ذ. بناجح: قرار “سرية” جلسات محاكمة باعسو يبتغي “حجب الحقيقة” والقضاء يتعامل بـ”ازدواجية المعايير” مع قضايا الرأي

Cover Image for ذ. بناجح: قرار “سرية” جلسات محاكمة باعسو يبتغي “حجب الحقيقة” والقضاء يتعامل بـ”ازدواجية المعايير” مع قضايا الرأي
نشر بتاريخ

عبر الأستاذ حسن بناجح عضو الأمانة العامة للدائرة السياسية لجماعة العدل والإحسان عن استغرابه الشديد من قرار محكمة الاستئناف بمكناس بـ “إدخال جلسات متابعة المعتقل باعسو إلى السرية”، وهو الطلب الوحيد الذي تقدم به الطرف الآخر وقد استجابت له، علما أنه مؤثر على كل الجلسة وعلى مسار الملف، في حين تقدم دفاع باعسو بثلاثة وعشرين دفعا وطلبا رُفِضَت جميعُها إلا طلبين يتيمين.

وأوضح بناجح مخاوفه من هذا القرار أمام استئنافية مكناس أول أمس الثلاثاء 23 ماي 2023، بالتزامن مع جلسة المحاكمة التي استغرقت يوما كاملا، وشدد في كلمة مصورة بعين المكان على أن الغرض من القرار هو “حجب الحقيقة”.

أخذوا هذا القرار الذي يقضي بالسرية كيلا يعرف أحد هذه الحقيقة

واعتبر في الكلمة ذاتها أنه سبق وأن نادى ليأتي الناس ويحضروا ويروا الحقيقة، موضحا أنه في الوقت الذي كان فيه باعسو ودفاعه مكبلين بقرار السرية، كان الطرف الآخر وإعلام التشهير يتحدثون ويقولون ما يريدون. لكنه اليوم بعدما أصبحت لديه فرصة أن يقول هو، ويقول دفاعُه، ويسمع الرأي العام الحقيقة منهما، “أخذوا هذا القرار، الذي يقضي بالسرية كيلا يعرف أحد هذه الحقيقة”.

وعن سؤال “لماذا؟”، يجيب بناجح فيقول “باختصار هذا كله يؤكد ما كنا نقوله، هذا ملف فارغ يفتقد لأي حجة ولأي حجية، يفتقد لأي أدلة، وبالتالي ينبغي أن يبقى بين الجدران، لكيلا يأتي الناس ويسمعوا الحقيقة كاملة”.

وفي شريط آخر، مع بداية أطوار المحاكمة في اليوم ذاته، خاطب بناجح الرأي العام واعتبر أن “هذه المحاكمة ظالمة وجائرة وكل القرائن تثبت ذلك”، موضحا أنه في شريط سابق بالموازاة مع الجلسة السابقة “كنت أعلنت نداءً، قلت فيه أنادي بحرارة كل المراقبين وكل الحقوقيين وكل المتابعين والصحافة، لكي يحضروا لمراقبة هذه المحاكمة بحثا عن الحقيقة”.

لماذا السرية؟ ولماذا يخافون من الحقيقة؟

وهو الشريط نفسه الذي توجه فيه أيضا للمحكمة “كي تحافظ على علنية الجلسة ضمانا لحق الرأي العام في أن يتابع هذه القضية، ويقف بنفسه ويرى ويحكم، حتى لا يبقى هناك مجال لنقول نحن وتقول الأطراف الأخرى، ونترك الفرصة لكل من يبحث عن الحقيقة لكي يأتي ويراها بعينيه”.

وبينما أكد الناشط الحقوقي والساسي حق الرأي العام في متابعة أطوار هذا الملف لمعرفة الحقيقة، يتفاجأ “مع بداية الجلسة، حيث يتقدم الطرف الآخر بطلب لكي تشمل الجلسات بالسرية” ليتساءل المتحدث؛ لماذا السرية؟ ولماذا يخافون من الحقيقة؟”.

أنا أملك جوابا بحكم اطلاعي على تفاصيل هذا الملف، يقول بناجح، مضيفا “هذا ملف فارغ كنا نقول ذلك منذ البداية، هذا الملف ملف فارغ، فلا تهمة من تلك التهم بها دليل قوي يسند اعتقال هذا الرجل أو محاكمته أو إدانته، فإذن إدخال هذه المحاكمة للسرية أعتبره من الآن، إن وقع، هروبا من الحقيقة، وتأكيدا لكل الادعاءات وكل الكذب وكل التشهير الذي شاب هذه القضية…”.

