الأَرْبَعُون مَوْعِد في ذِكرى مُجَدِّد

Cover Image for الأَرْبَعُون مَوْعِد في ذِكرى مُجَدِّد
نشر بتاريخ


توطئة

عندما يبلغ المرء الأربعين يقول بلسان مَن دعا في الكتاب المبين: رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ [1]؛ فَشُكْرُ النِّعْمة واجب يُرْبيها ويحفظُها مِنَ الزّوال، وهو للوالِدَين – طيناً وديناً- دُعاءٌ وامْتِثال لِما لهما عليك مِن أفضال،  يرفعهُ مِنْكَ إلى الله صالِحُ الأعمال، وهو رجاءٌ في الله أن يُصلِح لك الذرّية والآل، إقراراً مِنكَ بتوبة إليه، طَمَعاً في حسن المآل، وتأكيداً على أنّك مِن المسلمين له على كلّ حال. يقول هذا الدّعاء فرداً وجماعة، ويقوله سَمعاً وطاعةً، ويقوله تبتُّلا وضراعة عسى أن يكون دعاؤُه لهُ ولِـمَن معه حَصانةٌ ومَناعة اليوم وغَداً، وشفاعةٌ بعد قِيام السّاعة.

الأَرْبَعُون مَوْعِد في ذِكرى مُجَدِّد

ذِكْرى أَتَتْ بَعْدَ سِنِّ الأَربعينَ نَدى

أَحْيَتْ قُلوباً بِمَوْتِ الـمُجْتَبى سَنَدا

عَبْدِ السَّلامِ شَريفِ الأَصْلِ فَرْعِ أُسىً

مِن دَوْحَةٍ أَثْمَرَتْ أَعْلى الوَرى نَضَدا[2]

