أسرة الجماعة.. حينما أعلن الإمام ياسين دخول مرحلة العمل الميداني المنظم

Cover Image for أسرة الجماعة.. حينما أعلن الإمام ياسين دخول مرحلة العمل الميداني المنظم
نشر بتاريخ

أعضاء مجلس الإرشاد في بداية الثمانينيات

كانت الفكرة التي استأثرت باهتمام الأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله في بداية مشروعه هي فكرة توحيد الصف الإسلامي، وكان قد تجنب إحداث تشويش بزيادة شق آخر في هذا الصف، فعمل كثيرا من أجل تلك الفكرة، وأجرى هو ورفاقه عددا من اللقاءات مع رموز العمل الإسلامي في المغرب لمدة عام ونصف، ولما لم يجدوا الاستجابة المرجوة، وجدوا أنفسهم مضطرين إلى تأسيس كيان جديد.

 

فشل محاولات توحيد العمل الإسلامي ودخول مرحلة العمل في إطار جديد

وهكذا تشكلت القناعة لدى الفريق المرافق للإمام يوما بعد يوم بأن توحيد الصف الإسلامي في ذلك الوقت وفي تلك الشروط لا يمكن،  فعدلوا إلى تأسيس “أسرة الجماعة” سنة 1401 هـ، الموافقة لسنة 1981م. لتكون إضافة جديدة في الحقل الإسلامي، وبالرغم من ذلك فإن الإمام لم ييأس بعد من فكرة الوحدة، لذلك أبقوا وسم الأسرة مرتبطا بالجماعة، فكأنها البداية وقد يحدث الله ما يحدث بعد ذلك، فيتحقق المرغوب.

أفاد الدكتور عبد الواحد متوكل عضو مجلس إرشاد الجماعة في شهادته لنا بأن الإمام رحمة الله عليه كان يعيش فكرة توحيد العمل الإسلامي في المغرب، لكن “لما طال الانتظار، قرر هو وبعض الإخوة الذين كانوا معه أن يبدؤوا العمل، وبقي الأمل يحدوهم أن تجتمع هذه الفصائل في المستقبل القريب بحول الله عز وجل”.

 إلا أنه رحمه الله وصل إلى قناعة راسخة في نهاية المطاف بأن ذلك هو مجرد طموح حالم لا يمكن أن يتحقق اليوم أو غدا، وقد علق على هذه المبادرة بأنها “طمعٌ فيما لا مطمع فيه” 1، وبأنها كانت “مثالية” 2 ولم يسبق لأحد تحقيقها حتى في عهد الصحابة رضوان الله عيهم. فعبر عن إيمانه بمبدأ تعدد الجماعات الإسلامية شريطة التعاون على البر والتقوى، والدخول في الولاية الإيمانية الجامعة، “فنتعاون في الأمر بالمعروف، وفي النهي عن المنكر، وفي الإيمان بالله عز وجل، وفيما اتفقنا عليه، على أساس أن يعذر بعضنا بعضا في الشيء الآخر” 3.

تأسيس “أسرة الجماعة” تطلب قرابة سنة من الإعداد والتهييء

دشن الإمام عبد السلام ياسين ومن معه مسارا جديدا في حركتهم الدعوية، عنوانه البارز هو “أسرة الجماعة” وكان ذلك عبر مرحلتين اثنتين، الأولى من خلال اللقاء التشاوري التحضيري المصغر الذي عقد سنة 1980 للميلاد، والثانية من خلال اللقاء التأسيسي الموسع بعد حوالي عام، حيث اتفقوا على عقد الأول في مدينة مراكش، حضره حوالي 9 أشخاص تقريبا، وعقدوا الثاني في بيت المجاهد الأستاذ إبراهيم الشرقاوي رحمه الله في المدينة ذاتها، وقد حضره حوالي 40 شخصًا، وفيه اتُّخذت القرارات الهامة لتحقيق الأهداف الدعوية الجديدة.

وفي اللقاء التشاوري المصغر، اتخذ الفريق المرافق للإمام قرارات هامة، وركزوا على تهيئة الظروف اللازمة المرتبطة بالمسار الجديد في الدعوة. وقد ذكر لنا ذلك الأستاذ فتح الله أرسلان، عضو مجلس الإرشاد ونائب الأمين العام للجماعة، في حديثه لنا عن هذه المرحلة.

وعلى الرغم من أن الإمام أعلن عن “أسرة الجماعة” عنوانا لمرحلة جديدة في الدعوة في العدد السابع من مجلة “الجماعة” محرم من سنة 1401 هجرية الموافق لشهر نونبر 1980 للميلاد، إلا أنها لم تتحول إلى تنظيم مؤسس بشكل عملي إلا بعد مرور حوالي عام بعد عقد اللقاء التأسيسي في شهر شتنبر 1981.

وفي هذا اللقاء بالذات من شتنبر، يقول السيد أرسلان “تأسست أسرة الجماعة، وانتخب مجلس الإرشاد لأول مرة، ووضع فيه برنامج سنوي لما سينجز لتلك السنة”، فتشكل مجلس الإرشاد من خمسة أعضاء، هم الأستاذ عبد السلام ياسين، والأستاذ أحمد الملاخ، والأستاذ فتح الله أرسلان، فضلا عن الأستاذ محمد البشيري، إضافة إلى الأستاذ محمد عبادي رحم الله تعالى من مات وبارك في أعمار من بقي ونفعنا الله بالجميع، وبارك جهودهم وتقبل جهادهم.

“أسرة الجماعة” اسم مؤقت.. والتأسيس فرضته دواعٍ مرحلية

فإذا كانت “مجلة الجماعة” هي أول منبر لمخاطبة الجمهور والتواصل مع ذوي النيات الطبية من العاملين الصادقين للإسلام من قبل الإمام، فإن “أسرة الجماعة” هي أول محضن لهم، وهذه الأسرة في الأصل هي عبارة عن تجمع ثلة من الشباب الملتفين حول المجلة مع الإمام، يكتبون فيها ويزدادون قربا منه وتترسخ قناعتهم بما عنده من علم وفكر وصدق.

وهكذا تأسست هذه الأسرة، وأصبحت رقما جديدا جادا، عاملا ساعيا في خدمة الإسلام، وحملت اسما مؤقتا نسبة إلى مجلة الجماعة كما ذكر الإمام في إحدى محاوراته حيث “كان حول مجلة «الجماعة» أفراد من الناس يكتبون فيها فسموا أسرة الجماعة” 4 وهم ممن اقتنعوا بهذه المجلةِ؛ اللسانِ الناطقِ المعبرِ عن مواقف الدعوة الناشئة، فتحولوا إلى نواةٍ كان أمل الإمام أن ينطلق منها مشروع بناء الجماعة.

يقول الإمام في العدد السابع من مجلة الجماعة سنة 1980: “فإن كنا هنا نعلن أن «أسرة الجماعة» مشروع عمل ميداني تربوي فما نفعل إلا استجابة للدواعي المرحلية”، 5 كان هذا بمثابة إعلان عن خطة العمل الجديدة من أجل الوصول إلى الجماعة الواحدة الموحدة، وذلك بعد استنفاذ جهود توحيد العمل الإسلامي بداية. فهذه الخطوة وفق الإمام؛ فرضتها الدواعي المرحلية ولا يمكن أن تكون زيادة “داء” إلى أدواء بتأسيس عمل إلى جانب أعمال، ما دامت النية مخالفة للانغلاق والأسلوب مخالف للتنقيص من الغير والهدف ليس هو الرئاسة، “لكن إن كان الخط في اتجاه «جماعة المسلمين» واضحا موضحا، وكان الأسلوب التأليف بين المؤمنين، وكانت الغاية وجه الله وطلب الزلفى عنده فهي أسَرٌ يحن بعضها إلى بعض وتربط تباعا أواصر الأخوة حتى تتمتن وعرى الإيمان الجامع حتى تتوثق” 6.

“أسرة الجماعة” كانت ملاذا للشباب الملتفين حول الإمام من مختلف المشارب 

فالأسرة بالنسبة للإمام إشارة لمكان المحبة ومعانيها والتعاون ومقتضياته، وهي إطار لتوضيح معالم الطريق التي يرى أن الشباب في أمس الحاجة إليه -الإطار- لتشخيص المنهاج وتنظيم سيرهم في مهمات الدعوة والجهاد.

بعد انطلاق هذا الجسم الجديد مع استمرار مجلة الجماعة، تعددت وسائل التواصل والتأطير التي في يد الإمام، ويحكي لنا الأستاذ إبراهيم أكورار أن الحديث حينها حول الجماعة أصبح كبيرا، وكذلك كان الكلام على الإمام لـ“كونه يشكل جماعة واسمها “أسرة الجماعة”، وأن الشباب يلتفون حوله”.

والغريب كما يحكي أكورار، أن الشباب الملتفين حول الإمام من مشارب مختلفة؛ “منهم من أتى من الشبيبة الإسلامية ومنهم من كان متصوفا، ومنهم من كان مهتما بالفكر الإسلامي، وكلهم وجدوا معه راحتهم، وتجاوبوا معه بشكل عجيب. كان الإمام رحمه الله تعالى يحسن التواصل واستيعاب واحتضان شباب الدعوة، الذين كانوا يعانون كثيرا”.

كان العمل مكثفا في البداية ولم يكن سهلا

وهكذا كانت “أسرة الجماعة” إضافة نوعية للحقل الإسلامي، وإسهاما مباركا في تأطير الشباب الحائر الباحث عن الخلاص، ولا ينكر ذلك أحد في المغرب، فبدأت “الأسرة” تكبر وتتوسع، وتتوسع معها أفكار البناء والتنظيم وطرق استيعاب الوافدين الجدد ممن راق لهم فكر الإمام، ووجدوا ضالتهم عنده لمعرفة دينهم، ولامسوا صدقه فيما يدعو إليه، خدمة لدعوة الله ومستقبل للإسلام.

ومع انطلاق العمل الميداني المنظم لـ “أسرة الجماعة” كانت الجهود جبارة للتعريف بهذا المولود الجديد ودعوة الناس إليه، فدخل مجلس إرشادها الذي سيتكون في فترة وجيزة من سبعة أفراد بزيادة الأخوين سيدي محمد العلوي السليماني وسيدي عبد الواحد المتوكل؛ في مرحلة توسيع دائرة العمل والدعوة لتشمل ما هو خارج مدن الرباط وسلا والدار البيضاء ومراكش، وكان تأسيسُ نواةٍ لأسرة الجماعة في كل مدينة همًّا يتنفسه كل فرد في هذه الأسرة.

يقول الدكتور متوكل: “كانت هناك محاولات للاتصال الفردي مع مجموعة من الناس، سواء من كنا نعرفهم أو من تعرفنا عليهم، وكنا نحاول إقناعهم بمشروع الجماعة، وكانت الدعاية قوية جدا، ولم يكن العمل سهلا في البداية”. وهو ما أكده الأستاذ أرسلان بقوله: “إذا أردنا تأسيس العمل في عدد من المناطق كنا في مجلس الإرشاد نتنقل جميعا في بعض الأحيان، ونسعى للالتقاء بالناس في تلك المدينة ونتواصل معهم ونهيئ الأجواء. كان العمل مكثفا في تلك الفترة”.

الأعمال الغالبة على “أسرة الجماعة” تربوية

وإن كان التأسيس والتوسع هو المسيطر على تفكير أعضاء أسرة الجماعة ومجلس إرشادها في تلك المرحلة، فإن جوهرها وغذاءها والسبب الذي من أجله وجدت هو التربية، ولم يكن الهم التواصلي للإمام مع الناس إلا من أجل ذلك، يتحدث إلينا الدكتور حسن إزرال في شهادته، ويوضح أن الأعمال الغالبة على هذه الأسرة -أسرة الجماعة- عندما بدأت كانت تربوية بامتياز.

ثم يضيف قائلا: “كان الإمام يفتح بيته أمام كل من دخل الجماعة والناس أجمعين، وكان يمضي وقته كله مع الناس وللناس، وقد يأتيه زائر في وقت نومه (بعد الشروق مثلا) ومع ذلك كان يستقبله”. ومع كثرة ملازمة الإمام والجلوس إليه “بدأنا نفهم مقاصد الرجل من التربية فالتحقنا بأسرة الجماعة سنة 1981” يقول المتحدث.


[1] الأستاذ منير ركراكي والأستاذ عبد الكريم العلمي، حوار شامل مع الأستاذ المرشد، ص 32.
[2] نفسه، ص 32
[3] الأستاذ منير ركراكي والأستاذ عبد الكريم العلمي، حوار شامل مع الأستاذ المرشد، ص 33.
[4] الأستاذ منير ركراكي والأستاذ عبد الكريم العلمي، حوار شامل مع الأستاذ المرشد، ص 54.
[5] مجلة الجماعة، العدد السابع، سنة 1980، ص 8.
[6] نفسه، ص 9