أنا فتاة عمري 34سنة، أعاني من الفشل في حياتي لا أعرف ماذا أريد؟
لما تعمقت في مشكلتي وجدت أن المشكل في تربيتي التي لم تكن متوازنة أي لم أمر من المراحل التي يمر منها الأطفال بدء من الطفولة ثم المراهقة… أي بصفة عامة لم أنضج مثل قريناتي لا نفسيا ولا عاطفيا وليست عندي ثقة بنفسي.
سؤالي كيف يمكن لي أن أكون نفسي في ظل هذه الأسباب التي حكيتها لكم، أنتظر رأيكم.
الجواب
أختي نعيمة السلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته.
قرأت أختي رسالتك بتمعن وببالغ اهتمام وأردت أن أخفف عنك حيرتك ومعاناتك من خلال تجربتي ومن خلال تقارب السن الذي بيننا ومن خلال بعض ما استفدته من تخصص علم النفس. وسأجيبك عن كل سطر كتبته.
بداية أود أن أبشرك أن طريقك إلى الحل موجود في رسالتك ، كيف؟
كما هو معروف بداية حل المشكلة هو تشخيصها فالطبيب قبل أن يعطي الدواء يبدأ بتشخيص الداء. وأنت قمت بشيء مهم جدا هو أنك جلست مع نفسك وحاولت معرفة نقاط القوة لديك وما يحتاج منك إلى إعادة بناء الشخصية وهذا في حد ذاته إيجابي جدا لصالحك، والعديد من الناس قضوا حياتهم كلها لم يقوموا فيها بجلسة مع الذات لتقويمها.
ولقد أحسست من خلال ما بين السطور أنك تودين تغيير وتجديد حياتك وهذا جميل جدا بل هو المطلوب في الإنسان، وأراهن أنك ستولدين من جديد بشخصية جديدة كما تطمحين واحرصي على تحقيق هذا الهدف، فكثير من الناس من حققوا ولادة جديدة لذاتهم غيروا فيها مسار حياتهم وحققوا طموحاتهم، وأرى أنك مازلت في سن الشباب يمكنك تدارك كل ما تظنين أنه فاتك.
شيء آخر أريدك أن تحرصي عليه وهو جد مهم لتحصل لك الثقة بنفسك التي تودينها: أحبي ذاتك وتصالحي معها ولا تنظري إليها بسلبية وابحثي عن الدواء ولا تنظري كثيرا إلى الداء، بل أقول لك تخلصي من ترسبات الماضي فإن بقيت تحملينها فإنها ستثقل كاهلك وستعوق تحركك إلى الأمام وقد تبقيك في حلقة دائرية لا نهاية لها، فمن يحمل كيسا كبيرا وثقيلا ويريد أن يصعد جبلا سيصعب عليه وقد لايصعد الجبل، أما إذا تخلص منه فإنه سيصعد بأقل مشقة وفي وقت وجيز.
طرحت أن سبب مشكلتك هو أنك تلقيت تربية غير متوازنة وأنها سبب مشكلتك، أريدك أختي أن تعلمي أنه قد يكون فعلا هذا هو ميلاد مشكلتك ولكنه ليس كل مشكلتك: كيف؟
سأخرجك من دائرة اتهام الآخر وهي كثيرا الطريقة الأسهل لنعلق عليها مشاكلنا، فمثلا قد نقول ذهب عني القطار لكن الحقيقة هو أني تأخرت عن موعد القطار، وهذا لأنه ونحن صغارا تربينا على أن ماهو خارجي عن ذواتنا هو السبب في كل شيء: فمثلا يقول لنا والدينا وأقربائنا ونحن صغارا: إن الملابس قد صغرت علينا ويشيرون بأصبع الاتهام على الملابس في حين الحقيقة أننا كبرنا على تلك الملابس. لهذا أقول لك وأنت في مسار تغيير ذاتك وشخصيتك لاتقفي عند هذا وإن كان هو السبب، لأنه لا يمكن اتهام والدينا الذين هم بدورهم ضحايا فهم لم يتعلموا كيفية تربية الأبناء ولم يتلقوا تأهيلا عمليا لتسيير مؤسسة الأسرة وهذه معضلة في المجتمعات العربية، فنجد أنه من يريد العمل في مهنة ما أو وظيفة ما يجب عليه تلقي التعليم والتكوين ليتأهل للوظيفة ، لكن من يريد أن يؤسس لأسرة التي هي نواة المجتمع لا يتلقى أية تكوين ولا تعليم، إذن لا يمكن أن نقف عند اتهام الآباء والأمهات وتعليق فشلنا عليهم.
