جملة قالها شيخ فلسطيني مقدسي طاعن في السن والمرارة تعتصر قلبه، تتلاطمه شرذمة من جيش الاحتلال الصهيوني المسلح الغاصب الغادر بالضرب محاولة اعتقاله؛ رد بها على زوجته التي تجره بقوة وبالكاد أفلتته من بين أيديهم، جاء مدافعا عن المسجد الأقصى مسجلا حضوره أمام بابه الذي تم إغلاقه، صارخا بأعلى صوته الممزوج بنبرة الحزن والأسى، مبديا استنكاره ورفضه المطلق منع صوت الآذان من داخله، ودخول المصلين إليه عبر بوابة إلكترونية محاصرة مهينة، معلنين ادعاء ملكية البيت بعد سرقته، غريب حالنا اليوم والله ǃǃǃ انقلبت الموازين فصار الظالم هو المظلوم والغاصب السارق هو صاحب الحق، وذوو الأخلاق الفاسدة والمجرمون القتلة يطبل لهم ويقدمون على الشرفاء الفضلاء ….وقاحة ما بعدها وقاحة جعلت حال ومقال شيخنا يضجر ويعلو مدويا في الآفاق أن بيت الله ومسرى رسوله صلى الله عليه وسلم يئن تحت وطأة الذل والعار الذي وصلت إليه الأمة العربية الإسلامية، وسط صمت مطبق فادح فاضح ومخز لحكام الجور الخانعين الخاضعين الذين باعوا دينهم وعروبتهم وأخلاقهم ومروءتهم ومقدساتهم لبني صهيون ولا حياة لمن تنادي.
عذرا شيخنا لم تتمكن الأمة العربية المليونية من الحفاظ على الأمانة التي تركها فينا رسول الله صلى الله عليه حيث جعل المسجد الأقصى من بين المساجد الثلاثة الأكثر تشريفا فوق البسيطة لما روي عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله قال: لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجد الحرام، ومسجد الأقصى، ومسجدي هذا.[1] لما لها من فضلة وميزة على باقي الأماكن الأخرى، فالمسجد الأقصى مكان مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السموات العلى ثم معراج إلى سدرة المنتهى ليخص دون غيره باللقاء الرباني وأعظم بها من خصوصية فريدة عبر الأزمان. وهو مكان الأنبياء سيدنا إبراهيم وسيدنا إسحاق وزوجته رفقة عليهم السلام وغيرهم، فضاء يعبق بالنورانية والروحانية العالية، شاهد على المعجزات العظيمة، وقنطرة عبور بين عالم الشهادة وعالم الغيب، فيصل بين الحزن واستشراف للفرح والرحمة والمواساة من المولى عز وجل لنبيه الكريم بعد معاناة وآلام عام الحزن، وكذا انفراج للمسلمين قاطبة وتخفيف عنهم عبء العبادات ومضاعفة الأجر لهم على قلة العمل، اختار الله تعالى هذا المكان دون غيره ليتشرف بهذا الوسام العظيم فطوبى لكم شيخي ولأهلكم المرابطين المجاهدين الصابرين المحتسبين.
عذرا شيخنا لم نستطع مساعدتكم بما تحتاجون إليه من توفير جيوش جرارة مؤمنة مدججة بالأسلحة يقودها الخليفة صلاح الدين الأيوبي رحمه الله فيحرر القدس الشريف وكل شبر في فلسطين الحبيبة، بل كل الأقطار العربية التي أصبحت قصعة لافتراس الذئاب المتوحشة الضارية الجائعة، تعاني تسلط حكام العض والجبر التابعين لأوامر حفدة الخنازير وقتلة الأنبياء، يدبرون ليل نهار كيفية وأد الثورات ضد القهر والاستبداد الغاشم، كاتمة للأصوات الحرة التي تأبى الظلم والاستكانة والذل.
عذرا عمنا لا نملك سوى حناجر نهتف بها شعارات رافضة للعدوان معيرة أنظمة السوء علها تستيقظ من سباتها في وقفات مسجدية ومسيرات سلمية محلية ومركزية في جميع ربوع مغربنا الحبيب وإن كانت هي الأخرى لم تسلم من العسكرة والمضايقات. لا نملك إلا قلوبا تلهج بالدعاء وعيونا باكية على الله عز وجل في خلواتنا وجلواتنا ورباطاتنا ومعتكفاتنا التربوية عساها تكون سببا في تغيير القدر فتفتح لكم أبواب النصر بإذن الله. نستميحكم عذرا أحبتنا ونشد على أياديكم، ونحيي شبابكم ونساءكم وأطفالكم وكهولكم على حبكم للمسجد الأقصى والاستماتة القوية في الذود عنه بأنفسكم وأموالكم وأهليكم وبكل ما أوتيتم من قوة، ودفعكم ضريبته نيابة عن الأمة الإسلامية قاطبة حتى أغرقتمونا بتضحياتكم وأفضالكم علينا لدرجة الاستحياء منكم، فجزاكم الله عنا وعن الأمة الإسلامية خير الجزاء آمين. قال تعالى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [2] و إنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ ۚ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ[3] .
[1] – أخرجه البخاري برقم (1995).
[2] سورة آل عمران، الآية : 200.
[3] سورة هود، الآية: 81.