الإخوة هدايا الخالق الوهاب لنا، ننشأ معا في حضن والدينا؛ نلهو ونلعب ونتشاجر وسرعان ما نتصالح، نضحك ونغضب، ونختلف ونتحالف، نقتسم الأحلام والآمال، ونبكي لأقل ما يصيب الواحد منا من الآلام، كذلك كنا في بيتنا الدافئ يدثرنا حنو الوالدين المشفقين، ويجمعنا الصفاء وسلامة الفطرة إخوانا على قلب واحد نتشارك كل صغيرة وكبيرة وحلوة ومرة، فإذا ما ترعرعنا ونمت جسومنا الصغيرة وولجنا دروب الحياة الفتانة، كثرت همومنا وضاقت خواطرنا، فولت براءة الطفولة واستفاقت نفوسنا الأمارة تترصد الهفوات لتفسد ودنا، ولا سيما إن نحن بعدنا وغفلنا وفي حق بارئ الخلق قصرنا. يا سبحان مبدل الأحوال: إخوة الأمس المشاغبين الصغار انقلبوا إخوة اليوم المتشاكسين وقد صاروا أعماما وأخوالا، بل وربما أجدادا! اللهم عفوك ومعافاتك في الدنيا والآخرة.
الأخوة عطاء إلهي ورزق رباني تنمو بداخلنا كلما كبرنا، تمنحنا الكثير ومنها نستقي الحب لذواتنا، وإذا ما نزغ الشيطان بيننا وبين إخوتنا فلنتأمل في ذكريات ذلك الزمن الجميل، ولنتعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ولنتذكر أمر الله بتقواه في الأرحام الوارد في كتابه الجليل.
قد لا نحسن التصرف أو لا نتقن الأدب قولا أو فعلا، لكن قطعا لا نقصد الإساءة، والمحبة في القلب خالدة قارة، قد يخفت تعبيرنا عنها لكن أبدا لا ينضب حبنا لإخوتنا.
فلنتأمل في منة أخوتنا ونستشعر قيمتها ونحرص عليها حرصنا على أنفسنا؛ نجتهد أن نقول الحسن، ونفعل الصواب، ونصبر ونداري، ونسامح ونتغافل. ولنتذكر دوما بأن الخالق الرحمن هو من أنشأ الرحم، واشتق لها اسما من أسمائه سبحانه الرحمن الرحيم، فاجتهادنا في وصلها جهاد للوفاء بكرم البارئ المصور الوهاب الرزاق العليم الخبير.
سنة الحي القيوم في خلقه ماضية، والتاريخ قبلنا وحولنا يثيب كل أخ للخير باذل سباق، وعن المشاحة معرض متعال. حبنا للباري تعالى سلوة قلوبنا وأنس أرواحنا، ومنه نستمد معنانا ومبنانا، وفي حبنا لإخوتنا المودع فينا ود وسعادة وعز وكرامة.
فلنحب إخوتنا بفطرة الله فينا، ولنحبهم بأمر الله لنا عدلا وإحسانا، ولنعبر لإخوتنا عن حبنا لهم، ولنبذل لأجل أخوتنا كل ما استطعنا، ولنحرص مهما حيينا على سقيا بذرة أخوتنا حبا وكرما وحلما وأدبا ورحمة وصفاء.. قولا وفعلا وإخلاصا ودعاء عن ظهر الغيب.. كذلك تترعرع الأخوة فينا، وتنمو شجرة طيبة مباركة؛ أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها في كل حين بإذن ربها..
اللهم ألهمنا السداد والصواب، وبارك في إخوتنا الأحباب، وأدم ودنا، وارزقنا شكر النعم، ووفقنا لأحسن الآداب.