العشر من ذي الحجة.. فضلها، خصائصها، الدروس التربوية المستفادة منها (2/1)

Cover Image for العشر من ذي الحجة.. فضلها، خصائصها، الدروس التربوية المستفادة منها (2/1)
نشر بتاريخ

مقدمة

الحمد لله الذي أنعم علينا بنعمة الإسلام، والصلاة والسلام على من بعثه الله تعالى بشيرا ونذيرا، وسراجا منيرا للناس كافة، وعلى آله وصحبه أجمعين، والتابعين وتابعي التابعين إلى يوم الدين، أما بعد؛

فتمتاز حياة الإنسان المسلم بأنها زاخرة بالأعمال الصالحة، والعبادات المشروعة التي تجعل المسلم في عبادة مستمرة، وتحول حياته كلها إلى قول حسن، وعمل صالح، وسعي دؤوب إلى الله جل في علاه، دونما كلل أو ملل أو فتور أو انقطاع. والمعنى أن حياة الإنسان المسلم يجب أن تكون كلها عبادة وطاعة وعملا صالحا يقربه من الله تعالى، ويصله بخالقه العظيم جل في علاه، في كل جزئية من جزئيات حياته، وفي كل شأن من شؤونها.

من هنا فإن حياة الإنسان المسلم لا تكاد تنقطع من أداء نوع من أنواع العبادة التي تمثل له منهج حياة شامل متكامل؛ فهو على سبيل المثال مكلف بخمس صلوات تتوزع أوقاتها على ساعات اليوم والليلة، وصلاة الجمعة في الأسبوع مرة واحدة، وصيام شهر رمضان المبارك في كل عام، وما أن يفرغ من ذلك حتى يستحب له صيام ستة أيام من شهر شوال، وهناك صيام يومي الاثنين والخميس من كل أسبوع، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر، ثم تأتي الأيام العشرة الأولى من شهر ذي الحجة فيكون للعمل الصالح فيها قبول عظيم عند الله تعالى.

وليس هذا فحسب؛ فهناك عبادة الحج وأداء المناسك، وأداء العمرة، وصيام يوم عرفة لغير الحاج، ثم صيام يوم عاشوراء ويوم قبله أو بعده، إضافة إلى إخراج الزكاة على من وجبت عليه، والحث على الصدقة والإحسان، والإكثار من التطوع في العبادات، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالقول أو العمل أو النية، إلى غير ذلك من أنواع العبادات والطاعات والقربات القولية والفعلية التي تجعل من حياة المسلم حياة طيبة، زاخرة بالعبادات المستمرة، ومرتبطة بها بشكل متجدد دائم يؤكده قول الحق سبحانه: فإذا فرغت فانصب (سورة الشرح: الآية رقم 7).

من هنا فإن في حياة المسلم مواسم سنوية يجب عليه أن يحرص على اغتنامها والاستزادة فيها من الخير عن طريق أداء بعض العبادات المشروعة، والمحافظة على الأعمال والأقوال الصالحة التي تقربه من الله تعالى، وتعينه على مواجهة ظروف الحياة بنفس طيبة وعزيمة صادقة.

وفيما يلي حديث عن فضل أحد مواسم الخير المتجدد في حياة الإنسان المسلم، والمتمثل في الأيام العشرة الأولى من شهر ذي الحجة وما لها من الفضل والخصائص، وبيان أنواع العبادات والطاعات المشروعة فيها، إضافة إلى بعض الدروس التربوية المستفادة منها.

فضل الأيام العشر

أولا- في القرآن الكريم

ورد في فضلها أدلة من القرآن الكريم منها:

1- قال تعالى: والفجر، وليال عشر (الفجر: 1، 2). قال ابن كثير رحمه الله: المراد بها عشر ذي الحجة كما قاله ابن عباس وابن الزبير ومجاهد وغيرهم، ورواه الإمام البخاري.

2- وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله: “ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر”. قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: “ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء”.

3- وقال تعالى: ويذكروا اسم الله في أيام معلومات (الحج: 27). قال ابن عباس: أيام العشر 1.

ووردت الإشارة أيضا إلى فضل هذه الأيام العشرة في بعض الآيات الأخرى من القرآن الكريم، ومنها قوله تعالى: وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات (سورة الحج: الآيتان 27 -28). حيث أورد ابن كثير في تفسير هذه الآية قوله: عن ابن عباس رضي الله عنهما: الأيام المعلومات أيام العشر 2.

كما جاء قول الحق تبارك وتعالى: والفجر وليال عشر (سورة الفجر: الآيتان 1 – 2). وقد أورد الإمام الطبري في تفسيره لهذه الآية قوله: وقوله: (وليال عشر) هي ليالي عشر ذي الحجة، لإجماع الحجة من أهل التأويل عليه 3.

وأكد ذلك ابن كثير في تفسيره لهذه الآية بقوله: والليالي العشر المراد بها عشر ذي الحجة كما قاله ابن عباس وابن الزبير ومجاهد وغير واحد من السلف والخلف 4.

وهنا يمكن القول: إن فضل الأيام العشر من شهر ذي الحجة قد جاء صريحا في القرآن الكريم الذي سماها بالأيام المعلومات لعظيم فضلها وشريف منزلتها.

ثانيا- في السنة النبوية

ورد ذكر الأيام العشر من ذي الحجة في بعض أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم التي منها:

الحديث الأول: عن ابن عباس – رضي الله عنهما – أنه قال: يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام” (يعني أيام العشر). قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: “ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء” 5.