التشهير وخرق سرية البحث هو انتهاك حرمة القضاء قبل قبل حق المتابع

ووقف بناجح في كلمته على نقطة اعتبرها “مهمة جدا”، وقد أثارها الدفاع وتتعلق بـ”سرية التحقيق”، قال: “نعرف أنه في مرحلة الاعتقال هناك مادة معروفة في المسطرة الجنائية وهي المادة 15 التي تلزم بسرية البحث، لكن السيد باعسو وبمجرد ما تعرض للاعتقال التعسفي الظالم كان يتعرض لأمر آخر أخطر أيضا، وهو التشهير به وضرب براءته”.

الدفاع في تناوله لهذه المسألة قدم قرائن ومقالات، وتقارير خرجت في عدد من الجرائد في مرحلة السرية والتي تُعتمد على أنها “مصادر قضائية”، وشدد بناجح على أنه إذا لم تُرتب إجراءات بناء على ذلك فلا وجود لمحاكمة عادلة، ولا وجود لشروطها داخل هذه المحكمة، معتبرا أن ذلك هو حماية لحرمة القضاء، أولا قبل حق باعسو.

أمثلة ونماذج.. في “ازدواجية المعايير” التي يتعامل بها القضاء مع قضايا الرأي والسياسة في المغرب

وكان الأستاذ بناجح انتقد في شريط آخر بعد جلسة المحاكمة السابقة قبل أسبوعين ما عبر عنه بـ “ازدواجية المعايير” التي يتعامل بها جسم القضاء مع عدد من المعتقلين والمتابعين، واصفا الأمر بـ “الخطير”.

وعزى هذه الخطورة إلى أمرين، الأول لكونها مرتبطة بركن أساس من أركان بنية أي مجتمع وأي بلد وهي القضاء، والثاني لكونها فقط نموذجا حيا وجديدا يصلح لكشف الاستدلا، وإلا فإنها قد تنسحب على القضايا ذات الطبيعة السياسية والقضايا المرتبطة بالرأي التي تتضح فيها هذه الازدواجية.

وانطلق “بناجح” من ثلاث حالات مماثلة لملف باعسو المتابع بتهمة الاتجار في البشر، أو تزيد عنه بتلك التهمة وبتهم أخرى ومع وجود قاصرين، لكن أصحابها يتابعون في حالة سراح، في حين أن المحكمة ذاتها بمكناس تتابع باعسو بصرف النظر عن تهافت هذه التهمة في حالة اعتقال.

بناجح في هذا الشريط الذي نشرته قناة الشاهد الإلكترونية، أشار إلى أن الطلب الذي تقدم به الدفاع في الجلسة السابقة من أجل المتابعة في حالة سراح، “هو الطلب رقم 19 للسراح المؤقت الذي ترفضه المحكمة منذ اعتقاله في 31 أكتوبر 2022” وهو الرقم الذي ارتقى في آخر جلسة إلى 20 طلبا منذ ما يقارب السبعة أشهر.

حالات فيها حالة تلبس وتهم الاتجار بالبشر وتهم أخرى وكلها متابع أصحابها في حالة سراح

وقال بناجح إن الموضوع هو البث في استئناف تقدم به دفاع باعسو للطعن في القرار الذي بموجبه رفض طلب متابعته في حالة سراح، معتبرا أن ما يرتبط بهذا الملف هو نفسه يقال عن ملفات أخرى لمعتقلين آخرين، خاصة منهم توفيق بوعشرين وسليمان الريسوني وعمر الراضي والنقيب محمد زيان، ورضى بنعثمان وغيرهم.

واستقى بناجح ثلاثة من هذه الملفات المتوفرة في الموقع الرسمي “محاكم” فيها حالة تلبس، وفيها تهم الاتجار بالبشر وتهم أخرى وكلها فيها متابعة في حالة سراح.

الملف الأول من هذه الملفات، يقول بناجح إنه “رائج أمام هذه المحكمة منذ سنة 2020 أحيل فيها المتهم على غرفة الجنايات الابتدائية في حالة سراح في جلسة 18 ماي 2020 بهذه التهم، وملفه ما زال يؤخر إلى اليوم من أجل استدعاء المتهم والمشتكية والمصرحين، إلى غاية 10 ماي 2023 ولا علم لي بجديده، لكن الذي يهمنا أن المتهم متابع في حالة سراح”.