روحاً مَصوناً مِنَ الوهّابِ نَفْحَتُها

أَعْيى تَوَثُّبُها للمُرتَجى الجَسَد

عَزْماً وَسَعْياً يَزيدُ الـمُهْتَدي رَشَدا

والـمُعْتَدي كَمَدا والـمُفْتَري حَسَدا

ذِكْرى أَتَتْ دُرَّةً في مُتْحَفٍ نَضِرٍ

جَلَتْ عَنِ القَلْبِ مِن أَحْزانِهِ عَدَدا

حُزْناً عَلى أُمّةٍ بَعْدَ الرَّشادِ هَوَتْ

للفَقْرِ والقَهْرِ في حُكْمِ العَضوض مَدى

مِن كثرةٍ هُزِمَتْ لا قِلّةٍ عَدَدا

مِن وَطْأَةِ الجَوْرِ لا نَقْصِها عُدَدا

حُزْناً عَلى مَسْجِدٍ أَقْصاهُ شِرْذِمَةٌ

مِن أَن يَدومَ لِمَسْرى الـمُصطفى مَدَدا

بَعْدَ الهَوانِ وتَطبيعٍ بِهِ احْتَفَلوا

أَقْبِحْ بِمَن مَدَّ للباغي الغَشومِ يَدا

حُزْناً عَلى وَطَنٍ أَضْنَتْهُ جائِحَةٌ

لا مِن سِقامٍ ولَكِنْ مِن سِهامِ عِدا

حُزْناً على سادَةٍ في السِّجْنِ زَجَّ بِهِمْ

خَبٌّ لَئيمٌ بِهِ ضاعَ الرّبيعُ[3] سُدى

حُزْناً عَلى لاجِئٍ والغَرْبُ يَحْضُنُهُ

لم يُلْفِ في قُطْرِهِ عَدْلاً ولا رَشَدا

حُزْناً على عالِـمٍ والى الطُغاةَ عَسى

يَنْجو مِنَ البَطْشِ أَو يَحْيى الدُّنى رَغَدا

لم يَحْظَ إلاَّ بِذُلٍّ ظَلَّ يَصْحَبُهُ

والغُبْنُ يَرْقُبُهُ بَعْدَ الرّحيلِ غَدا

حُزْناً على ذاكِرٍ لله مُنْفَصِلٍ

عَن هَمِّ أُمَّتِهِ لم يَنْتَصِبْ لِفِدا

حَثَّ الـمُريدَ عَلى الإِحْسانِ مَرْتَبَةً

لَم يَسْعَ للعَدْلِ بُرْهاناً ومُسْتَنَدا

حُزْناً عَلى دَعْوَةٍ لِلحُكْمِ أَوْصَلَها

شَعْبٌ مَهيضٌ[4] فَلَم تُصْلِح لَهُ أَوَدا[5]

حُزْناً عَلى العدْلِ والإحْسانِ أَمْرُهُما

في “النَّحْلِ” لا مَن وفَى أَو كَفَّ مَن جَحَد

إلاَّ قَليلٌ مِنَ الفُرْسانِ سَبْحُهُمُ

صَوْمٌ عَنِ الوَهْنِ في دُنْيا الفُتونِ دَدا[6]

رُهبانُ لَيْلٍ سُجودٌ عِنْدَ ناشِئَةٍ

فيها مُحِبُّ لِقاءِ اللهِ ما هَجَد[7]

هُمْ مَن أَجابوا نِداءَ الحَقِّ دونَ وَنىً

بَعْدَ انْبِعاثِ وَلِيٍّ مُرْشِدٍ زَهِدَ

في المالِ والجاهِ والأَلْقابِ بُغْيَتُهُ

نَيْلُ الرِّضى مِن إِلَهِ الخَلْقِ بَعْدَ هُدى

أَضْناهُ حُبُّ الجَليلِ الـمُبْتَلي بِجَوىً

مَن لَم يَعُدْ هَمُّهُ الدُّنْيا وما حَصَد

مِنْ سُمْعَةٍ حافِظاً حَبْراً[8] ونابِغَةً

في الشِّعْرِ واللَّحْنِ والسَّطرَنْجِ مُتَّقِدا

بَل في المعارِفِ والفُصْحى الخَبيرَ غَدا

ناراً على عَلَمٍ رَمْزاً ومُعْتَمَدا

كانَ المُعَلِّمَ والأُسْتاذَ حِلْيَتُهُ

صَبْرٌ وَحِلْمٌ وجودٌ بالذّي وَجَدَ

كانَ الـمُديرَ جَلالُ القَدْرِ بَوَّأَهُ

أَعْلى المقاماتِ في التَّدْبيرِ مُقْتَصِدا

كانَ الـمُفَتِّشَ لم يبخَلْ بِخِبْرَتِهِ  

رَبّى وأَلَّفَ خَيْرَ الكُتْبِ مُجْتَهِدا

كانَ المُرَشَّحَ للبِعْثاتِ عُدَّتُهُ

ذَوْقٌ وسَمْتٌ وإِلْمامٌ بِما قَصَد

كانَ الخَبيرَ ورَأْسُ الأَمْرِ يَطْلُبُهُ

قَوْلاً وفِعْلاً وأَخْلاقاً ومُعْتَقَدا

حتّى إذا بَلَغَ الـمَنْشودَ ذِرْوَتَهُ

في كُلِّ شَأْنٍ مِنَ الدُّنْيا عُلاً وَجَدا[9]

تاقَتْ إلى اللهِ مِنْهُ النَّفْسُ وابْتَدَرَتْ

لِلحَجِّ فاقْتادَها للقَصْدِ مُحْتَفِدا[10]

زارَ الـمُشَفَّعَ بَعْدَ الحَجِّ مُهْتَبِلاً

تِلْكَ الإِنابَةَ بَحْثاً عَن دَليلِ هُدى

لَم يُلْفِ للمُبْتَغى عَدْلاً ولا ثِقَةً

يُنْجيهِ مِن حَيْرَةٍ، يُجْدِيهِ ما نَشَد[11]

