الأمن الرقمي للطفل

Cover Image for الأمن الرقمي للطفل
نشر بتاريخ

في زمن أصبحت فيه الأجهزة الذكية والإنترنت جزءا من حياة الطفل منذ سنواته الأولى، برزت مسؤولية جديدة على عاتق الوالدين، وهي التربية الرقمية. فكما نحمي أبناءنا في الشارع والمدرسة، ينبغي أن نحميهم في فضاء الإنترنت، حيث تكمن أخطار تمس بياناتهم وهويتهم ومستقبلهم.

وهذا ما نلمسه في قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا [التحريم: 6]، توجيه رباني يرشد الوالدين إلى حماية الأهل من كل ما يضرّهم، ومن ذلك حماية الأبناء من مخاطر التكنولوجيا الحديثة، وذلك من خلال:

1. تعليم الطفل عدم مشاركة المعلومات الشخصية

من واجب الوالدين أن يحرصوا على حماية أبنائهم من كل ما قد يضرهم، وقد أكد النبي ﷺ هذا المعنى بقوله: «كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته» [رواه البخاري ومسلم]. ومن صور هذه الرعاية في عصرنا تربية الطفل على الحذر في استخدام الإنترنت، وتعليمه عدم مشاركة رقم هاتفه أو عنوانه أو صوره الخاصة مع الغرباء.

وقد وجّهنا الله تعالى إلى التحصن والتيقظ في كل تعاملاتنا، فقال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ [النساء: 71]. وهذه الآية وإن نزلت في سياق الجهاد، فإن معناها أوسع ليشمل الحذر في كل مجالات الحياة، ومنها عالم الرقمنة الذي يواجه فيه الطفل تحديات خفية قد تهدد فكره وسلوكه وهويته. ومن هنا فإن التربية الرقمية، وتعليم الأطفال سبل الحذر في استخدام الأجهزة والإنترنت، هو امتثال عملي لأمر الله تعالى، وحماية للجيل الناشئ من أخطار قد لا تقل خطورة عن الأخطار المادية. فوعي الوالدين بهذه المسؤولية يغرس في الطفل ثقافة الحذر والوقاية في العالم الافتراضي منذ الصغر.

2. دور الأسرة في المرافقة والمراقبة

لا يعني الأمن الرقمي فرض المنع التام، بل التوجيه والمرافقة. كان رسول الله ﷺ يتعامل مع الأطفال بالرحمة والحكمة، فكان يربيهم بالقدوة والإقناع، لا بالعنف. ولهذا يمكن للآباء أن يضعوا مع أبنائهم قواعد واضحة وبسيطة مثل:

– لا يتم استخدام الهاتف أو الحاسوب إلا في مكان مشترك بالمنزل (الصالة مثلا).

– تحديد وقت يومي لا يتجاوز ساعتين للشاشة.

– الاتفاق على قائمة بالمواقع أو التطبيقات المسموح بها.

– قاعدة “أخبرني أولاً”: إذا طلب منك شخص غريب معلومة أو صورة، يجب أن تخبر الوالدين قبل الرد.

هذه القواعد تُناقش مع الطفل بروح الحوار، فيشعر أنه شريك في القرار لا مجرد خاضع للرقابة.

3. أدوات الحماية الرقمية

إلى جانب التربية والقواعد، هناك أدوات رقمية يمكن أن تساعد الأسرة على حماية الطفل، منها:

– Google Family Link: يسمح للأب أو الأم بمتابعة التطبيقات التي يستخدمها الطفل وتحديد وقت الشاشة.

– Microsoft Family Safety: أداة للتحكم في وقت الاستخدام ومراقبة المواقع.

– Qustodio: تطبيق يتيح للأهل معرفة الأنشطة الرقمية وحجب المواقع الضارة.

– إعدادات الخصوصية في الشبكات الاجتماعية: مثل جعل الحساب خاصا، وقصر رؤية المنشورات على الأصدقاء فقط.

لكن تبقى هذه الأدوات وسائل مساعدة، أما الأساس فهو الحوار والتربية على الأمانة الرقمية.

خاتمة

الأمن الرقمي اليوم ضرورة لحماية أبنائنا من مخاطر قد تضر بهويتهم ومستقبلهم. وتقع على عاتق الوالدين مسؤولية كبيرة في تربية أطفالهم على الحذر، وحماية بياناتهم ومعلوماتهم، وغرس الوعي الرقمي منذ الصغر. تمامًا كما كان النبي ﷺ يحرص على سلامة غد الأمة، أي الأطفال والشباب، ويهتم بتربيتهم على القيم والأمانة، يجب على الوالدين اليوم أن يكونوا رعاةً واعين لأبنائهم في عالمهم الرقمي، ليضمنوا لهم بيئة آمنة تساعدهم على النمو السليم والواعي.