الملف الثاني يعود إلى فبراير 2023، أي بعد ملف الدكتور باعسو، وقد أحيل فيه المتهمون على غرفة الجنايات الابتدائية، “والأخطر أنه فيه تغرير بقاصر يقل عمرها عن 18 سنة، وهتك عرض بالعنف نتج عنه افتضاض، والملف ما زال يؤخر من أجل استدعاء المتهم والمشتكية وهو مدرج في جلسة 29 ماي الجاري، والشاهد فيه أيضا أنه يتضمن حالة تلبس، والمتابعة في حالة سراح”.

أما الملف الثالث يقل المتحدث، فهو الآخر يعود إلى يونيو 2022 بتهمة الاتجار بالبشر وفيه أيضا حالة تلبس والمتابعون فيه يتابعون في حالة سراح.

عضو الأمانة العامة أكد في حديثه أنه لا يطالب باعتقال أحد ولا بالتضييق على أحد، وهذا ليس المقصد من حديثه، لكنه في المقابل ومن خلال هذه الأمثلة، يؤكد أن هناك ازدواجا واضحا في المعايير.

فإذا كان الأصل في المتابعات القضائية هو قرينة البراءة، وكل القوانين الوطنية والدولية تؤكدها، فإن المطالبة بالسراح للدكتور باعسو وغيره -وفق حديث بناجح- تقويها الضمانات المتوفرة مع غياب الأدلة الجدية التي قام عليها الملف.

المتابعة في حالة اعتقال أثناء البحث قد نفهمها.. فما الداعي إلى ذلك بعد انتهاء التحقيق؟

ويتساءل بناجح عن سبب هذا الازدواج في المعايير، قبل أن يشير إلى مبررات رفض المتابعة في حالة سراح لباعسو من قبل سلطة الاتهام التي هي النيابة العامة، حيث قالت حينما كان أمام قاضي التحقيق: “… وحيث إن إجراءات التحقيق الإعدادي لم تستنفذ بعد…” إلى غيرها من المبررات المرتبطة بمرحلة التحقيق.

يقول بناجح: “بغض النظر عن تهافت هذا المنطق التبريري… فقد انتهت مرحلة التحقيق التي كانت المبررات بسببها، ومن المفروض أن تنتفي معها أسباب المتابعة في حالة اعتقال”، لكن عبقريتهم تفتقت عن مبررات أخرى مرتبطة بحالة تلبس وبوجود خبرة ولحماية الضحايا، وهي المبررات نفسها الموجودة في الملفات الثلاثة التي استشهد بها، وبعضها يزيد بوجود قاصر، ورغم ذلك فإن أصحابها يتابعون في حالة سراح.

ومن المفروض من سلطة القضاء أن تصحح الأوضاع، يقول بناجح متأسفا، قبل أن يوضح أن كل هذا “هو من أجل تبيان أن ملف باعسو دوافعه سياسية محضة”.

تدبير الاعتقال الاحتياطي يتخذ بكيفيات مزاجية لا تتحكم فيها معايير قانونية

وأشار بناجح إلى مقتطف من مقال لعبد النباوي، الذي يشغل الآن منصب الرئيس المنتدب للسلطة القضائية، وهو في الآن نفسه الرئيس الأول لمحكمة النقض، وسبق له أن شغل منصب رئيس النيابة العامة. وقد كتب هذا المقال في موضوع “الإفراط في الاعتقال الاحتياطي” في وقت سابق حينما كان مديرا للشؤون الجنائية والعفو بوزارة العدل سنة 2004.

يقول عبد النباوي ضمن هذا المقال: “يلاحظ أن كثيرا من المعتقلين يوجدون داخل السجون في إطار اعتقال احتياطي من أجل جنح بسيطة، وأحيانا في غياب حالة تلبس، ورغم توفر ضمانات كافية للحضور، حتى ليبدو أن تدبير الاعتقال الاحتياطي يتخذ بكيفيات مزاجية لا تتحكم فيها معايير واقعية ولا قانونية من شأنها أن تبرر اللجوء إليه من جهة، ومن جهة أخرى فإن هذا التدبير المخيف والقاسي الذي يعتبره القانون تدبيرا استثنائيا يؤدي إلى زيادة عدد المعتقلين في غياب ازدياد مؤشر لارتفاع الجريمة”.

وأضاف محذرا من هذا النوع من الاعتقال: “ولذلك يتعين السعي من ظرف النيابات العامة وقضاة التحقيق إلى جعل الاعتقال الاحتياطي بالفعل تدبيرا استثنائيا لا يُلجأ إليه إلا استثناء”. انتهى كلام عبد النباوي، وقال بناجح معلقا على ذلك “الآن في قضايا الرأي أصبح الاعتقال هو الأصل”.