افتتاح فندوة ثم تكريم وزيارة.. تغطية شاملة لأول أيام الذكرى 13 لرحيل الإمام المجدد

Cover Image for افتتاح فندوة ثم تكريم وزيارة.. تغطية شاملة لأول أيام الذكرى 13 لرحيل الإمام المجدد
نشر بتاريخ

مر اليوم الأول من الذكرى الثالثة عشرة لرحيل الإمام المجدد عبد السلام ياسين رحمه الله، يوم أمس الأحد 14 دجنبر 2025، في أجواء حافلة، طبعها التحليل الفكري والاستراتيجي والوفاء لروح صاحب الذكرى، وقد تمحور هذا اليوم حول موضوع “طوفان الأقصى والخطر الصهيوني: التداعيات الإقليمية والتحولات العالمية”.

فقرات اليوم الأول التي أدارها الإعلامي عبد الغني مموح، انطلقت بآيات بينات من الذكر الحكيم، تلاها على مسامع الحضور؛ القارئ هشام بونجيمي، ثم كلمة افتتاحية للذكرى باسم الجماعة ألقاها رئيس الدائرة السياسية لجماعة العدل والإحسان، الدكتور عبد الواحد متوكل، أعقبتها الندوة التي قدم فيها المتدخلون الأربعة، الأستاذ أسامة حمدان، والدكتورة خديجة الصبار، والدكتور رشدي بويبري، والدكتور منير شفيق، تحليلات عميقة عن طوفان الأقصى والخطر الصهيوني وسط تفاعل لافت من الجمهور الحاضر الذي أثرى النقاش باستفساراته وتعليقاته المعبرة عن وعي عال بقضايا الأمة. لينتقل المشهد في الفقرة الأخيرة إلى حفل لتكريم مغاربة أسدوا خدماتهم للقضية الفلسطينية وعلى رأسهم أطباء زاروا غزة ومشاركون في أسطول الصمود العالمي لكسر الحصار عن غزة.

كلمة افتتاح الذكرى..

انطلقت الذكرى فعليا بكلمة رسمية باسم الجماعة، ألقاها الدكتور عبد الواحد متوكل، الذي أشار إلى ضيق المكان المحتضن للندوة لا لسبب سوى للمنع من الحقوق الذي يمارسه النظام الحاكم ضد الجماعة يرى خطابها مزعجا أو مشاغبا، وشكر الحاضرين والمعتذرين عن الحضور، ثم ذكّر بأن العدل والإحسان دأبت على تنظيم هذه الذكرى منذ رحيل الإمام إلى رحمة الله، وفاء “لهذا الرجل الذي عاش مهموما بأمور بلده وبالأمة جمعاء، باحثا عن الأسباب وراء هذه الحالة التعسة التي تعيشها” وإمكانيات النهوض وكيف وبأي شروط وبأي أسلوب، وهو ما سطره في أزيد من 40 مؤلفا ناهيك عن محاضراته ولقاءاته التي تعدّ بالمئات.

وأكد الدكتور متوكل أن الجماعة لم تشأ أن تحول المناسبة إلى شكل احتفالي تقليدي، تتحدث فيه عن مناقب الرجل، أو تجعلها لحظة انتشاء بما كان للرجل من مواقف قوية عبّر عنها وبقي ثابتا على مواقفه حتى توفاه الله، ولا إلى “مناحة يواسي بعضنا بعضا فيها على فقد رجل أدركته المنية قبل أن يدرك، ونحن معه، كل المراد، وكأن المشاريع الكبرى تبدأ مع المؤسسين وتنتهي بانتهاء حياتهم”. وشدد على الجماعة فكرت في عدة صيغ ليكون إحياء ذكراه متناغما مع روح المشروع الذي جاء به، والمتمثل في هدفين عدهما الإمام رحمه اللّٰه من أهداف الإسلام الكبرى: العدل في الأرض والإحسان في القلب، مصداقا لقوله عز وجل: “إن اللّٰه لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم”.

المتدخل الأول.. أسامة حمدان

وفي أولى مداخلات الندوة، افتتح الأستاذ أسامة حمدان، عضو المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية “حماس” وممثلها في لبنان، مداخلة عن بعد بالترحم على “صاحب الذكرى الإمام الشيخ عبد السلام ياسين رحمه الله الذي كان عَلَما من أعلام المغرب ورجال دعوتها، والذي حمل فطرة الإسلام عقيدة وسلوكا، وكان إلى جانب اهتمامه بقضايا وطنه وشعبه وأهله مهتما بقضايا أمته، لا ينسلخ ولا ينفك عنها، وفي مقدمتها قضية فلسطين”.