حتّى إذا ضاقَتِ الدُّنْيا بما رَحُبَتْ

جادَ البشيرُ بِسَعْدٍ يُثْلِجُ الخَلَد[12]

في مَسْجِدٍ بِرِباطِ الفَتْحِ أَخْبَرَهُ

أَنَّ الدَّليلَ على الخَيْرِ العَميمِ بَدا

بَدْراً تُزَيِّنُ أُفْقَ الكَوْنِ طَلْعَتُهُ

فاهْرَعْ إِلَيْهِ تَكُن مِـمَّن بِهِ سَعِدَ

لَمّا الْتَقى بَعْدَ أَيّامٍ بِقُرَّتِهِ[13]

أَلْفى الفَتى في لِقاءِ الشَّيْخِ ما افتَقَد

ذَوْقاً وشَوْقاً وعِشْقاً والرِّضى سَكَناً

صِدْقاً وعُمْقاً وسَبْقاً للعُلا أَبَدا

فَانْقادَ للشَّيْخِ تَسْليماً بِهِمَّةِ مَن

نالَ الـمَرامَ فلَم يَحْفَل بِمَن نَقَد

أَعْطى الوَلاءَ لِنَبْعِ الخَيْرِ مُمْتَثِلاً

ما يَقْتَضيهِ سُلوكُ القَوْمِ مُبْتَعِدا

عَن شَطْحِهِمْ سُكْرَ حالٍ مُنْعِشٍ دَسِمٍ

حَلْوى لِمُبْتَدِئٍ سَلْوى لِمَن قَعَد

حتّى إذا ما قَضى شَيخُ الطَّريقِ غَزا

صَفَّ الـمُريدينَ مَن جاءوا الحِمى جُدُدا

أَفْضَوْا بِزاوِيَةٍ مِن دينِنا لِمُنىً

لا للجِهادِ ولا للمُبْتَغى رَصَدا

لَم يَأْلُ نُصْحاً لِمَن آوَوْه في كَنَفٍ

كانَ الملاذَ لِمَن وافاهُ مُلْتَحِدا

ثُمّ انتهى لِقُعودٍ مُشْتَهى وأَسىً

يُدْمي فُؤادَ مُريدِ الحَقِّ والكَبِدَ

لَم يَبْقَ إِلاَّ انْفِصالٌ مُؤْلِـمٌ نَكِدٌ

مِن بَعْدِ ما ذاقَ أَنواعَ الأَذى صَعَدا[14]

رامَ الفَتى خُلْوَةً في عُزْلَةٍ سَنَةً

مُسْتَهْدِياً يَسْتَخيرُ الواحِدَ الصَّمَد

مَن أَلْهَمَ المُسْتَخيرَ الحَقَّ مُقْتَدِياً

بالعَمِّ[15] أَكْرِم بِهِ مُسْتَبْسِلاً أَسَدا

حينَ انْبَرى ناصِحاً لِلمَلْكِ يُنْذِرُهُ

إِن لَم يُجِرْ نَفْسَهُ مِن خُبْثِها عَنَدا

مُسْتَنْسِراً غاصِباً مُلْكاً بِلا سَنَدٍ

أَفْضى به والِدٌ إِرْثاً لِما وَلَد

كانَ الجَوابُ جُنوناً نَدَّ[16] عَنْ حُطَمٍ[17]

أَلْقى على النّاصِحِ البُهْتانَ والفَنَد[18]

