخاء فضاء فسيح لا حدود له، يتسع لكل من يرغب في التواصل مع الغير، ولكل من يسعى إلى تعميق التعارف على أسس سليمة، استجابة لقول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا، إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ، إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ. (الحجرات 13).
الإخاء مجال للقاء القلوب الطاهرة والنفوس الطيبة والإرادة الصادقة. تعارف يبدد سحب التنافر والاختلاف ويهيئ أجواء الائتلاف فالمحبة.
الإخاء الذي نرغب في تأسيسه هو إخاء يُعِدُّ الإنسان للآخرة، ويستمر بناؤه من الدنيا الفانية إلى الحياة الباقية، حينما تنقطع العلاقات المادية ولا تنفع القرابة ولا النسب ولا الحسب… ولا يبقى إلا ما كان خالصا لله عز وجل.
بدأت مؤسسة الإخاء في العهد النبوي الذي بنى مجتمع الرحمة. قصة الصحابي الجليل عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، أفضل نموذج لأصدق الرجال لبناء علاقة تواصلية سليمة بنت رجالا صدقا في اللقاء، مراقبين الله بالغيب.
روى الإمام البخاري عن أنس، رضي الله عنهم، قال: قدم عبد الرحمن ابن عوف المدينة فآخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعد بن الربيع الأنصاري فعرض عليه أن يناصفه أهله وماله، فقال عبد الرحمن: “بارك الله لك في أهلك ومالك، دُلَّني على السوق…”.
السوق برهان صدق العلاقات. رُكبان النهار يترجمون عمليا ما اكتسبوه في جوف الليل من خوف من الله ومن طمع في فضله ورضاه.
إخوانَ الإيمان، ندعوكم إلى هذه الواحة لتكتسبوا أساليب التواصل بين من ركب جوف الليل وأقام نفسه فيه، فحمله التسبيح والذكر والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبين حمله السبح في مشاغل الحياة والتقلب في مختلف الأعمال والكسب الحلال للسير في الناس هونا، والإدبار عن الخوض في الجاهلية على عباد الله المستضعفين أو حتى على الغافل أو التائه ليكون نبراسا مضيئا في حلك الفتنة ونموذجا رحيما في جو العنف والجفاء والغفلة.
إخاء من أجل فتح أبواب القلوب والعقول لكل من أراد وابتكر واجتهد حتى وإن أخطأ.
إخاء صحبة مستنهض للإبداع الذي لا يتنافى مع الخطإ، وللانفتاح الذي يكسر أقفال الانغلاق والإدبار.
أسلوبنا تجاوز الخطإ الذي يبقي في الفشل، وقرع أبواب الاجتهاد الذي يقتحم التعجيز والإحباط.
هذا صوت يناديكم، للانفتاح والتفتح، للتواصل الرحيم الرفيق الهادف البناء.