أيام العمل الصالح

Cover Image for أيام العمل الصالح
نشر بتاريخ

من أعظم نعم الله على عباده أن نوع لهم مواسم الخير وحثهم على العمل الصالح فيها. والتعبد لله عز وجل ليس مطلوبا لذاته بل لما يحققه للخلق من تزكية للنفس وتصفية وجهتها، وترقيتها في معارج الإيمان.. ومن هذه المواسم أيام العشر من ذي الحجة. أيام أقسم بها سبحانه، وجمع فيها أمهات الطاعات والعبادات، وخصها بيوم عرفة، ويوم النحر، وجعل العمل الصالح فيها من أفضل الأعمال وأحبها إليه سبحانه وتعالى، عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: “ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله تعالى من هذه الأيام، يعني أيام العشر، قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء” (رواه البخاري)، وفي حديث آخر يقول عليه الصلاة والسلام: “ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إلى الله تعالى العمل فيهن من أيام العشر، فأكثروا فيهن التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير” (أخرجه الطبراني، (11/82) (11116)).

ومن أحب الأعمال إليه سبحانه في هذه الأيام:

التوبة: وظيفة العمر ومطلب الرب، مفتاح كل خير، وماحي كل شر، قال الله عز وجل: فَأَمَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَعَسَى أَن يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ (القصص: 67)، عن أبِي مُوسَى عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: “إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ،حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ (صحيح مسلم، 2759).

التقرب إلى الله بالفرائض والاعتناء بها وأدائها على الوجه المطلوب، جاء في الحديث القدسي الصحيح أن الله تبارك وتعالى يقول: “وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه..” (صحيح البخاري، 6502)، ومن الفرائض الحج لمن لم يؤده بعد واستطاع إليه سبيلا.

الإكثار من النوافل، لأنها أفضل القربات كما جاء في الحديث نفسه وما يَزالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بالنَّوافِلِ حتَّى أُحِبَّهُ..”.

الذكر الكثير والدعاء، قال تعالى: وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ  (الحج: 28)، وعن عبد الله بن عمر  رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما من أيام أعظم عند الله، ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر، فأكثروا فيهن من التكبير، والتهليل، والتحميد” (رواه أحمد). وروى البخاري في صحيحه: كان ابنُ عمرَ وأبو هريرةَ يخرجانِ إلى السوقِ في أيامِ العشرِ يُكبرانِ ويكبرُ الناسُ بتكبيرِهما”. وعنه أيضا “كَانَ عُمَرُ رضى الله عنه يُكَبِّرُ فِى قُبَّتِهِ بِمِنًى فَيَسْمَعُهُ أَهْلُ الْمَسْجِدِ، فَيُكَبِّرُونَ وَيُكَبِّرُ أَهْلُ الأَسْوَاقِ، حَتَّى تَرْتَجَّ مِنًى تَكْبِيرًا. وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُكَبِّرُ بِمِنًى تِلْكَ الأَيَّامَ وَخَلْفَ الصَّلَوَاتِ، وَعَلَى فِرَاشِهِ وَفِى فُسْطَاطِهِ، وَمَجْلِسِهِ وَمَمْشَاهُ تِلْكَ الأَيَّامَ جَمِيعًا. وَكَانَتْ مَيْمُونَةُ تُكَبِّرُ يَوْمَ النَّحْرِ. وَكُنَّ النِّسَاءُ يُكَبِّرْنَ خَلْفَ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزَ لَيَالِىَ التَّشْرِيقِ مَعَ الرِّجَالِ فِى الْمَسْجِدِ”.

وروى الترمذي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: خيرُ الدعاءِ دعاءُ يومِ عرفَةَ وخيرُ ما قلْتُ أنا والنبيونَ من قبلي لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له له الملكُ وله الحمدُ وهو على كلِّ شيءٍ قديرٌ”.

الصيام: عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “من صام يومًا في سبيل الله باعد الله بين وجهه وبين النار سبعين خريفًا” (أخرجه البخاري ومسلم). وعن هنيدة بن خالد، عن امرأته، عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: “كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يصوم ذي الحجة، ويوم عاشوراء، وثلاثة من كل شهر”، لا سيما صيام يوم عرفة، فعَنْ قَتَادَةَ بْنِ النُّعْمَانِ، رضي الله عنه، قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَنْ صَامَ يَوْمَ عَرَفَةَ غُفِرَ لَهُ سَنَةٌ أَمَامَهُ وَسَنَةٌ بَعْدَهُ” (صحيح سنن ابن ماجة).

الأضحية: شعيرة من شعائر ذي الحجة، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من وجد سَعَة فلم يضح فلا يقربن مصلانا”، وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ما عمل ابن آدم يوم النحر عملاً أحب إلى الله عز وجل من هراقة دم، وإنه ليأتي يوم القيامة بقرونها وأظلافها وأشعارها، وإن الدم ليقع من الله عز وجل بمكان قبل أن يقع على الأرض، فطيبوا بها نفسا” (الترمذي، ابن ماجة).

الصدقة: قال عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لَّا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ ۗ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ (البقرة، 254)، وعن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة، قيل: وما بره؟ قال: إطعام الطعام وطيب الكلام” (رواه الطبراني). وعن بريدة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: النفقة في الحج كالنفقة في سبيل الله، الدرهم بسبعمائة ضعف” (أخرجه الإمام أحمد).

ويستحب للمضحي أن يقسم أضحيته ثلاثا؛ يأكل هو وأهل بيته الثلث، ويهدي لأقربائه وأصدقائه وجيرانه الثلث، ويتصدق بالثلث الأخير على فقراء المسلمين، لقوله تعالى: فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ.

هذه بعض الأعمال لا على سبيل الحصر فأعمال البر والخير لا تعد ولا تحصى، والله عز وجل لا يمل من قربات عبده حتى يمل العبد، ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه.