أبرز ما جاء في وثيقة “قطاع التعليم العالي” للجماعة بشأن مشروع القانون 59.24

Cover Image for أبرز ما جاء في وثيقة “قطاع التعليم العالي” للجماعة بشأن مشروع القانون 59.24
نشر بتاريخ

أصدر قطاع التعليم العالي التابع لجماعة العدل والإحسان ورقة تحليلية مفصلة يوم الثلاثاء 24 نونبر 2025، تنتقد مشروع القانون رقم 59.24 المتعلق بالتعليم العالي والبحث العلمي، واصفا إياه بـ “المنطلق الخاطئ منهجية ومقاربة”. وتضمنت الورقة نقدا لاذعا للمقاربة الانفرادية للوزارة، وتحذيرا من “ضرب المكتسبات” و”تناقض المضمون”، داعية إلى “فتح حوار مجتمعي يحدد الفلسفة التربوية والخيارات الكبرى” قبل المضي قدما في المصادقة على المشروع.

نقد المنهجية وغياب التقييم

تؤكد الورقة في ديباجتها الأهمية القصوى لورش التعليم، مشيرة إلى أنه “سيظل، ورشا بالغ الأهمية، وأولوية قصوى عند كل الأمم التي تقود العالم أو تحلم بقيادته”، وأن هذا الورش تزداد أهميته كلما أطلت الأزمات الكبرى برأسها كما هو الشأن في وباء كوفيد 19 الذي عاشته البشرية في السنين الأخيرة، وأكد للعالم أن أولوية الأولويات هي التعليم والبحث العلمي.

وينتقد التحليل غياب أي تقييم للقانون الحالي 00-01، مشيراً إلى أن “منطلق كل إصلاح هو تقييم وتقويم ما كان معتمدا قبله”، وأن المشروع المقترح لم يبن “على أي تقييم للقانون الحالي 00-01” سواء في بنيته ومضمونه وفلسفة تشريعه، أو في المخالفات التي شابت تطبيق بنوده في أرض الواقع، وهو ما يطرح “سؤال وضوح الرؤية على وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار”.

وتدين الورقة اعتماد الوزارة لـ “المقاربة الأحادية في المسار التشريعي لمشروع القانون وإقصاء الشركاء”، حيث سلكت “منهجية فوقية إقصائية انفرادية في صياغة المشروع وإحالته بتسرع على المسطرة التشريعية”، رغم وعودها بعرضه للمناقشة مع النقابة الوطنية للتعليم العالي.

تجزيئ الإصلاح والتحكم

تعتبر الورقة أن ما تقوم به الوزارة والحكومة لا يعدو أن يكون “إصلاحا تجزيئيا يروم مزيدا من الضبط والتحكم”، في مخالفة صريحة لما تعيشه الأمم التي تحترم نفسها من “بسط للحرية الأكاديمية، وتوسيع لاستقلالية مؤسسات التعليم العالي”. وما يتبعها من وتجويد مستمر لحكامتها، وتحفيز للموارد البشرية، وتأهيل للفضاءات، بما يراعي حرمة المرتفقين وقيمة البحث العلمي.

وتشير إلى أن المطلب الأصيل الذي تنادي به كل مكونات التعليم العالي هو “الإصلاح الشمولي”، وليس مجرد تعديل قانوني بمعزل عن لوازمه ومقتضياته التي تبدأ بـ “تكريم قطب الرحى داخل المنظومة أي الأستاذ(ة) الباحث(ة)” مرورا بالإصلاح البيداغوجي وما يتطلبه من هندسة بيداغوجية متجددة، وما يلحقه من تعزيز لقدرات الطلبة على البحث والابتكار…

وتخلص الورقة إلى أن “كل هذا المسار يثبت بما لا يدع مجالا للشك غياب إرادة حقيقية للنهوض بمنظومة التعليم العالي والبحث العلمي”، وأن المقاربة المتبعة لا يمكنها “معالجة الإشكالية الحقيقية الكبرى للمنظومة”، بل قد تؤدي إلى الوقوع في “شراك إملاءات وتوصيات المؤسسات المالية الدولية المانحة”.

عيوب شكلية وإجهاز على المكتسبات

تنتقد الورقة العيب الشكلي المتمثل في “تغييب ديباجة مؤطرة للمشروع” على غرار القانون السابق، وما يمثله ذلك من “قفز على اختيارات مجتمعية ضابطة لوجهة التعليم العالي بالمغرب”، خاصة ما يتعلق بمبادئ العقيدة الإسلامية وتكافؤ الفرص، واحترام مبادئ حقوق الإنسان، ومواصلة تطوير التدريس باللغة العربية…

وتحذر من أن المشروع يضرب مبدأ المجانية وتكافؤ الفرص، حيث ينص على “التوقيت الميسر” المؤدى عنه في التكوين الأساسي، وهو ما يعتبر “تناقضا صارخا حتى مع ما جاء في القانون الإطار” الذي ينص على “ضمان الحق في الولوج المعمم إلى مؤسسات التربية والتعليم والتكوين”.