ثم تكلمت أنك لم تمري من المراحل التي يمر منها الإنسان طفل ثم يافع ثم راشد ونفيت أنك لم تمري منها ولم تطرحي المؤشرات التي بها حكمت على أنك لم تمري منها !
فأي إنسان إلا وسيمر بهاته المراحل شاء أم أبى لأنها مراحل الحياة، قد نقول لم أعش طفولتي كما ينبغي، لكن لا يمكن أن نقول: لم نكن أطفالا يوما ما، قد تكونين لم تأخذي كفايتك مثلا من اللعب وأنت طفلة، واللعب هو ملازم للإنسان ولو كبر، والتربية التقليدية هي من تحكم بأن اللعب للصغار فقط وهذا خطأ، فحتى الكبار يلعبون ويتسابقون ويتنافسون وجميع الرياضات التي يتنافس فيها الأبطال الكبار إنما هي في الحقيقة لعب وألعاب. كل ماترين أنك حرمت منه في مراحل حياتك يمكن تداركه وأنت راشدة، وأذكرك أنك مازلت فتاة شابة والحياة أمامك وليست وراءك.
وأظن أنك ترين أن صفات الطفولة مازالت تلازمك لأنك لم تعيشيها في أوانها وهذا ترينه عطل عليك النضج مقارنة مع قريناتك وترين في ذاتك ضعف الشخصية، أذكرك بحب ذاتك حتى تحصل لك الثقة بها ثم لا تضعي قالبا وتحاولي أن تضغطي على نفسك حتى تتماشى مع هذا القالب الذي فرضته عليها فقد يكون هذا القالب غير مناسب لك، فالله عزوجل خلقنا مختلفين عن بعضنا في ملامح الجسد فكيف تريدين أن تضغطي على نفسك لتكوني مثل قريناتك؟ كوني شخصيتك بما يناسبها ويتناغم معها بتدرج وكوني راضية بما تحقق وماهو في طور أن تحقيقه، ضعي نماذج في حياتك لكن لا تحاولي عمل نسخة مطابقة لها وتسقطيها على نفسك، أؤكد لك أنك ستتعبين وعندما تخفقين ستلومين نفسك، وهذا ما أريدك أن تتجاوزيه وألا تقعي فيه وتتصالحي مع ذاتك.
أخيرا أنصحك بأن تنظري بإيجابية لذاتك وأحبيها ثم ثقي فيها إنها لك وليست لغيرك، ثم أرشدك إلى طريقة عملية ستساعدك على إيجاد المفقود الذي تبحثين عنه وهو ماذا تريدين؟ حاولي أن تكتبي في ورقة الجوانب الإيجابية في شخصيتك فإن كنت مثلا شخصية مرحة كالأطفال فاكتبيه أنه إيجابي فأنت تروحين عن الآخرين متاعبهم وصفات الطفولة كلها جميلة، ثم تكتبين الجوانب التي تحتاج منك تطويرها، ثم الأمور والطموحات التي تودين وتسعين لتحقيقها، فهذه الطريقة ستساعدك على عملية تفكيك وتحليل ذاتك وتمكنك من رؤية ذاتك بوضوح على الورق وهذا بداية مشوار تكوين ذاتك بذاتك.
نفسك هي أمانة عندك حافظي عليها وأحبيها وخلصيها من رواسب الماضي وطوريها خطوة خطوة وحاولي التعلم عن طريق قراءة الكتب وتحسين مهاراتك العلمية. كوني ممن أفلح في تزكية نفسه فالله تعالى يقول: “ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها قد أفلح من زكاها”.
أتمنى لك التوفيق في حياتك.