إجهاض أمّة

Cover Image for إجهاض أمّة
نشر بتاريخ

كانت ولا زالت قضية المرأة وحرية المرأة وحقوق المرأة ومظلومية المرأة، شعارا يلهج به الفرقاء المتشاكسون ورهانا يُعتد به في ساحة السياسة وسوقها لجذب واستقطاب الشعب الذي ملٌ وآيس من هكذا خطابات وشعارات.

وباﻷمس القريب خرج علينا من ينادي بتقنين الاجهاض ويدعو إلى حرية المرأة في التعامل مع جسمها و”منتوجاتها المحلية الخاصة”، فتعالت أصوات من هنا وهناك ما بين مؤيد ومعارض، ما بين من يدور منطق مطلبه وجوهر سعيه حول حرية ” الزنى” وتحويل الاجهاض من ” مكتسب إباحي” إلى ” مكتسب حضاري” متهما اﻹسلام بعداوة المرأة ومعلنا أن ذاك “اﻷصولي” هو من يشكل الخطر الحقيقي على مستقبل المرأة وحريتها، فيدخل الطرف الثاني إلى حلبة الصراع و يقفل بذلك دائرة الجدل بعدما حف لحيته وعفى لسانه بشتى المقدمات المنهجية، مستحضرا كل الفتاوي الدينية والطبية والقانونية، مقارعا الحجة المادية بأختها ليفحم خصمه ويدحض حجته. ملاسانات وحوارات ونقاشات وصراعات حول قضية محسوم أمرها لدى السواد الأعظم من الشعب المطروح جانبا في حيز الكم المهمل. فمتى كانت قضية اﻹجهاض تهم أمر شعب مستضعف أضحى شغله الشاغل تحصيل لقمة عيش يسد بها جوعه وتأمين مسكن يأوي إليه وحفظ ما تبقى من كرامته المطعونة؟؟ متى استمعت آذان الجائع لصوت يُذكٌرها بالفطرة أو يدعوها لمجون وفجور وقد غلب عليه صوت الواقع الذي يخاطبه بلغة الفاقة والحاجة؟؟. بل و ما يفيد ان نطارد ظواهر اﻷمور والقلوب تغلف باطنا آثما وواقعا مرا نثنا ؟ أليس من العجب أن نُحرم إجهاض طفل ونحلل إجهاض أمة؟ بل ونساهم بأيد متوضئة و نفوس فاضلة في إجهاض آمال الشباب في حرية وعدل وكرامة؟؟ أليس ذاك الدين الذي نستند إليه لتحريم الاجهاض هو نفسه الذي يحرم ظلم العباد وموالاة الظالمين والسكوت عن الحق وقتل الشباب وآمالهم وإجهاض أموال الناس بالباطل؟ أليس دافع الحرية والإنسانية الذي يعتمدون لتحرير المرأة هو نفسه الذي يدعو لتحرير الإنسان من فقره وجوعه ويدعو للمساواة والإنصاف والأمانة والصدق ويرفض الشر والظلم؟ أم أن الأمر مجرد مزايدات سياسية و جدليات انفعالية يرجون بها تبليد الرأي العام وإشغاله بما ليس له وتحويره عن أساسيات مطالبه والزج به في دوامة طاحنة و دورة عقيمة مادية صرف؟

فالضغوط والاضطرابات التي تهددنا و طاحون الإيديولوجيات الذي يطحن ذاتية شعب مسلم وتغييب ذكر الموت والآخرة وما فيها من جزاء وعذاب لهو الإجهاض الحقيقي لهاته الأمة الذي يعد تجريمه وتحريمه فرض في الدين وواجب في الإنسانية.