خرجت ساكنة الفنيدق يوم الجمعة 6 فبراير الجاري لممارسة حقها الدستوري في تنظيم تظاهرة شعبية من أجل إسماع صوتها للسلطات، بعد أن بلغ الاحتقان الشعبي المتصاعد مستوى خطيرا ينبئ – لا قدر الله – بزلزال اجتماعي وشيك قد تصل ارتداداته إلى المدن المجاورة، والتي بدورها يهرب شبابها من البطالة إلى مشانق الانتحار، وما شفشاون عنها ببعيدة إذا استحضرنا تصدرها لحالات الانتحار في المملكة (1)، وكذا الجارتين المضيق وتطوان اللتين تعيشان حالة اختناق غير مسبوق على المستوى الاقتصادي.
جمود اقتصادي مرعب قاد بعض شباب الفنيدق إلى البحث عن مخرج من الأزمة التي يعيشونها وذويهم، الأمر الذي جعل المدينة تودع ستة من شبابها (2) في الآونة الأخيرة، بعد أن قضوا في عرض البحر في محاولة للهرب إلى الضفة الأخرى بحثا عن لقمة العيش، بعد أن ضاقت بهم الأرض بما زخرت به من خيرات. خيرات حال بينها وبين مستحقيها فساد الدولة وفشلها في التسيير والتدبير لثروات المنطقة وانتشار الريع، نفس السياسات الفاشلة التي جعلت المنطقة تعيش على مصدر رزق وحيد متمثل في التهريب من معبر باب سبتة حتى أصبح الشريان الرئيس الذي تحيا به، لتظهر الصورة المريعة وتكتمل ألوانها بعد قرار إغلاق المعبر من دون طرح أي بديل اقتصادي، حيث ساد الكساد التجاري وأصيب الوضع الاقتصادي بالشلل التام، لتصبح المنطقة بين رمحين كلاهما مرعب وقاتل؛ الجوع من أمامها والبحر من ورائها.
ونستحضر هنا انتقاد مرصد الشمال لحقوق الإنسان في بيانه سياسة سوء التدبير بالمنطقة بقوله: “تم إقصاء أبناء المنطقة من فرص العمل بميناء طنجة المتوسط وبالمؤسسات الملحقة به كما جرت العادة بذلك. كما فشلت السلطات الإدارية والمنتخبة في الدفع بالمنطقة سياحيا، بسبب سوء التدبير والفوضى فقدت المئات من مناصب الشغل بسوء تدبيرها لمواسم الصيف، فيما ظلت أموال الجماعات الترابية ومشاريع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية توزع بعيدا عن الشفافية والعقلانية، ويشوبها الكثير من سوء التدبير. وتوقف غامض وغير معلن لمنطقة الأنشطة الاقتصادية بالفنيدق ومرتيل” (3).
لا حل يبدو في الأفق مع سياسة الأذن الصماء والعين العمياء التي تقلل من معاناة الساكنة ومن خطورة الوضع، وأيضا ما تركه قرار الإغلاق من مخلفات أتمته حالة الطوارئ بعد ظهور كورونا لتتضاعف المأساة. يقول أحد سكان الفنيدق: “مأساة الفنيدق ليست كمآسي غيرها؛ فقبل الجائحة بأشهر أغلق المعبر في وجه الساكنة، وهي التي لم تعهد سواه مصدرا للعيش. ثم نزلت الجائحة فأغلقت ما بقي. بعد تخفيف القيود لم تجد المدينة ذاتها. لا شيء مطلقا. ومن يعرف الفنيدف يدرك جيدا حقيقة ما أقول؛ حقيقة أن تهوى أسرة من الطبقة المتوسطة إلى مبلغ بيع أثاثها أو الدخول في دوامة استدانات لا يوقفها إلا قفزة في البحر والموت أسفله” (4).
وأي تهديد قد يرعب الأهل والأحباب أكثر من احتماليه الفقدان والموت والفراق، فعندما تصبح محاولة البحث عن سبل العيش الكريم الذي يطعم من جوع ويؤمن من خوف محفوفا بالموت والمخاطر، فعن أي حقوق سنتحدث بعدها؟ عن أي وطن؟ حياة بطعم الموت تعاش فوق هذه الأرض، أرباب أسر عاجزون آيسون؛ حقوقهم مهددة وكرامتهم ممرغة في التراب. حتى إذا بلغ الضيق مداه وصدحت الأصوات بالآهات، استدعت الدولة عصاها التقليدية كعادتها في حل كل الأزمات؛ “المقاربة الأمنية” (5)، فكأنما لم تكفيها النكبة الاقتصادية التي أحالت المنطقة إلى دار بطالة وفقر وقلة حيلة لتزيدهم فوق جوعهم خوفا.
مئة ألف عاطل، وأسر يرتع في حرماتها الفقر، ويتملكها اليأس وما لا يعد ولا يحصى من قصص البؤس والشقاء.. معطيات ليس من الحكمة ولا من النباهة تجاهلها، بل لا بديل عن فتح حوار مع الساكنة الغاضبة لتجنب أي انفجار قد ينجم عن الغليان الذي تعرفه الساحة الشمالية، وقد تكون الفنيدق شرارته. ولا أقل أيضا من الأخذ بعين الاعتبار ما تدعو له مجموعة “نداء الفنيدق” (6) عوض ما تبثه الأبواق المستأجرة من سموم عبر محاولة تسييس الاحتجاجات باتهام أطراف سياسية بالوقوف خلف خروج الناس إلى الشارع، وعوض بلطجة الحراك بدعوى استهداف عناصر الأمن، والبعد عن لغة التخوين وإضفاء النزعة الانفصالية وكذا التهم المفصلة على مقاس المعارضة..
لا أقل من طمأنة الساكنة بإطلاق سراح كافة المعتقلين، وفتح حوار جاد ومسؤول، وتخفيف الإجراءات الخاصة بحالة الطوارئ، وأيضا بدء تنزيل البرامج التنموية الموعود بها..
(1) انظر: شفشاون… “عاصمة الانتحار” في المغرب
(2) انظر: مرصد الشمال لحقوق الإنسان
(3) المصدر نفسه.
(4) عبد الله الإدريسي التليدي، شهادة منشورة على فيسبوك.
(5) انظر: مرصد الشمال لحقوق الإنسان
(6) انظر: 100 شخصية تطلق “نداء الفنيدق” بعد إغلاق “باب سبتة”