أَمْضى سِنينَ شِداداً رَهْنَ مَخْبَئِهِم

مُسْتَرْشِداً بأبي جَعْرانَ[19] مَن صَمَد

لم تُثْنِ هِمَّتَهُ الكأداءُ عَن جَلَدٍ

فاجْتازَها باقتِحامٍ واثِقاً صُعُدا

حتّى إذا ما سَعَوْا للعَفْوِ دونَ رِضىً

مِن كَيِّسٍ فَطِنٍ وَفّى بِما وَعَد

لم يَسْتَجِبْ لِظَلومٍ يَبْتَغي عَرَضاً  

مِن مُسْتَبِدٍّ وَمَن أَمسى لَهُ عَضُدا

لم يُثْنِهِ كَيْدُهُم واللهُ ناصِرُهُ

بَل واصَلَ النُّصْحَ مِقْداماً وما رَكَد

في مَسْجِدِ الحَيِّ كان الوَعْظُ دَيْدَنُهُ

أو عِنْدَ مَنْزِلِهِ مِن بَعْدِ ما طُرِد

قَبْلَ الرَّحيلِ عَنِ “الحمراء”[20] حينَ بَدَتْ

للمُسْتَخيرِ “سَلا” حِضْناً ومُلْتَحَدا[21]

إِثْرَ استِجابةِ شُجْعانٍ لِدَعْوَتِهِ

أَرْسى دَعائِمَ مَشْروعٍ لَهُ رَصَد

بَيْتاً ومالاً وما لم يُرْضِ أَمْزِجَةً

آلَتْ على نَفْسِها خِذْلانَ مَن عَمَد

للصُّدْقِ مِن فُضَلاءِ الشَّعْبِ يُنْهِضُهُم

لِلحَقِّ صَفّاً مَتينَ الرَّصِّ مُتَّحِدا

لم يَجْنِ مِن جَوْلَةٍ في القُطْرِ واسِعةٍ

مِـمّا ابتغاهُ سِوى الإعْراضَ والكَمَد

هذا رَماهُ بِكُفْرٍ أو هَوى بِدَعٍ

والبعضُ سَفَّهَ ما أَبْداهُ مُمْتَهِدا[22]

هذا تعذَّرَ بالأَعْداءِ تَرْصُدُهُ

والبعضُ أَعْرَضَ أَو عاداهُ مُنْتَقِدا

هذا نَفى أَن يكونَ العَدْلُ طِلْبَتَهُ

فاهْتاجَ يُنْذِرُهُ الأَهْوالَ والنَّكَد[23]

والبَعْضُ كانَ صَريحاً مُنْصِفاً لَبِقاً

قال: «اقْتَحِمْ هذه الكَأداءَ مُتَّئِدا

أَسِّسْ لِحِزْبٍ بِفِكْرٍ واضِحٍ مَرِنٍ

ثمَّ ائْتِنا مُسْتَشيراً تُلْفِنا سَنَدا»

كان اقتِراحاً سَديداً هادِفاً وَرِعاً

أَفْتى بِما حَلَّ عَنهُ اللُّغْزَ والعُقَد

فاختارها “أُسْرَةً” تَرعى الجماعةَ لا

سِرّاً ولاتابِعاً أو مُرهِباً أَحَدا

بل واضِحاً مُسْتَقِلاًّ طَيِّباً فَطِنا

أَسْدَتْ مَجَلَّتَها حِصْناً لِمَن وَفَد[24]

أَضْحَتْ بِجَمعيّةٍ خَيريّةٍ نَذَرَت

للهِ ما وُهِبَتْ حِضْناً لِمَن حَرَد[25]

صارَتْ بَريداً لأقلامٍ لَها أَلَقٌ

أَجْرَتْ حِواراً مَعَ العَطْشى رَواءَ[26] صَدى[27]

عَقْدانِ قَبْلَ مَتَمِّ القَرْنِ كان لها

صيتٌ ومجلسُ إِرشادٍ وجُنْدُ فِدا

يمضي “بِعَدْلٍ وإِحسانٍ”[28] إلى أُفُقٍ

لا رَيْبَ فيه هُدى لم يكْتَنِف لِبَدا[29]

النَّصْرُ مَوعِدُهُ والصُّبحُ مَوئِلُهُ

واللهُ غايتُهُ في يَوْمِنا وغَدا

والمصطفى أَحْمَدُ المُختارُ ضامِنُه

في ما رَوى أَحْمدٌ في مُسنَدٍ وَرَد[30]

