إِنَّ الفَقيدَ لَمَنْ فَقَد

Cover Image for إِنَّ الفَقيدَ لَمَنْ فَقَد
نشر بتاريخ

توطئة

الموتُ ذِكْرى وذِكْر، وموعظة وفِكْر، وهي للباقِيَةِ مِنَ الفانِية جِسْر، لا ينفع مَع الموتِ عُذر ولا نَذْر، بَلْ تلبِيَة لِقَهْر، واستجابةٌ لِقَبْرٍ قَبْلَ حَشْرٍ ونَشْر، فيُسْرى ويُسْر، أو عُسْرى فَعُسْرٌ، فَمَنْ يَسَّره الله لليُسرى فرُفْقَةٌ وحَوْضٌ وشَفاعَةٌ وجِوارٌ ونورٌ وأَجْر، ورُؤيةٌ في وَجْهِ مَنْ رآه فَقَد ظَفَرَ بفتح ونصر وبشر وخُلد في خير الخير، ومَن لا يراه فإما إلى خُسر وخلد في نار وشرّ الشرّ، وإمّا حسرة على ما ضاع من العمر في الهزل واللهو، واللّعب والغفلة عن النهي والأمر، والصحبة والذكر، والصدق والبذل وسائر قربات وقرابين القُرْبِ وعُلُوّ المنزلة والقَدْر.

ومَوْتُ “إبراهيم الشتواني” رحمه الله مَقالةٌ عُنوانها المحبّة والسّخاء، والإيواء والإباء، والتّفاني والفِداء، والصِّدق والوفاء، والإتقان في الأداء، والخيرية والرّضا مِنْ أهل الحقّ والفضل والثناء فلا غرو أن تُسْكِبَ دُموعاً مِنْ عُيون، وتُسيل مِداداً مِنْ أقلام نَثْراً وشِعْراً، صبرا ورضا وشكرا، والصلاة والسلام على مَن كان بشيرا نَذيرا، وداعِياً إلى الله بإذنه وسِراجا مُنيرا، والحمد لله كثيرا.

إِنَّ الفَقيدَ لَمَنْ فَقَد

يا مَوْتُ قُل لي هَل لِثَأْرِكَ مِن سَنَد.. تُرْدي الرَّشيدَ وتُهْمِلُ الباغي النَّكِد؟!
أَرْدَيْتَ “إِبْراهيمَ” الفَتى قَطْرَ النَّدى.. مَنْ كانَ إيواءً وعَوْناً، بَلْ مَدَد
أَرْدَيْتَ “شَتْوانينا” أَكْرِم بِهِ.. مِنْ خادِمٍ بَلْ سَيِّدٍ قُطْبٍ عَمَد
أَرْدَيْتَ تاريخاً مَضى في قَوْمَة.. عَمَلاً نَقابِيا سَوِيّاً مُعْتَمَد

في كَسْبِ حَقٍّ كان حُلْماً يُشْتَهى.. هَيْهاتَ يُعطى مِنْ غَشومٍ مُسْتَبِد

يا دار نوبي عَن صِحابِ الـمُفْتَدى.. قولي لها أَرْدَيْتِ رَمْزاً في الجَلَد

وتَرَكْتِ ديدانا وأَشْبَاحاً عَتَوا.. في الأَرْضِ لا عَدْلٌ ولا إِحْسان يَد

هل كان عَدْلاً أَخْذُ مَن نَفَع الوَرى.. بِالمالِ والحُسنى بأَفْضَل ما وَجَد؟!

هل كان إِحْسانا رحيلُ مُنَوَّر.. بالذِّكْرِ والقرآن موعظة الصَّمَد؟!

هل كان إحسانا وعدلا نفيه.. لِيَظَلَّ حَيّاً مَن تأَلَّهَ أو جَحَد؟!

قالَتْ أَلا هَوِّن عليكَ ولا تَكُن.. كَمَنِ ابتلاهُ الله ضَلَّ وما رَشَد

ظَنَّ الحياةَ مَوائِداً ومَراتِعاً.. لا فِتنة تُضني وتُغْني مَن زَهَد

لا لا تَلُمْني سَيِّدي فَاَنا لَهُ.. حِصْنٌ مِنَ الأَدْواءِ في دُنيا الفَنَد

حِضْنٌ مِنَ الأَعْداء مِن هَمَج الورى.. مَن دَأْبهم غِلٌّ يؤدي للحَسَد

أَفْنَيْتُهُ لكنّني أَبْقَيْتُه.. ذِكْرَ اللّسان محامِداً أَنَّى تُعَد

مِلْء الجَنان مَوَدَّة لا تنقضي.. مهما انقضى جَسَدٌ توارى والْتَحَد

فإذا تناسى النّاسُ “إبراهيماً” فهل.. يُنسي الإلهَ عُبَيْدَهُ طولُ الأَمَد؟!

