من أسماء الله تعالى: الرزاق، فهو يرزق عباده بغير حساب، ومن أعظم الرزق الذي يكرم الله تعالى به عباده نعمة الذرية، فالإنسان فطر على أن يكون له خلف واستمرار في هذه الحياة الدنيا والآخرة، وها هو سيدنا زكريا يناجي ربه ويدعوه قائلا: وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ (الأنبياء، 89).
وهذا الرزق يؤتيه الله من يشاء، ويجعل من يشاء عقيما، يقول ربنا عز وجل: لله مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ . أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (الشورى، 49-50).
وإذا تأملنا في آيات الله، نجد أن الذرية الصالحة رزق وعطاء منه سبحانه، وقد تكون ابتلاء للإنسان واختبارا لم يستثنَ منه حتى الأنبياء عليهم السلام، فسيدنا نوح النبي الذاكر الصابر الشاكر يبتليه الله في ابنه، إذ اشتكى ضره لربه وَنَادَىٰ نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ (هود، 44).
وما كان خطابه عليه السلام إلا خطاب أمل ورجاء، فجاء الرد الإلهي منسجما مع خط التربية النبوية: قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (هود، 45). فرضي عليه السلام بعطاء الله، وصبر على ابتلائه، بل واستغفر واسترحم المولى خائفا من الخسران.
وقد أكرم الله تعالى سيدنا إبراهيم عليه السلام بالذرية الصالحة حين دعا ربه تعالى فقال: رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي ۚ رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ (إبراهيم، 40). فرزقه رزقا حسنا، ثم ابتلاه في تلك العطية، فأمره أن يذبح ابنه إسماعيل، ولده الوحيد والعزيز، وإنه لأمر تنوء بحمله الجبال: فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَىٰ (الصافات، 102)، فبادر الرزق الصالح – سيدنا إسماعيل عليه السلام – بالطاعة إذ قال: يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ۖ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (الصافات، 102).
فكيف بنا اليوم نريد أن نضغط أزرارا لنشكل رزق الله كما نشاء، الدعاء فرض عين لإصلاح ذريتنا، يرافقه تهييء وأخذ بالأسباب، مع التماس السبل الناجعة للتربية، والتي تعتمد أساسا على الإشراك والمشاركة، وفهم وتفهم جميع المراحل العمرية التي يمر بها أولادنا، مع الاستعداد المبكر لكل مرحلة.
ولابد لكل أب وأم أن يعيا ضرورة المراجعات في علاقتها بأبنائهما وعرضها على ميزان الشرع، ثم نرضى بعطاء الله عز وجل.
ننصح ونوجه، ذلك من صميم عملنا؛ الحفاظ ما أمكن على فطرة أبنائنا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “كُلّ موْلودٍ يُولدُ على الفِطرَة فأبواه يُهَوِّدانه أو يُنصِّرانه أو يُمجسّانه” (رواه البخاري).
ثم نتعهدهم بالتعليم والمصاحبة والتوجيه، وننتظر حرثنا وندعو الله سبحانه لإصلاح الفيء النافع، فإن كان حسنا ففضل من الله ومنة منه سبحانه، وإن كان غير ذلك فهو خلق الله كما أراده يكون، ويفعل الله ما يشاء، ولا يسعنا إلا الرضا والصبر والدعاء.
والَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا (الفرقان، 74).