قال تعالى شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ (البقرة، 185)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الصيام جُنة من النار كجنة أحدكم من القتال” (1).
أختي الكريمة، أخي الكريم؛ شهر رمضان على الأبواب، وهو شهر القرآن والصيام والبر والإحسان، فأعدّا نفسيكما لتهييء طفلكما وتوجيهه للتعرض لنفحات هذا الشهر العظيم، وخصوصا في هذه الظروف الاستثنائية؛ فترة الحجر الصحي، حيث الظروف مهيأة شيئا ما والوقت مناسب للتوجيه وتربية أطفالنا على جميل العادات وحسن التصرف، وتعويدهم على الصيام والقيام وتلاوة القرآن وفعل الخيرات والإحسان، فعن أنس ابن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله تعالى سائل كل راع عما استرعاه أحفظ ذلك أم ضيعه حتى يسأل الرجل عن أهل بيته” (2).
فالطفولة ليست مرحله التكليف وإنما هي مرحلة الإعداد والتدريب والتعويد والتهييء لمرحله البلوغ، كي يسهل على الطفل أداء الواجبات والفرائض، ويصبح في أتم الاستعداد لخوض غمار الحياة بكل ثقة واطمئنان، وخصوصا في هذه الظروف حيث الأجر مضاعف، فالعبادة في الهرج كهجرة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال ابن القيم رحمه الله: “وكم ممن أشقى ولده وفلذة كبده في الدنيا والآخرة بإهماله وترك تأديبه، وفوت عليه حظه في الدنيا والآخرة، وإذا اعتبرت الفساد في الأولاد رأيت عامته من قبل الآباء” (3).
ولدك عملك الصالح
روى الطبراني عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما من ناشئ ينشأ في العبادة حتى يدركه الموت إلا أعطاه الله أجر تسعة وتسعين صديقا” (4).
فتعليم الطفل أمور الدين وتدريبه على العبادة واجب شرعي ومقربة إلى الله وضرورة تربوية، وهو من عمل ابن آدم، وهذه المهمة التربوية هي كسائر الواجبات الشرعية والقُربات؛ من أداها يثاب عليها ومن تركها عوقب على التقصير، فعن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “المولود حتى يبلغ الحنث ما عمل من حسنة كتبت لوالديه، وما عمل من سيئة لم تكتب عليه ولا على والديه، فإذا بلغ الحنث جرى عليه القلم” (5)، والحنث هو الإثم، أي حتى يبلغ سن البلوغ الشرعي. والسيئة التي لا تكتب على والديه هي التي لم يرشداه إليها وحذراه منها وفعلها من تلقاء نفسه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله عز وجل ليرفع ذرية المؤمن إليه في درجته وإن كانوا دونه في العمل لتقر بهم عينه، ثم قرأ: والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذرياتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء كل امرئ بما كسب رهين. قال: وما نقصنا الآباء بما أعطينا البنين” (6). فهنيئا لمثل هذان الوالد والوالدة بهذا الابن الذي ربياه على الدين والخلق، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يتبع الرجل يوم القيامة من الحسنات أمثال الجبال فيقول أنى هذا؟ فيقال: باستغفار ولدك لك” (7).
الولد الصالح في البيئة الصالحة
لقد كانت بيوت المسلمين تعلم الأولاد الصغار مسائل الإيمان فيدركونها ويشبون عليها، نلاحظ ذلك من خلال ما رواه مصعب الأسلمي رضي الله عنه قال: انطلق غلام منا فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إني سائلك سؤالا، قال: “وما هو؟” قال: أسألك أن تجعلني ممن تشفع له يوم القيامة، قال: “من أمرك بها؟ – أو من علمك بهذا؟ – أو من دلك على هذا؟” قال: ما أمرني بهذا أحد إلا نفسي، قال: “فإنك ممن أشفع له يوم القيامة”، فذهب الغلام جذلان ليخبر أهله، فلما ولى قال: “ردوا علي الغلام”، فردوه كئيبا مخافة أن يكون قد حدث فيه شيء، قال: “أعني على نفسك بكثرة السجود”.
فالإيمان بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم وبالحساب والجنة والنار كانت أمرا مشاع العلم بين الناس حتى اهتم بها هذا الغلام فسألها النبي صلى الله عليه وسلم، ومستفيضا بين أفراد المجتمع صغيره وكبيره، فهذا أحد الصحابة الكرام كان حريصا على تربية ابنه، وفي أحلك الظروف لما أسرت الروم ابنه كان إذا حضر وقت الصلاة صعد سور عسقلان (مدينة بالشام) ونادى: يا فلان؛ الصلاة، الصلاة، فيسمعه وهو في بلد الروم.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ كانَ يُعَلِّمُهُمْ هذا الدُّعَاءَ كما يُعَلِّمُهُمُ السُّورَةَ مِنَ القُرْآنِ يقولُ قُولوا: اللَّهُمَّ إنَّا نَعُوذُ بكَ مِن عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَأَعُوذُ بكَ مِن عَذَابِ القَبْرِ، وَأَعُوذُ بكَ مِن فِتْنَةِ المَسِيحِ الدَّجَّالِ، وَأَعُوذُ بكَ مِن فِتْنَةِ المَحْيَا وَالْمَمَاتِ (9).
وقد تعوض الصحبة الصالحة هذه البيئة الصالحة، فالصاحب ساحب، والمرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل، قال الإمام الغزالي: “الصبي أمانة عند والديه، وقلبه الطاهر جوهرة نفيسة، فإن عود الخير وعلمه نشأ عليه وسعد في الدنيا والآخرة” (10).