أَنّ الخِلافةَ فَجْرٌ صادِقٌ ظَهَرَتْ

مِن حِكْمةِ الله إِرْهاصاتُه فَبَدا

نوراً لِمُستبصِرٍ آلاً[31] لِمُنْتَظِرٍ

أَعْماهُ عن رُؤيةِ الموعودِ مَن لَحَد[32]

ها نحنُ أولاءِ بَعْدَ الأَرْبَعينَ نَرى

سَعْياً إلى العدلِ والإحسانِ مُطَّرِدا

رَغْمَ الأَذى والقَذى والـمُفْتَري فَنَداً

لم يَنْهَزِم لا ولا نحو البغاة سَدا[33]

بَل قاوَمَ الظُّلمَ والطُّغيانَ مُنْتَفِضاً

لم ينْكَسِرْ أو يُدِر ظَهْراً لِما فَسَد

مِن حُكمِهِمْ قِسْمَةً ضيزى وسائِبَةٍ

مِن دونِ راعٍ ولا مِن مُبْتَغٍ سَدَدا

بِئْسَ القَضاءُ قَضاءُ العَضِّ فِرْيَتُهُ

إِعْفاءُ مُقْتَدِرٍ جَوْراً كَكَبْشِ فِدا

تَرْسيبُ مُمتَحَنٍ فاقَتْ مَواهِبُهُ

كُلَّ الذين ارتقَوا واسْتَنْزَفوا البَلَد

تَشْميعُ بَيْتٍ كريمٍ ظَلَّ مُلْتَجَأً

حيناً مِنَ الدَّهْرِ نِبْراساً ومُرْتَفَدا[34]

تَكْميمُ فاهٍ عَتا لَـمّا اشْتكى ضَرراً

أَوْ قالَ حَقّاً وواسى صَفَّ مَن نَهد[35]

تَشْويهُ سُمْعَةِ أَطْهارٍ بمُخْتَلَقٍ

مُسْتَقْوِياً بِمَنِ انْقادوا لَهُ شُهَدا

تَعْظيمُ واهٍ عنِ البيضاءِ زاغ خُطىً

لم يحترِم أَحَداً بَل أَغْضَبَ الأَحَد

مَن قيلَ مُنْتَخَبٌ والمالُ أَفْرَزَهُ

كَلاًّ ضَعيفاً على سقط الورى[36] اعْتَمَد

تَسْويقُ وَهْمٍ بِهِ الإعلامُ مُفْتَخِرٌ

أَبْئِسْ بِشَيْطَنَةٍ خَرْساءَ مِنْ بُلَدا

بالرَّغْمِ مِن كُلِّ هذا البَغْيِ ظَلَّ نَدىً

فَوْقَ الجِراحِ ولَـم يَفْجُر ولا حَقَد

بِشْرٌ على الوَجْهِ والأَحْزانُ تَغْمُرُهُ

مِن كُلِّ صَوْبٍ بِغَيْرِ الحَقِّ ما شَهِد

لم يَفْهَموا أَنَّ رِزْقَ العَبْدِ ضامِنُهُ

رَبُّ الوَرى لم يَضِقْ يَوْماً ولا نَفَد

رَغْمَ الذي أَبْدَعوا مَكْراً بِصاحِبِهِ

لم يَتْرُكوا حِيلَةً إلاَّ امْتَطَوْا أَمَدا

خابوا وخابَتْ مَساعيهِم وما ظَفِروا

إلاَّ بِما زادَ رَهْطَ الـمُنتدى جَلَدا

مَن كانَ للهِ فالرزّاقُ حافِظُهُ

مِن كُلِّ مُنتقِمٍ مَهْما عَتا وعَدا

ها نحن أولاء بعد الأربعينَ بَدَت

آثارُها دُرَراً تُزْري بِمَن مَرَد[37]

