أهمية الدعاء في صلاح الأبناء

Cover Image for أهمية الدعاء في صلاح الأبناء
نشر بتاريخ

رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء

يتكرم الله جل وعلا على عباده بنعم لا حصر لها ولا عد، ومن بين هذه النعم الوفيرة والعطايا الكثيرة نعمة الولد، وهي من أجل وأعظم النعم بعد نعمة الإسلام والإيمان، لا يدرك قيمتها وقدرها إلا من حرمها. لهذا علمنا الله عز وجل الفرح بها والاستبشار بقدومها، وأمرنا بضرورة تقديرها والحفاظ عليها وحسن رعايتها.

فالولد الصالح هبة من الله وعمل الإنسان ومسؤوليته، لذا فهو أمانة عظيمة ملقاة على عاتقه تقتضي أول ما تقتضي الحفاظ التام عليه والحرص على فطرته الصافية النقية بالتربية الحسنة والتنشئة الإيمانية والاهتمام والعناية الضرورية حتى يكون هذا الولد عملا صالحا.

وبما أن الأمر كله بيد الله عز وجل، فإن من أعظم أسباب صلاح الأبناء كثرة الدعاء لهم والتضرع إلى الله ليصلحهم.

وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً [سورة الفرقان: 74].

فللدعاء أثر كبير في حياتنا وفي صلاح أبنائنا، وفي توطيد أواصر المحبة بيننا، فالقلوب بيد الرحمان وهو القادر على التأليف بينها ببركة دعاء الوالدين للأبناء، خاصة أنها دعوة مستجابة لقول سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام: (ثلاث دعوات مستجابات: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد لولده( (رواه ابن ماجة والترمذي وحسنه).

فكم من دعوة صادقة كانت سببا في صلاح هذه الذرية وردها إلى طريق الصواب والفلاح، لذلك علينا التضرع والتوسل إلى الله سبحانه وتعالى أن يحفظنا في ذرياتنا.

ولنا في كتاب الله عز وجل أسوة حسنة عن دعاء الأنبياء لذرياتهم. فهذا سيدنا إبراهيم الخليل يتوسل إلى الله ويدعوه وقد كبرت سنه أن يهبه سبحانه ذرية صالحة؛ ربِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِين (الصافات: 100)، فبشرناه بغلام حليم، ولم يتوقف عليه السلام  بعد البشرى عن الدعاء بل ظل يسأل الله لهم الخير والبركة؛

رَبِّ اجْعَلْ هَٰذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الْأَصْنَامَ (إبراهيم: 35).

رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ربنا وتقبل دعاء (إبراهيم: 40).

رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ (البقرة: 128).

وهذا سيدنا زكريا يدعو ربه بالذرية ويطلب من يرث النبوة والهداية ودعوة الناس. فاستجاب الله دعاءه وبشره: يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَىٰ لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيًّا (مريم: 7).

يَا يَحْيَىٰ خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ . وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا . وَحَنَانًا مِّن لَّدُنَّاوَزَكَاةً . وَكَانَ تَقِيًّا . وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن جَبَّارًا عَصِيًّا. وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا (مريم: 12-15).

فكانت كل هذه البركة لسيدنا يحيى بسبب دعاء أبيه عليه وعلى نبينا أزكى الصلاة وأفضل التسليم.

كما ذكر لنا القرآن مثالا فريدا لصلاح المرأة ودعائها لأبنائها وذريتها، وأثر هذا الدعاء على الذرية، في قصة امرأة عمران أم مريم، وكيف أنها كانت تدعو لجنينها في بطنها وتهبه لخدمة بيت ربها.

إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي .إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ.وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيم (آل عمران: 35-36).

فاستجاب الله دعاءها، وبارك في ابنتها، واصطفاها على نساء العالمين، واختارها لحمل آية من آياته الكبرى بأن وهبها عيسى بكلمة منه دون أب، وأعاذها وابنها من الشيطان الرجيم، فلم يكن للشيطان عليهما سبيل. كل ذلك ببركة دعاء الأم الصالحة المباركة.

فمحبة الأبناء والدعاء لهم منة وعطاء من الله، ورحمة ألقاها الله في قلوب الخلق أجمعين بدون حول منهم ولا تكليف، بينما محبة الأبناء للآباء والبر بهم عمل يكتسب، ويحتاج إلى جهد وتكليف وتربية ومصاحبة بالرفق والمداراة والصبر ثم الدعاء والتضرع.

فاللهم اصلح لنا ذرياتنا واجعلهم ذخرا لنا في الدنيا والآخرة.