أمنا حفصة، الصوامة القوامة

Cover Image for أمنا حفصة، الصوامة القوامة
نشر بتاريخ

ما دمنا في هذا الشهر الكريم،شهر الصيام و الامتنان،ارتأيت الحديث عن صحابية جليلة قد سبق وأن تحدثنا عنها،لكن كما يعلم القارئ العزيز، أن مدرسة الصحابيات، موسوعةعظيمة،لا يمكن أن نختزلها في وقت مضى ولا يمكن الاستغناء عن سيرتهن العطرة،فبها نقتدي و منها نستقي.

صحابيتنا لهذا الشهر هي من أمهات المؤمنين ميزتها أنها جعلت الصيام ركنا من أحد ركائز عبادتها لماله من مقاصد جميلة وعظيمة، انطلاقا من قوله تعالىفي سورةالبقرة: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تتقون”

صحابيتنا اذن هي الصوامة القوامة حفصة بنت عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه،جمعت بين الصيام والقرآن، حيث أنها كانت عاكفة على المصحف تلاوة وتدبرا وتأملا و تفهما،انشغلت بالصيام كما انشغلت بقراءة القرآن قياما بين يدي الله تعالى، كان القرآن محط اهتمامها، روى أبو نعيم عن ابن شهاب عن خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه قال: “لما أمرني أبو بكر فجمعت القرآن كتبته في قطع الأدم وكسر الأكتاف والعسب، فلما توفي أبو بكر رضي الله عنه كان عمر كتب ذلك في صحيفة واحدة فكانت عنده، أي، على رق من نوع واحد، فلما توفي عمر رضي الله عنه كانت الصحيفة عند حفصة زوجة النبي، ثم أرسل عثمان بن عفان إلى حفصة، فسألها أن تعطيه الصحيفة، وحلف ليردنها إليها، فأعطته، فعرض المصحف عليها، فردها إليها، وطابت نفسه، وأمر الناس فكتبوا المصاحف”

لما لا ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي رب إني منعته الطعام والشهوات بالنهار، فشفعني فيه، يقول القرآن: رب منعته النوم بالليل، فشفعني فيه فيشفعان” 1 [ إذ الشفاعة هي : ” السؤال في التجاوز عن الذنوب ” 2

وأمنا حفصة رابعةزوجات الرسول صلى الله عليه وسلم،بعد أن توفي زوجها الصحابي الجليل خنيس بن حذافة السهمي،الذي كان من أصحاب الهجرتين ترك حفصة وهي في ريعان شبابها ، حيث كان عمرها 20 سنة، و كعادة رسول الله الإحسان الى الفقير،ومواساة الضعيف،و رحمة القوارير،شكا سيدنا عمر بن الخطاب عزلة الترمل وحال ابنته إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يتزوج حفصة من هو خير من عثمان، يتزوج عثمان من هو خير من حفصة. صدقت يارسول الله…

تمت المصاهرة بين رسول الله وعمر بن الخطاب على صداق قدره 400 درهم آنذاك ، وسنها يومئذ 20عاما .

وكباقي الصحابيات رضي الله عنهن، حيث العلم و حضور مجالس الإيمان وتعلم الطب…تعلمت الكتابة على يد الصحابية الجليلة الشفاء بنت عبدا لله أول معلمة في الاسلام،وجمع عندها المصحف المكتوب فيها القرآن،بعد أن كانت عند الخليفة أبي بكر ثم عند أمير المؤمنين عمر بن الخطاب. روى لها البخاري ومسلم في الصحيحين ستين حديثًا وكانت بذلك نبراسا للعلم والوقار والتقوى.

ويروى أن رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ أراد أن يُطلِّقَها فجاء جبريل عليه السلام فقال: لا تُطَلِّقْها فإنها صوَّامةٌ قوَّامةٌ وإنها زوجتُك في الجنة”

طوبى لك يا حفصة بنت عمربن الخطاب، بل بشرى بما نلته من فضل وشرف، فهذا جبريل عليه السلام من فوق سبع سماوات يقر لك بالفضل والصلاح والتقوى، بل ويجعل لك اسما في سجل السماء ملقبة بالصوامة القوامة، فيا ترى ماهو لقب كل واحد منا في السماء وما عنوانه في الملإ الأعلى؟ ومن لم يسمى بعد منا، فهذا شهر الصلاح بين أيدينا، فحي على الفلاح.

توفيت حفصة سنة إحدى وأربعين بالمدينة المنورة عام الجماعة، ودفنت في البقيع،رضي الله عن سيدتنا حفصة وعن جميع أمهات المؤمنين وسائر المسلمين إلى يوم الدين.آمين.


[1] رواه البخاري
[2] راجع : التعريفات للجرجاني : 56 . والنهاية في غريب الحديث ، لابن الأثير 2 : 485 . والكليات ، لأبي البقاء : 536