فَيُقيلَ أحْباباً لَه مِن واجِب.. حَقّاً عليهم للمصون وما ولد

بِرّاً وإحسانا لمن حاز الرّضى.. مِن والِدَيْه وأهْلِه نِعْم العمد

ومِنَ الأَقارِبِ والأَباعِدِ مِثلَه.. كُلٌّ نَعاهُ ولم يَجِد للحزن حد

جيرانُهُ، زُمَلاؤُهُ ورِفاقُه.. صَبِّرْ من افتقدوا وبَشِّرْ مَن فُقِد
مَوْتُ الفَقيدِ مواعظ دَلّتْ على.. أَنّ الدُّنى كَدْحٌ وعَيْشٌ في كَبَد
قتّالة غَدّارة مَن حَبّها.. ثِقَةً بها سَلَكَت به أدْغال دَدْ

أَمّا الفقيد فقد قضى زهر الرُّبى.. زَكّاهُ روحاً مثلما زكّى الجَسَد
مَن خَصَّهُ بمكارِمٍ ومَحامِد.. لم يُعْطَها إلاّ السَوِيُّ المقتصد
وَجْهٌ صَبوحٌ والسَّموح فُؤادُه.. خُلُقٌ مَليحٌ وَهْوَ في الهيجا عتد
والأَهْل نِعم الأهل راعية بلا.. مَنٍّ ولا كَلَل ولا أَمر يُرد
بيت من الإسمنت لكن أُسّه.. تقوى الإله وسقفه جِدٌّ وجَد

حيطانُه علم وإيمان علا.. فوق الهوى فوق السّفاسف والعقد
أُمّاهُ صَبْراً فالمصائِبُ تَنْجَلي.. ما عِنْدَهُ يُنْسيكَ فِلْداتِ الْكَبِد
ما عِنْدَهُ خَيْرٌ وأَبْقى مَغْنَماً.. واللهُ أَبْقى والغَنَائِمُ تُفْتَقَد
أَبَتاهُ لا تَحْزَنْ عَلَيَّ فإِنّما.. سَفَري مِنَ الدُّنْيا إلى اُخْرى الأَحَد
وعَزاؤُكُم مَوْتُ النبيّ محمد.. صَلّوا عليه وآله طبّ الخَلَد

والصَّحْبِ والأتباع مَن هُم سُلوتي.. في كُلّ نائبة وهُم شُفَعاءُ غَد
يوم اللقاء بأحمد وبمرشدي.. وبِكُلّ مُنْتَسِب هُدى الهادي وَرَد
مِنْ وَجْدَةَ الأَبطالِ مَسْقِطِ رَأسِهِ.. جاءَ الحبيبُ هِلالَ اَعْيادٍ شُهِد
مكناسَةُ الزَّيتونِ غِلَّةُ نورِهِ.. مَنْ يَزْرَعِ الإِحْسان إحساناً حَصَد
خَشِيَتْ “كُرونا” أَن يَعودَ لِسِرْبِه.. بالأَمْنِ والإيمانِ فارْتَضَتِ القَوَد

لَمْ تَدْرِ أنَّ الموتَ تُحْفَةُ مُكْرَمٍ.. ذِكْرٌ وموعظةٌ وجِسْرٌ للرَّغَد
في الرُّفْقَةِ الفُضلى جِوارَ محمَّدٍ.. في نَظْرَةٍ مِنْ ناضِرينَ إلى الأَبَد
صلّوا عليهم دائِما أبدا فما.. أحلى الصّلاة على الأُسى مِلح البَلَد
فإذا وجَدْتَ الله في مَنْ حَبَّهُمْ.. فاسْعَدْ وقُلْ إنّ الفقيد لمن فقد

قصيدةٌ نَظَمها الأستاذ منير رگراگي بفاس 15 ذي الحجة 1442ه الموافق لـ 26 يوليوز 2021م