إلى المنبوذات خلف الجبال

Cover Image for إلى المنبوذات خلف الجبال
نشر بتاريخ

ينطق لسان حال الوطن بألم الجراح التي حفرت الأخاديد في نفسه وروحه قبل جسده، إحساس الضياع والبؤس اللذان يسيجهما ضياع الأمل في الغد الأفضل، ومذلة البحث عن لقمة العيش الممرغة في أوحال الحاجة والفقر والضنك، رحلة شاقة أضاعت كرامة الإنسان، بل وأضاعت إنسانيته وقتلت فطرته حتى بات شقيا في يومه وأمسه وغده. تتكرر الأيام ولا تتكرر معها إلا خيباته ونكباته وآهات قلبه المثقل بالهموم. وفي الأطلس الجميل يرفع الليل سدوله على حلة بيضاء بهية ألبسها الله تعالى جباله الشامخة، لكن الستار إذ يرفع يكشف معه قبحا خلف هذا الجمال، قبح الموت المتربص بالقوارير يتصيدها حيث غابت عنها عناية الراعي الذي سجل صوتها في انتخابات غابت فيها مصالحها، ينام دافئا في فراشه الوثير في الوقت الذي تكابد فيه سكرات الموت على دروب قطعت الثلوج (الجميلة) أوصالها وأغلقت مسالك الولوج إلى من يسعفها، قوارير حلمت بالأفضل قبل أن يبادرها الأجل، قوارير الأطلس المنفي اللواتي منعن حتى حق الأمومة وحق الحياة.
كيف لإحساس المواطنة أو الانتماء أن يجد طريقه إليهن؟ أم تراه سيحتاج إلى مروحية تقله إذ أن الطريق غير سالك، والمذنب أحوال الطقس التي تهين المرأة وتسخر من ضعفها، ثم أين تاهت عنها مقاربة النوع التي خلقت لأجلها، ترفع عنها أوزار التاريخ المظلم الذي همشها، والحجب البدائية المحسوبة ظلما على الدين والتي ظلمتها وقللت من شأنها؟ ضاعت المسكينة وهي لا تعلم من هذا أو ذاك شيئا أكثر مما قدمته لها طبيعة الجبل القاسي، ووعورة الطريق المتعرج أحيانا، المسدود أحايين كثيرة، تعيش مواطنة بالاسم ولا تملك من الحقوق أدناها؛ لا تعليم ولا صحة ولا بنيات تحتية ولا موردا قارا للرزق والحياة الكريمة… وكان آخر فصل من فصول الحقوق المنسية ضياع حقها في الحياة، تموت على دروب الرحلة إلى الأمومة.
قرأنا على صفحات تاريخنا قبل الاستقلال عن نضال ضد تقسيم استعماري للمغرب إلى نافع وغير نافع، حلم معه المتيقظون بإرجاع الكرامة للوطن، كل الوطن، فأكثر من دافع عن حوزته وذاد عن سيادته هم ساكنوا الجبال الأفذاذ حيث كانت القوارير بينهم يتزاحمن على كتابة ملحمة الاستقلال، فكيف يتنكر لهن الحاضر بعدما شاركن في صياغته؟ وكيف للأحداث أن تصاغ خارج سياق التاريخ؟ وكيف لخارطة المستعمر أن تعمر بعده، فتخلد حدود المغرب غير النافع؟
بعد هذه المآسي لا ندري ماذا نسأل الله عند الدعاء، أنسأله أن يمطرنا ثلجا يغذي الفرشات المائية ويملأ الخزانات الطبيعية؟ أم نتعوذ به من ثلوج تقطع الطرقات وتفرض العزلة الخانقة للحياة؟
من المسؤول؟  الثلج طبعا.