وأشار المتحدث إلى أن الطوفان لم يكن وليد لحظة، إنما هو حلقة في سلسلة متواصلة من نضال ومقاومة وجهاد الشعب الفلسطيني، بدأت منذ الاحتلال البريطاني لأرض فلسطين عام 1917 لقرابة قرن وبضعة أعوام من الاحتلال مضى فيها الشعب مقاوما، مسار طويل اعتبره المتحدث “لابد أن يقرأ ليدرك الجميع أن هذه المعركة هي امتداد لهذا الجهاد”، لكن ميزتها الأساس -يؤكد- أنها أحدثت نقلة في المواجهة مع الاحتلال من المشاغلة إلى فتح بوابة التحرير، ومن الحديث عن تسويات إلى الذهاب إلى إنهاء الاحتلال. كما أكد أن حجم الآلام الكبيرة التي تركها هذا العدوان والجراح الغائرة التي خلفها؛ يجب ألا تصرفنا عن قراءة تداعيات طوفان الأقصى وآثارها على المشروع الصهيوني وعلى إقليمنا ومنطقتنا وتحولاتها على مستوى العالم، ذلك أن كل ذلك يصب في مصلحة معركة التحرير بإذن الله.

المتدخلة الثانية.. خديجة الصبار

من جانبها عبرت الأستاذة المتخصصة في الفلسفة والتاريخ الدكتورة خديجة صبار، عن سعادتها بالمشاركة مع ثلة من المفكرين في الندوة، وأشادت في مداخلتها بطرح الإمام عبد السلام ياسين خصوصا فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، وهو طرح اعتبرته فريدا، وقد تناول القضية في فكر الإمام انطلاقا من: “الجذور والغايات: معالم نظرية ومنهجية”، بحكم اهتمامها بالقضية، وقد وجدت أن منهج الإمام عبد السلام ياسين كان مختلفا عن مناهج متعددة.

وتناولت في مداخلتها مجموعة من المحاور: المرجعية الفكرية والمدرسة الفلسفية للإمام، دحض سردية التوراة وإنشاء إسرائيل القديمة في فكر الإمام، السلام والتعايش بالسيادة على الأمكنة والرموز، الإبراهيمية أخطر كابوس: التآمر الصهيوني العالمي، التوراة والتأويل الإيديولوجي للتاريخ، تجليات القيم الابراهيمية في النص التوراتي والنص القرآني.

المتدخل الثالث.. رشدي بويبري

أما الدكتور رشدي بويبري، المتخصص في الفلسفة والتواصل وتحليل الخطاب، فأكد في مداخلته أن مسار الصراع بين المشروع الصهيوني المدعوم غربياً وبين الشعوب العربية والإسلامية وعلى رأسها الشعب الفلسطيني، يكشف عن “اختلالات متزايدة في بنية المشروع، مقابل تراكم مهم في الخبرات النضالية للشعوب”.

وشدد بويبري على أن مواجهة المشروع الصهيوني ليست مسؤولية الفلسطينيين وحدهم، بل هي مسؤولية عربية وإسلامية وإنسانية. مؤكدا أن النجاح في هذه المواجهة يتطلب عملاً استراتيجياً طويل الأمد، يجمع بين عدد من المداخل في إطار ما أسماها “الاستراتيجية الشاملة” التي تتفوق على “الاستراتيجية الصهيونية التي تعتمد على “تفتيت الخصم””، منبها إلى أن القوة الحقيقية تكمن في الوحدة، والمعرفة، والإرادة، والعمل المنظم.

المتدخل الرابع.. منير شفيق

وأكد المتدخل الرابع، المفكر والسياسي الفلسطيني الدكتور منير شفيق في مداخلته عن بعد، أن عملية طوفان الأقصى تشكل حلقة مركزية في المسار التاريخي للمقاومة الفلسطينية والعربية والإسلامية ضد الاحتلال الإسرائيلي، معتبرا أنها عملية عادلة ومشروعة تندرج ضمن حق الشعوب في مقاومة الاحتلال ولا تتعارض مع القوانين الدولية أو المبادئ الأخلاقية للمقاومة.

ولفت إلى أن أن العملية لا يمكن عزلها عن سياق الصراع الممتد منذ عقود، ولا أحد يملك الحق في انتقادها أو اعتبارها خروجا عن “المسار”. مشددا على أهمية المعركة في كشف “فشل العدو الصهيوني في تحقيق أهدافه الأساسية، وفي مقدمتها احتلال قطاع غزة والقضاء على المقاومة”، كما أكد أن استمرار المواجهة لما يقارب عامين، دون تحقيق هذه الأهداف، يمثل هزيمة عسكرية وسياسية للكيان الصهيوني، وكذلك للدعم الأمريكي والغربي الذي رافق الحرب.