تُذْكي عَزائِمَنا، تُدْني مَقاصِدَنا

تُرْبي وَدائِعَ مَن أَعْطى ومَن حَمِد

تُخْزي فَظائِعَ مَغرورٍ ومَن رَكَنوا

للظّالِمين ومَن هاموا بهم سَمَدا[38]

ها نحن أولاء بَعْدَ الأربعينَ مَضَت

خَيْراً على مَن دَعا للحَقّ واجْتَهَد

شَرّاً على كُلِّ باغٍ مُفْلِسٍ وَقِحٍ

لَم يَحْظَ إلاّ بِخَيْباتٍ وما وَقَد

ناراً تَلَظّى بها والله أَطْفَأَها

لَم تُؤْذِ مِمَّن أَبَوْا أن يَرْكَنوا أَحَدا

لا لم يضُرُّوا الأُسى إلاّ أَذى

خَسِئَتْ نُفوسُهُم، سُوقُ إرهابِ العِدا كَسَدا

إلاّ لَيالِيَ في زَنْزانَةٍ سَعِدَت

بالـمُبْتَلى قائِماً يَتْلو وما رَقَد

إلاّ اتِّهاماً غَدا زوراً ومَهْزَلَةً

والبَحْرُ لا يَرْتَضي في عُمْقِهِ زَبَدا

ها نحنُ نَحْفَلُ بالذِّكْرى ومَوعِدِها

بالأَربعينَ ومَن والى وَمَن سَنَد

نُحْصي فضائِلَها صَبْراً ومَلْحَمَةً

نُثْني على مَن بَنى أو لم يَزَلْ وَتِدا

أَو قاوَمَ الظُّلْمَ لم يَرْكَن لِسَطْوَتِه

أو آثَرَ الصَّمْتَ لم يجْرَحْ بِشِبْهِ مُدى

أَو تابَ مِن زَلّةٍ في حقِّ إخوَتِه

في الدِّين كِذْباً وزوراً مُنْكَراً حَسَدا

شُكْراً لكم سادتي فالحقُّ يجمعُنا

حاشا يُفَرّقُنا ما لَمَّنا بِدَدا[39]

واللّهَ نَسْأَلُهُ ألاّ يُؤاخِذَنا

عَن سوءِ أَفْعالِنا عَدْلاً ولا قَوَدا

والأجرُ والنّور يُرجى للذي أَمِنَت

منه الجماعة لم يَفْجُر ولا جَحَد

أَو يُغْوِهِ مارِدٌ أو يُعْمِهِ رَمَدٌ

عَن رُؤيةِ الحقِّ إِجْحافاً ولا لَدَدا[40]

بل أَنْصَفَ الخَصْمَ، بَل واساه في مِحَنٍ

مُسْتَبْسِلاً  ناصِراً سَدْوَ الإمامِ سَدا

لم ينْتَقِم مِن جَهولٍ هاجَ مُبْتَذِلاً

بَلْ ردَّ بالرِّفْقِ للإنصاف مَن شَرَد[41]