الحديث الثاني: عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “إن العشر عشر الأضحى، والوتر يوم عرفة، والشفع يوم النحر” 6.

الحديث الثالث: عن جابر رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما من أيام أفضل عند الله من أيام عشر ذي الحجة”. قال: فقال رجل: يا رسول الله هن أفضل أم عدتهن جهادا في سبيل الله؟ قال: “هن أفضل من عدتهن جهادا في سبيل الله” 7.

الحديث الرابع: عن ابن عباس – رضي الله عنهما – عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “ما من عمل أزكى عند الله ولا أعظم أجرا من خير يعمله في عشر الأضحى. قيل: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: “ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء”. قال: وكان سعيد بن جبير إذا دخل أيام العشر اجتهد اجتهادا شديدا حتى ما يكاد يقدر عليه” 8.

الحديث الخامس: عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “أفضل أيام الدنيا أيام العشر يعني عشر ذي الحجة”. قيل: ولا مثلهن في سبيل الله؟ قال: “ولا مثلهن في سبيل الله إلا من عفر وجهه في التراب” 9.

وهنا يمكن القول: إن مجموع هذه الأحاديث يبين أن المراد بالأيام العشر تلك الأيام العشرة الأولى من شهر ذي الحجة المبارك.

خصائص الأيام العشر

للأيام العشر الأول من شهر ذي الحجة خصائص كثيرة، نذكر منها ما يلي:

1) أن الله سبحانه وتعالى أقسم بها في كتابه الكريم فقال عز وجل: والفجر وليال عشر (سورة الفجر: الآيتان 1 -2). ولا شك أن قسم الله تعالى بها ينبئ عن شرفها وفضلها.

2) أن الله تعالى سماها في كتابه “الأيام المعلومات”، وشرع فيها ذكره على الخصوص فقال سبحانه: ويذكروا اسم الله في أيام معلومات (سورة الحج: الآية 28)، وقد جاء في بعض التفاسير أن الأيام المعلومات هي الأيام العشر الأول من شهر ذي الحجة.

3) أن الأعمال الصالحة في هذه الأيام أحب إلى الله تعالى منها في غيرها؛ فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما من أيام أعظم عند الله، ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر فأكثروا فيهن من التكبير والتهليل والتحميد” 10.

4) أن فيها (يوم التروية)، وهو اليوم الثامن من ذي الحجة الذي تبدأ فيه أعمال الحج.

5) أن فيها (يوم عرفة)، وهو يوم عظيم يعد من مفاخر الإسلام، وله فضائل عظيمة، لأنه يوم مغفرة الذنوب والتجاوز عنها، ويوم العتق من النار، ويوم المباهاة فعن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-أنها قالت: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “ما من يوم أكثر من أن يعتق الله عز وجل فيه عبدا من النار، من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة، فيقول: ما أراد هؤلاء؟” 11.

6) أن فيها (ليلة جمع)، وهي ليلة المزدلفة التي يبيت فيها الحجاج ليلة العاشر من شهر ذي الحجة بعد دفعهم من عرفة.

7) أن فيها فريضة الحج الذي هو الركن الخامس من أركان الإسلام.

8) أن فيها (يوم النحر) وهو يوم العاشر من ذي الحجة، الذي يعد أعظم أيام الدنيا كما روي عن عبد الله بن قرط عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “إن أعظم الأيام عند الله تبارك وتعالى يوم النحر، ثم يوم القر” 12.

9) أن الله تعالى جعلها ميقاتا للتقرب إليه سبحانه بذبح القرابين كسوق الهدي الخاص بالحاج، وكالأضاحي التي يشترك فيها الحاج مع غيره من المسلمين.

10) أنها أفضل من الأيام العشرة الأخيرة من شهر رمضان؛ لما أورده شيخ الإسلام ابن تيمية وقد سئل عن عشر ذي الحجة والعشر الأواخر من رمضان أيهما أفضل؟ فأجاب: أيام عشر ذي الحجة أفضل من أيام العشر من رمضان، والليالي العشر الأواخر من رمضان أفضل من ليالي عشر ذي الحجة. (ابن تيمية).

11) أن هذه الأيام المباركات تعد مناسبة سنوية متكررة تجتمع فيها أمهات العبادات كما أشار إلى ذلك ابن حجر بقوله: والذي يظهر أن السبب في امتياز عشر ذي الحجة لمكان اجتماع أمهات العبادة فيه، وهي الصلاة والصيام والصدقة والحج، ولا يتأتى ذلك في غيره. (فتح الباري).

12) أنها أيام يشترك في خيرها وفضلها الحجاج إلى بيت الله الحرام، والمقيمون في أوطانهم لأن فضلها غير مرتبط بمكان معين إلا للحاج.


[1] تفسير ابن كثير.
[2] ابن كثير، 1413هـ، ج 3، ص 239.
[3] الطبري، 1415هـ، ج 7، ص 514.
[4] ابن كثير، 1414هـ، ج 4، ص 535.
[5] أبو داود، الحديث رقم 2438، ص 370.
[6] رواه أحمد، ج 3، الحديث رقم 14551، ص 327.
[7] ابن حبان، ج 9، الحديث رقم 3853، ص 164.
[8] رواه الدارمي، ج 2، الحديث رقم 1774، ص 41.
[9] رواه الهيثمي، ج 4، ص 17.
[10] رواه أحمد، مج 2، ص 131، الحديث رقم 6154.
[11] رواه مسلم، الحديث رقم 3288، ص 568.
[12] رواه أبو داود، الحديث رقم 1765، ص 271.