تفاعل الجمهور.. وعي عال ورهانات كبرى

ولم يقتصر دور الحاضرين على الاستماع، وإنما عكسوا تفاعلهم الحيوي وعياً عالياً بمركزية القضية الفلسطينية والتهديدات الجسيمة التي يمثلها الخطر الصهيوني على الأمة بأكملها. فقد أثرى المشاركون النقاش بطرح قضايا بالغة الأهمية، تركزت بشكل خاص على تداعيات تمدد سياسة التطبيع في المنطقة، وكيف يمثل هذا التمدد خطراً وجودياً يهدد الأمن القومي للمغرب ذاته، كونه يتيح للكيان الصهيوني اختراق الجبهة الداخلية للمغرب واستنزاف موارده وتفتيت وحدته.

وتميزت فترة التفاعل بمداخلات من شخصيات سياسية وفكرية وازنة في الساحة المغربي، والتي قدمت رؤى نقدية حادة للموقف الرسمي تجاه القضية وشددت على ضرورة التمسك بخيار الجبهة الشاملة كسبيل وحيد لمناهضة التطبيع وإسقاطه، مؤكدين أن الدفاع عن فلسطين هو دفاع عن عمق الأمة وهويتها، وأن “طوفان الأقصى” قد وضع الجميع أمام مسؤولية تاريخية لا تقبل التردد في دعم الصمود والمواجهة.

انفتاح على الآخر.. حضور نوعي عابر للاختلافات

وشكل الحضور في فعاليات الذكرى الثالثة عشرة لرحيل الإمام ياسين دليلا ملموسا على تجاوز جماعة العدل والإحسان للحواجز الأيديولوجية والسياسية، حيث تميز بتنوع نوعي شمل أطيافاً واسعة من النخب الوطنية، حيث ضمت القاعة شخصيات من مختلف التيارات الإسلامية بجانب وجوه بارزة يسارية وقومية، بالإضافة إلى نخبة من الصحافيين والإعلاميين والمفكرين المستقلين. هذا التلاقي جسد بأبهى صوره فكرة الوحدة وجمع الكلمة التي نادى بها الإمام المجدد، الذي كان يرى أن قضايا الأمة الكبرى، وفي مقدمتها تحرير فلسطين والتخلص من الاستبداد، تتطلب تجاوز الخلافات الفكرية والعمل المشترك تحت سقف المصالح العليا للوطن والأمة. ولقد أكد هذا المشهد أن الدعوة إلى وحدة الصف والتعاون، كما عمل لها الإمام، تظل صمام أمان لاستنهاض الأمة ومواجهة تحدياتها المشتركة.

تكريم أبطال أسطول الصمود وأطباء زاروا غزة

وبعد الندوة مباشرة، انتقل الحضور إلى فقرة احتفالية بدأت بشريط يعكس حجم وقوة مشاركة الشعب المغربي في الوقفات والمسيرات خلال عامين من الاعتداء على قطاع غزة، وإسنادهم لإخوانهم بكل الأشكال وفي كل المجالات؛ الثقافية والفنية والرياضية والطبية…

وجرى خلال هذه الفقرة التكريمية الاحتفاء ببعض المغاربة الذين شاركوا في أسطول الصمود لفك الحصار عن قطاع غزة، تقديرا لمواقفهم الإنسانية الشجاعة والتزامهم بنصرة القضايا العادلة، على رأسها قضية الأمة المركزية؛ القضية الفلسطينية، كما شمل التكريم أطباء مغاربة زاروا قطاع غزة وقدموا خدمات صحية ميدانية داخله، اعترافا بجهودهم المهنية والإنسانية في ظل الظروف الصعبة التي يعيشها السكان، وما أبدوا من تضحيات جسام، إذ عرّضوا أنفسهم لمخاطر حقيقية في وقت كانت فيه الحرب على أشدها، مجسدين بذلك أسمى معاني التفاني الإنساني والواجب المهني.

زيارة وفاء وتجديد للعهد

وفي نهاية يوم حافل، بعد الكلمة الختامية الجامعة لفضيلة الأستاذ محمد عبادي، ودعاء الختم للأستاذ عبد الهادي ابن الخيلية، توجه أعضاء مجلس الإرشاد إلى مقبرة الشهداء بمدينة الرباط لزيارة الإمام رحمه الله في قبره، وقد وقفوا وفي مقدمتهم فضيلة الأمين العام، عند قبر الإمام المؤسس تذكُّرا لوصاياه وسيرته وخطه التربوي والدعوي والجهادي، واستحضروا سيرته معهم ومسيرتهم بصحبته، ولقاءاتهم وحركتهم وفعلهم في الواقع بناءً للجماعة وتشييدا لبنيانها، ودعوة للشباب والناس إلى رحمة الله وسنة رسول الله، ومدّا لوصال الرحم والأخوة مع الكثير من الفرقاء والفاعلين في شتى المجالات.