لم يَدْعُ يَوْماً على مَن ضَرَّهُ بأذى

بَلْ كان يدعو لهُ بالغَيْبِ مُنْفَرِدا

صَلّوا على مَنْبِتِ الأَحْرارِ أُسْوَتِنا

ما حَنَّ شَوقاً إلى الخضراءِ مَن وَجَد

صَلّوا على مَشْرِقِ الأَنوارِ شافِعِنا

ما هامَ في الرّوضةِ الغَنَّاءِ مَن سَجَد

صَلّوا على آلِهِ الأطهارِ سُلْوَتِنا

في كُلِّ نائِبَةٍ هُم للجِراحِ نَدى

صَلّوا على صَحْبِهِ الأبرارِ ذِكْرُهُمُ

يُحْيي الفُؤادَ ويُنْسيهِ الذي فَقَد

صَلّوا على إخوة الماحي أَحِبَّتَنا

مَن مُنْيَتي أَن أَراهُمْ دائِما أَبَدا

في جَنَّةِ الخُلْدِ مَعْ خَيْرِ الوَرى شَرَفا

طَهَ ومَنْ لـأذانِ الفَجْرِ رَدَّ صَدى

فاس الاثنين 13 جمادى الأولى 1444ه
الموافق لـ 8 دجنبر 2022م


[1] – الأحقاف: 15.
[2] – رجل نضد: شريف.
[3]  – الرّبيع: أي الرّبيع العربي الذي أشرقَتْ بدايته وأحرقت نهايته.
[4] – مهيض: من هاضَ فُلان الشّيء كسره وأضعفه.
[5] – أَوَد: أقام أوَده: أَزال اعوجاجه، أصلح أمره وقَوّمه.
[6] – الدّد: اللّهو واللّعِب.
[7] – هجد: نام.
[8] – الحَبْر: العالم ج أحبار.
[9] – الجدا: العطاء.
[10] – محتفد: مسرع.
[11] – نَشَد: طلب.
[12] – الخَلَد: القَلْب.
[13] – القُرّة: ما قرّت به العين، قرّة العين: ما يصادف المرء به سرورا فلا تطمح العين إلى ما سواه.
[14] – صَعَد: المشقّة، وعذاب صَعَد: شديد.
[15] – العمّ: حمزة سيّد الشهداء رضي الله عنه؛ أسد الله.
[16] – ندّ البعير: نفر، شرد، هام على وجهه. ندّت الكلمة: شذّت عن القاعدة.
[17] – الحُطم: الرّاعي العَسوف العنيف.
[18] – الفَنَد: الكذب والبهتان والحمق.
[19] – كان الإمام رحمه الله في شبه زنزانته يستمدّ صموده من رؤية هذه الحشرة “بوجعران”. وهو يصعد الحائط مقتحم العقبة ويعاود المحاولة المرّة تلو المرّة حتى يبلغ هدفه.
[20]  – الحمراء: مراكش.
[21] – الـملتحد: الـملجأ؛ التحد إليه: لجأ.
[22] – امتهد الشيء: مهّد له وعمل.
[23] – النّكد: كلّ شيء جرّ على صاحبه شرّا.
[24] – وفد: سكن وهدأ.
[25] – حرد فلان عن قومه حُرودا: اعتزلهم، حَرَد المكان: قَصَدَه.
[26] – رَواء: ماء كثير.
[27] – الصّدى: العطش الشديد.
[28] – شعار الجماعة الجديد اتخذته بديلا عن “أسرة الجماعة” سنة 1987م.
[29] – اللِّبَد: كُلّ شَعْر أو صوف مُتَلَبِّد.
[30] – إشارة إلى الحديث الصّحيح الذي ورد في مسند الإمام أحمد رحمه الله وفيه:”…ثم تكون خلافة على منهاج النبوة ثم سكت”.
[31] – الآل: السَّراب.
[32] – لَـحَد في الدِّين :كَفَر وأَشْرَك بالله، لَـحَد الحاكِم: جار وظَلَم، لحد السّهم عن الهدف: عدل عنه.
[33] – سَدا نحوه: مَدَّ إليه يده.
[34] – رفده: أعانه ودعمه بِصِلة أو عطاء.
[35] – نهد البطل: نهض ومضى.
[36] – سَقْطُ الورى: السّاقط مِن الناس، اللئيم الحقير.
[37] – مرد الشخص: طغى وعتا، جاوز حدّ أمثاله وعصى.
[38] – سمد الشّخص: بهت وتحيّر، غفل وسها.
[39] – بِدَداً: مشتّتين مفرَّقين.
[40] – اللّدَد: الخصومة الشديدة التي فيها ميل عن الحق.
[41] – شرد البعير: نفر واستعصى.