إتمام النعمة بمولد سيد الأمة

Cover Image for إتمام النعمة بمولد سيد الأمة
نشر بتاريخ

بقلم: نعيمة العلمي

الحمد لله الذي شرف هذا العالم بمولد سيد ولد آدم، وأتم به سعادة الأنبياء والمرسلين وجميع الملائكة، ختم بشريعته الغراء المحفوظة من التحريف الشرائع السماوية الآنفة، وجعل أمته خير الأمم وأفضلها، وكرمه بالمعجزات والخوارق التي لا يمكن إدراكها بالعقل لأنها فوق مجال تفكير العقل. وما زالت معجزة نوره الحق سارية إلى يومنا هذا تشع على الأرض والكون. 

وإنه من فضل الله -سبحانه وتعالى- على العالمين أن جعل الإسلام في تعبيرين بسيطين لكنهما عظيمين: لا إله الا الله محمد رسول الله، فإن كان الإيمان بوحدانية الله تعالى هو نصف الدين، وحقيقته، فإن نصفه الثاني هو التعلق بحبيبه محمد صلى الله عليه وسلم، والتذكير برسالته، والتعبير عن محبته باتباع منهجه وتنويع صيغ تعظيمه ومنها الاحتفال بمولده.  إن هذا الاحتفال السنوي بالحبيب المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم هو شاهد على الحب والتعظيم لجنابه، والفرح به هو فرح بنوره الذي لا ينقضي مادامت رسالته ناطقة بحقيقة تزداد يقينا في عالم تموج فيه الفتن ويسود فيه الظلام الكالح والعذاب المقيت الذي يكون سببه الإنسان الغافل والمعادي لدين الله سبحانه وتعالى.

إن الاحتفال بمولده هو تعبير عن شكر الله تعالى على منَّة الإسلام، كما قال الله سبحانه وتعالى: قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ (سورة يونس، الآية 58).

بفضل الله علينا نحتفل بمولد خير البشرية، وبرحمته علينا نحتفل بمولد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، واحتفالنا هذا يندرج في باب الدعوة إلى الإسلام ونصرته، في زمن القابض فيه على دينه كالقابض على الجمر، والتذكير بسيرة سيد الأنبياء بشمائله وفضائله وبطولاته العظيمة لقوله تعالى: أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ (سورة المؤمنون، الآية 69).

في هذا الإطار، يتعين على كل مسلم ومسلمة أن يطرح على نفسه الأسئلة التالية:

– ماذا أعرف، أنا المسلم/أنا المسلمة، عن سيرة سيدي محمد صلى الله عليه وسلم؟

– ما هي أخلاقه المنيرة؟

– ما هي شمائله السامقة؟

– ما هو منهجه في حياته الخاصة؟

– ما هو منهجه في حياته العامة؟

– ماذا يجب فعله لنصرة دينه العزيز؟

– ما هي الطريقة لتجسيد منهجه في حياتي؟

– كيف أكون محمديا في حياتي؟ …

السيرة النبوية مدرسة عالمية وتاريخية لا تنتهي دروسها، فهي معين لا ينضب، كل متخرج منها يقف شاكرا لها، معترفا بمنهجها القويم بامتياز. لا زالت البشرية تستوحي منها الدروس التي لا تنفد لتعدل مسار ها الفردي والجماعي.

وما أحوج الإنسانية في التاريخ المعاصر إلى اعتماد الإسلام كمنهج عالمي، في ظروف يعج فيها الغضب والحروب والقتال والحقد والبغضاء والضمار والترهيب… لائحة من المصائب لا تنتهي، يصبح الرجوع إلى رسالة السلام لا مفر منه، وقد أصبح من الأكيد أن المرجعية الإسلامية هي الملاذ الأخير  لبشرية فقدت البوصلة، وأن إعادة بناء الإنسانية على أركان الإسلام هي مطلب بشري كوني لا يمكن التغافل عنه.

البداية والنهاية: شهادة أن لا إله الا الله وأن محمدا رسول الله. ومقتضياتهما الاقتداء بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم في كل حياته، في كل جزء وخطوة من خطوات حياته، واتباعه في منهجه السلوكي الدقيق. يتطلب منها قبل الاتباع الإدراك والوعي والفهم الصحيح. الإسلام علم وعمل. فماذا نعلم عن طريقة: حزنه؟  وغضبه؟ وفرحه؟ ونومه؟ وسفره؟ وتعلمه؟ وتعامله مع زوجاته؟ وإدارته لشؤون أمته؟ ومعاملاته التجارية؟ وسماحته؟ وقوله الحق؟ وتعامله مع الأطفال؟ والأيتام؟ والفقراء؟ …

حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم ولد في مكة التي تعتبر  أطهر أمكنة الأرض، مكة التي أضاءت الكون وتاريخ البشرية بميلاد نبينا محمدًا صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين. وُلد يتيمًا في عام الفيل، يتمه من أبيه، وموت أمه في سنٍّ مبكرة، لكنه لم يكن يتيما بفضل الله لأن الله سبحانه وتعالى اختاره أفضل خلقه، حماه من كل شر. قدر له أن يربيه جدُّه عبد المطلب ثم عمُّه أبو طالب. ومن أسباب تسمية جده عبد المطلب له “محمدا” ما روي أن عبد المطلب رأى رؤيا، مفادها كأن سلسلة فضة خرجت من ظهره لها طرف بالسماء وطرف بالأرض وطرف بالمشرق وطرف بالمغرب، ثم عادت كأنها شجرة على كل ورقة منها نور، وإذا أهل المشرق والمغرب متعلقون بها، فعبرت له بمولود يكون من صلبه يتبعه أهل المشرق والمغرب، ويحمده أهل السماء والأرض، فلذلك سماه محمدا [1].            

رفع اللهُ سبحانه وتعالَى شأن أُمَّةَ محمد رسول الله، كرمها بأنْ اختارها شاهدةً على الأُممِ السابقة واللاحقة. فقال الله سبحانه وتعالَى: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا [البقرة: 143].

اختار الله سبحانه وتعالى الأمة الإسلامية أمة {وَسَطًا}. الوسطية الإسلامية هي توازن وعدل. الأمة الإسلامية تقدم للأمم المختلفة منهجا وسطيا، متوازنا، عدلا في كل مناحي الحياة: السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والاجتماعية والأسرية..

المنهج الإسلامي منهج وسط، طريقة في الحياة لا غلو فيها ولا  تقصير، منهج فردي وجماعي لا يعتريه تشديد المغضوب عليهم اليهود ولا تهاون الضالين النصارى.

يُخبِرُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّه عِندَما يَأتي اللهُ تعالَى بنُوحٍ عليه السَّلامُ يومَ القِيامةِ ويَسأَلُه -وهو أعلَمُ سُبحانَه-: هل بلَّغتَ قومَك؟ فيقولُ: نعمْ، فيَسأَلُ اللهُ سُبحانَه قومَه: هلْ بلَّغَكم؟ فيُنكِرون دَعوةَ نَبيِّ اللهِ نُوحٍ عليه السَّلامُ لهم، فيَقولُ تعالَى لِنوحٍ: مَن يَشهَدُ لكَ؟ فيَقولُ: محمَّدٌ وأُمَّتُه، فيَشهَدُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وأُمَّتُه أنَّ نُوحًا قد بلَّغَ الأمانةَ وأنذَرَ قومَه، وهذه الشَّهادةُ مَبْناها على صِدقِ الوحْيِ الَّذي أوحاهُ اللهُ في القُرآنِ الكريمِ، فآمَنَ به النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وأُمَّتُه (صحيح البخاري، 3339).

وقد اصطفى الله أمة محمد صلى الله عليه وسلم كذلك ليكونوا خير أمة أخرجت للناس بتنفيذهم للتعاليم التي جاء بها نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم من أمر بالمعروف ونهي عن المنكر. قال الله تعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [آل عمران: 110].

وقد اصطفى الله محمدًا صلى الله عليه وسلم ليكون أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة، وليكون أول شافع وأول مشفع، فقد صحّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أنا سيِّد ولد آدم ولا فخر، وأنا أول من تنشق الأرض عنه يوم القيامة ولا فخر، وأنا أول شافع وأول مشفع ولا فخر، ولواء الحمد بيدي يوم القيامة ولا فخر».

كما أنه لن تفتح باب الجنة إلا لمحمد صلى الله عليه وسلم، قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: «آتي باب الجنة فأستفتح، فيقول الخازن: من أنت؟ فأقول: محمد. فيقول: بك أمرت ألا أفتح لأحد قبلك» (حديث أنس في صحيح مسلم).

بل إن باب الجنة لن يُفتح إلا لمحمد صلى الله عليه وسلم، لقوله عليه أفضل الصلاة والتسليم: «أنا أول من يقرع باب الجنة» رواه مسلم.

والله سبحانه وتعالى اصطفى أمة محمد صلى الله عليه وسلم لتكون أول أمة تدخل الجنة، كما قال عليه الصلاة والسلام: «نحن الآخرون الأولون يوم القيامة، نحن أول الناس دخولاً الجنة» (حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين).

إن النبي محمدًا صلى الله عليه وسلم، الرحمة المهداة للعالمين، والنعمة المسداة، نعمة أبدية، وإمام الهدى ومصباح الدُّجى والسراج المنير‎ والرحمة للعالمين.

أفلا يحق لنا نحن أمة محمد صلى الله عليه وسلم أن نرفع رؤوسنا ونسجد شكرا لله تعالى لأنه جعلنا من أتباع الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم وإخوانه. ونبينا قدوة كاملة، ليس بعده نبي إلى يوم القيامة: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَاليَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا [الأحزاب: 21].


[1]- ذكر رؤيا عبد المطلب السهيلي في الروض الأنف، ج 2. و القسطلاني في المواهب اللدنية، ج 1. و غيرهم.