كما تسجل الورقة “الإجهاز على مكتسبات سابقة”، أبرزها السحب الضمني لصلاحيات “مجلس الجامعة” لصالح “مجلس الأمناء”، الذي يتمتع بصلاحية “إبداء الرأي في مشروع استراتيجية تطوير الجامعة قبل المصادقة عليها من قبل مجلس الجامعة”، وبهذا يصبح له “دور الموجه، بل الرقيب على مجلس الجامعة”. فضلا عن تقليص عدد الأساتذة الباحثين الممثلين فيه، مما يثير التساؤل حول دواعي هذا التباين.

تناقض الفلسفة وتكريس الوصاية

تؤكد الورقة أن المشروع يتناقض مع نفسه، فبالرغم من “الحديث عن الاستقلالية” في المادة 4، فإنه يشرع عكسها بـ “الوصاية” من خلال إحداث مجلس الأمناء بتركيبته التي تجعل جل أعضائه معينين، مما “يضرب في العمق استقلالية الجامعة وحريتها الأكاديمية”.

وتشير إلى أن هذا التناقض يكرس “السمة السلطوية والتحكمية للدولة”، ويؤدي بالضمن إلى التراجع عن خيار اللامركزية، كما يؤسس لازدواجية الصلاحيات وتنازع الاختصاصات بين مجلس الأمناء ومجلس الجامعة، كما هو الحال في بلورة الجانبين لاستراتيجية تطوير الجامعة.

وتنتقد الورقة التناقض في شروط التعيين، حيث نجد أن رئيس المؤسسة يشترط فيه أن يكون “من بين أساتذة التعليم العالي”، في حين أن رئيس الجامعة ورئيس مجلس الأمناء “لا تشترط فيه حتى أن يكون أستاذا باحثا”، وهو ما يثير التساؤل حول دواعي هذا التباين.

تكريس البلقنة وامتيازات الخاص

ترى الورقة أن المشروع يكرس “البلقنة في التعليم العالي وضرب مبدإ التوحيد”، حيث لجأ إلى “تكريس مزيد من البلقنة والتشتيت للمنظومة” بدلا من تفعيل توصيات “الميثاق الوطني للتربية والتكوين” بتجميع مختلف مكونات التعليم العالي بعد البكالوريا.

وتحذر الورقة من أن المشروع يمنح امتيازات للتعليم العالي الخاص، مما يؤدي إلى “صناعة لمجتمعين تحت سقف واحد” عبر إحداث فروق مجالية واجتماعية، كما أن الترخيص الممنوح لهذه المؤسسات الخاصة يتجاوز المعادلة إلى “التتويج بشهادات وطنية”.

كما ترى الورقة أن “الشراكة مع القطاع الخاص تدليس يشرعن لتبديد المال العام” لكونها تسمح للقطاع الخاص بالاستفادة من موارد الدولة وفق منطق “رابح/ خاسر”، خاصة عبر مساهمة الجامعات في رأسمال مقاولات خاصة دون ضوابط واضحة.

المقترحات ومداخل الإصلاح الصحيحة

كما دعت ورقة قطاع التعليم العالي للجماعة إلى “فتح حوار مجتمعي يحدد الفلسفة التربوية والخيارات الكبرى” التي ينبغي أن تعتمد مرجعا لكل مراجعة، مع ضرورة ربط ذلك كله بـ “إصلاح شامل يكون مدخله القطع مع الفساد والاستبداد”. وتحصين ذلك من خلال “جبهة مجتمعية” تكون الحارس الأمين لهذا الورش.

وبينما أكدت الورقة ضرورة الانطلاق من “تشخيص دقيق وتقييم شامل لتاريخ وواقع التعليم العالي” من أجل النفاذ للأسباب العميقة دون الاشتغال بالأعراض، شددت بالمقابل على ضرورة “اعتبار السيادة في مجال التربية والتعليم ضمن الأمن القومي الذي لا يمكن التساهل فيه ولا القبول بالإملاءات الخارجية في شأنه لا من دول ولا من مؤسسات مالية”.

ودعت الورقة إلى “تكريم كل مكونات منظومة التربية والتعليم، وخاصة واسطة العقد: نساء ورجال التعليم”، و”إشراك كل مكونات التعليم العالي أساتذة وإداريين وطلبة في مناقشة أي مشروع قانون منظم للتعليم العالي، وجعله مقصده آلية لتيسير التعاقد المسؤول وليس للتحكم والضبط”.

ونبه أساتذة التعليم العالي للجماعة في ختام الوثيقة إلى أن هذا المشروع قد يأتي على “ما تبقى من حياة في هذا الورش الحساس”، ويدمر أجيالا كل ذنبها أن مصيرها كان بيد غيرها، ولذلك ينبغي أن يستدرك الفضلاء والعقلاء ممن هم في المواقع التي تسمح لهم بالاستدراك، وضمنهم النقابة الوطنية للتعليم العالي ومكوناتها ما يمكن استدراكه.