قال الشاعر:
وَيَنشَأُ ناشِئُ الفِتيانِ مِنّا ** عَلى ما كانَ عَوَّدَهُ أَبوهُ
وَما دانَ الفَتى بِحِجىً وَلَكِن ** يُعَلِّمُهُ التَدَيُّنَ أَقرَبوهُ
التهيئة والابتسامة والتصابي للطفل أفضل وسيلة لقلبه
المطلوب من الوالدين تعويد طفلهما على الصيام وتحبيبه إليه، بالحديث عن فضله وأن من ترك الطعام والشراب وصام فإن الله يطعمه ويسقيه من طعام وشراب الجنة، وأن الله تعالى يحب الأولاد الذين يصومون وهم صغار، ويمكن التغافل عن الطفل الصغير الذي يصوم إذا شرب أو أكل، وليكن الاتفاق معه أن يصوم حتى الظهر ثم بعد ذلك حتى العصر وفي بعض الأيام حتى المغرب إلى أن يألف الصيام ويتدرب عليه، كما يمكن إشغاله وتلهيته عن الطعام والشراب باللعب، أو وعده بجائزة أو شيء يحبه إذا صام بعض الأيام كاملة، فعن الربيع بنت معواد رضي الله عنها قالت: “أرسَل رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم غداةَ عاشوراءَ إلى قُرى الأنصارِ الَّتي حولَ المدينةِ: (مَن كان أصبَح صائمًا فليُتِمَّ صومَه ومَن كان أصبَح مُفطرًا فليصُمْ بقيَّةَ يومِه ذلك) قالت: فكنَّا نصومُه ونُصوِّمُ صبيانَنا الصِّغارَ ونذهَبُ بهم إلى المسجدِ ونجعَلُ لهم اللُّعبةَ مِن العِهْنِ فإذا بكى أحدُهم على الطَّعامِ أعطَيْناها إيَّاه حتَّى يكونَ عندَ الإفطارِ”، وفي رواية “تصنع لهم اللعبة من العهن فنذهب به معنا، فإذا سألونا الطعام أعطيناهم اللعبة نلهيهم بها حتى يتموا صومهم” (11).
ويحسن تهيئة ذهن الطفل قبل إقبال رمضان، مما اعتاده الناس من تزيين للبيوت وتنظيفها وإضاءة الأنوار والفوانيس، كل ذلك من العادات الحسنة المرتبطة بشهر رمضان يكون لها الأثر الطيب في نفس الطفل الصغير، فلنجتهد رغم هذه الظروف الصعبة في إظهار الفرح والسرور والحبور بحلول شهر رمضان.
برنامج طفلي في شهر رمضان
1) حفظ سورة عم بالنسبة للأطفال ما بعد تسع سنوات، وحفظ سورة الملك للأطفال ما قبل تسع سنوات، فهي الواقية والمنجية ومنية النبي صلى الله عليه وسلم، حيث قال: وددت أنها في قلب كل طفل مسلم.
2) فرصة لإتقان فرائض الصلاة، وكذا فرائض الوضوء، والمحافظة ما أمكن على الصلوات في وقتها.
3) صيام ما تيسر من أيام رمضان وتدريبهم على ذلك، ولو بصيام نصف اليوم بالنسبة للصغار وتحفيز الكبار على إكمال اليوم، وخصوصا أيام العشر الأواخر.
4) حفظ بعض الأذكار والأدعية، لما لها من شحنة إيمانية تحرق كل شيطان وهامة.
5) تخصيص وقت للمطالعة الحرة، والخروج من رمضان بزاد معرفي مهم يستثمر في ما بعد.
6) الاستحمام وملازمة قواعد النظافة وخصوصا في فترة الحجر الصحي، فالنظافة من الإيمان، وطهارة البدن لا تنفصل بتاتا عن طهارة الروح؛ فهما متلازمتان صحة واعتدالا.
7) مساعدة الأم في تهييء مائدة الإفطار، ومد يد العون في تهييء بعض الوجبات، وخصوصا بالنسبة لليافعات.
8) برمجه بعض الألعاب الترفيهية والتنشيطية، ومحاولة تنفيذها بمعية الإخوة والوالدين، وتخصيص وقت للرياضة قبيل آذان المغرب، ونقتصر على الحركات التي يمكن تنفيذها في الفضاء الضيق مع توفير شروط الأمان والسلامة ما أمكن.
9) الاستعداد لليلة القدر، وقد أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتحراها في العشر الأواخر من رمضان، ولكن بالنسبة لأطفالنا فنجعلها ليلة السابع والعشرين كدأب المغاربة عموما، حتى لا نثقل كاهن الطفل، ويقبل عليها بهمة ونشاط، فالقلب إذا أكره عمي.
10) وأخيرا التذكير بأهمية زكاة الفطر، ودورها في إغناء الفقراء والمحتاجين في ذلك اليوم، وخصوصا في هذه الظروف الصعبة، مع إشراكهم في ثوابها. والاستعداد ليوم العيد؛ نظافة وتزيينا للمكان وارتداء لأفضل الثياب، حتى لو استمرت فترة الحجر الصحي، مع صلة الرحم بالأهل والأحباب والأقارب، ولو عبر الهاتف ووسائط التواصل الاجتماعي.
(1) رواه الإمام أحمد والنسائي.
(2) الفتح الباري، ج 2، ص 299.
(3) تحفة المولود، ص 242.
(4) أخرجه الطبراني في الكبير.
(5) رواه أبو يعلى في مسنده.
()) رواه أحمد والبزار والطبراني.
(7) رواه أحمد والبزار.
(8) رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح.
(9) رواه الإمام مسلم.
(10) الإمام الغزالي في كتابه الإحياء، ج4، ص160.
(11) صحيح البخاري، كتاب الصوم للصبيان.