وعي الزوجين بدورهما تجاه بناء علاقة أسرية متينة قوامها المودة والرحمة له قيمة قصوى لتجاوز العقبات، وتلبية نداء الحق حين يدعوهما فيستجيبان.
يقول الله تعالى: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا [النساء: 36]. عندما نقرأ الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة المتعلقة بالعلاقات الإنسانية، نجد أن الله تعالى يأمرنا بالإحسان إلى أقرب الناس إلينا: الإحسان إلى الوالدين بمعنى البر بهما، ثم الإحسان إلى الأقربين، ثم الجيران، حتى اليهود والنصارى، قال تعالى: لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [الممتحنة: 8] فالله تعالى يقدم البر على العدل.
الإحسان أمر به إلى الخلق كلهم حتى في الخصومات، قال تعالى: وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ [فصلت: 34]. وقال سبحانه: وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [العنكبوت: 46]. وقال عز وجل: وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [النور: 22]. وقال عز من قائل: وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [آل عمران: 134]. إذن، فالعلاقة بيننا وبين الغير ينبغي أن تقوم على الإحسان.
كيف نترفع عن سفاسف الأمور لنرتقي بعلاقاتنا إلى الرحمة بدل أن تنبني على الخصام والمشاجرة؟ لابد من التركيز على التربية. قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ [الرعد: 11].
عاش جيل الصحابة على التربية الإيمانية الإحسانية، ما فعل القرآن ومعاشرتهم للنبي صلى الله عليه وسلم بقلوبهم أثمر رُقياً اجتماعياً. تعلموا الإيمان وتطهرت سرائرهم ونفوسهم لاستقبال النصوص القرآنية، فحملوها على محمل الجد والامتثال، عن جندب بن عبد الله قال: “كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ونحن فتيان حزاورة، فتعلمنا الإيمان قبل أن نتعلم القرآن، ثم تعلمنا القرآن فازددنا به إيماناً” (أخرجه ابن ماجة). إذا أردنا أن نتعامل مع النصوص القرآنية والسنة كما تعامل معها جيل الصحابة، يجب أن نربي أنفسنا على ما كانوا عليه. تحدث سيد قطب عنهم فقال: “الجيل الذي كان يتلقى القرآن بنية التنفيذ”.
فما بالنا نحن اليوم نستمع إلى الأوامر الإلهية والترهيبات ولا ننته! وننصح ولا ننتصح!
لا بد من تغيير، لا بد من تربية شاملة بشروطها (الصحيحة والمثمرة، فهي ثلاثة: الصحبة والجماعة، والذكر، والصدق) 1. ولابد من حاضنة وبيئة صالحة، لابد من مرب.
يستوقفنا قول الله تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [الروم: 21].
فتأمرنا الآية الكريمة باعتبار كل من الزوجين الطرف الآخر آية من آيات الله يتعبد من خلالها ليصل إلى معرفته سبحانه، فالزواج آية من آيات الله، كما سائر الآيات التي نتعرف على الله من خلالها أو كسائر المخلوقات من جبال وأنهار وكواكب …
قال تعالى: خلق لكم: أي من أجلكم لمنفعتكم ومصلحتكم، فالزوجان بعضهما من بعض. (خلق لكم) من أنفسكم وليس من غيركم، ومنه وجب أن يعامل كل واحد الآخر بما يعامل نفسه، وذلك بالاعتناء والرحمة والتحمل والصبر .
كما أن لفظ (أزواجا) يوحي بالتشابه والتقارب وعدم الانفصال.
(لتسكنوا إليها) وللسكن معاني عميقة كالهدوء والسكينة والاحتضان والأمان .
إن معظم النزاعات بين الأزواج ناجمة عن عدم فهم طبيعة الطرف الآخر وما فطر عليه وما يعتريه من عوارض جبل عليها، فالاختلاف في حد ذاته ثروة وجدت من أجل التكامل بين الزوجين، قد تكون المرأة ناقصة عقل ودين لكنها مصدر رحمة واحتضان، وقد يكون الرجل ناقص رحمة وعاطفة لكنه صلب عند الشدائد، يحكم العقل ويرجح الرأي .
قال تعالى: (وجعل بينكم مودة ورحمة؛ فعل (جعل) يلازم الفطرة والخلق، فالله فطركم على الأخلاق الحسنة بتدريب النفس على التودد وحملها على التقرب بالكلمة الطيبة، بالهدية، بالصبر..
ينبغي أن تكون بيوت المؤمنين محضنا يجتمع فيه على الصلاة والقرآن والذكر بشتى معانيه . عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: (رحم الله رجلاً قام من الليل، وصلى وأيقظ امرأته فإن أبت نضح في وجهها الماء) رواه أبو دواد.
تسري الحياة الطيبة في البيوت بقدر تعظيم الزوج لزوجته الصالحة وتوقيرها له وباعتبار أحدهما الآخر كنزا مدخرا مصونا نادرا ندرة الكبريت الأحمر في زمن الفتن، ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا أخبرك بخير ما يكتنز المرء؟ المرأة الصالحة؛ إذا نظر إليها سرته، وإذا أمرها أطاعته، وإذا غاب عنها حفظته) رواه أبو داود.
تعلمنا السنة الطاهرة ويعلمنا الصحابة أن الحب أوثق الروابط بين اثنين جمعهما ميثاق في بداية الزواج لبناء أسرة مملوءة بالسعادة، لكن قد ينطفئ هذا النور ويتسلل الملل والفتور فلا يجد الزوجان ترياقا يحيي العلاقة ويبعثها من جديد، وقد ذكر المتقي الهندي “أن رجلا جاء إلى عمر يريد أن يطلق زوجته معللا ذلك بأنه لا يحبها، فقال له عمر: ويحك، ألم تبن البيوت إلا على الحب، فأين الرعاية وأين التذمم؟ والتذمم هو الإحسان إلى من يذم بترك الإحسان إليه. وقال عمر لامرأة سألها زوجها هل تبغضه؟ فقالت: نعم، فقال لها عمر: فلتكذب إحداكن ولتجمل فليس كل البيوت تبنى على الحب، ولكن معاشرة على الأحساب والإسلام” (كتاب كنز العمال).
ولتبقى رابطة الزواج الميثاق الغليظ الذي بني على دعائم عدة؛ إن ذهب بعضها ثبت جلها حتى تستأنف القافلة المسير.