أم لم يعرفوا رسولهم

Cover Image for أم لم يعرفوا رسولهم
نشر بتاريخ

أم لم يعرفوا رسولهم

ها قد أطل علينا الشهر العظيم الشهر الذي رصعه المولى بلؤلؤة تسمو فوق اللآلئ وأناره بنور أشرق له المشرق والمغرب وجعل مولد خير البرية في الثاني عشر منه.

فبمولد طه استنار الكون وأضاء، وابتهجت الكائنات وقرت أعينها بمقدم سيد الأنبياء والمرسلين الذي أسعد الإنس والجن والحيوان والنبات وحتى الحيتان في قعر البحار.

فما أعظمك يا سيدي يا رسول الله. وما أسعدنا بك! بحضرتك الشريفة نلنا الخيرية فكنا خير أمة أخرجت للناس، وبانتسابنا إلى مقامك العالي بالله حظينا بالريادة إذ جعل الله عز وجل أمة محمد صلى الله عليه وسلم أشرف الأمم، نفى عنها العذاب وسيد الخلق فيها إذ قال عز من قائل: ما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم. 1 فالآية نزلت حقا في صحبه الكرام رضوان الله عليهم نزلت في سيدنا عمر رضي الله عنه الذي قال: لأنت يا رسول الله أحب إلي من مالي وأهلي…حتى قال من نفسي.)، ونزلت في سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه الذي سخر نفسه وماله وولده لنشر الرسالة السامية التي جاء بها الرسول صلى الله عليه وسلم، ونزلت في سيدتنا نسيبة رضي الله عنها التي ذادت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ساحة الوغى وترست عنه وجعلت جسدها درعا منيعا يحمي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما من طعنة أورمية إلا وتحملتها رضي الله عنها دفاعا وحبا لرسول الله صلى الله عليه وسلم. ونزلت في سيدتنا أم حرام التي ما تمنت على الله شيء أفضل من أن تخوض البحر لتجاهد مع المجاهدين وتسهم في نشر الإسلام وتبليغ دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم…

فالآية حقا نزلت في هؤلاء وأمثالهم من الصحب الكرام رضوان الله عليهم؛ لكنها لا تقتصر عليهم كما ذهب المفسرون إذ أن معناها يشمل أمة محمد صلى الله عليه وسلم إلى قيام الساعة ما دامت تقيم سنته وتتبع تعاليم دينه، فمحال أن يصيبها العذاب وقد نفاه الله عنها بأشد صيغ النفي في اللغة العربية: «ما كان».

لكن عذرا يا سيدي يا رسول الله فقد بدلنا وضيعنا وحذنا عن الطريق وعطلنا العمل بسنتك؛ فبنينا الدور وفرشناها بل وزيناها بالربا، وسادت الزنا في أبنائنا وبناتنا، وعاقر رجالنا الخمر، ونهبنا وسرقنا وظلم بعضنا بعضا.

ومن ثم أصابنا العذاب يا سيدي يا حبيب الله بما قدمت أيدينا، وتكالبت علينا الأمم فنهشتنا ومزقتنا شر ممزق، وسلط الله علينا السفهاء فباعوا الأرض والديار وعبثوا بخيراتنا وساقونا إلى سوق النخاسة…حتىأكرمنا لنا المولى الكريم بولي من أوليائه كرس حياته كلها في دعوة الناس للعودة إلى سنتك بعد أن أزال عنها ما علق بها من شوائب الفهم السيئ، وأنار لنا الطريق من جديد. فجزى الله عنا الأستاذ عبد السلام خير الجزاء، وإننا على العهد ماضون عسى أن يرفع عنا مولانا العذاب وقد صدقت يا سيدي يا رسول الله لما قلت وقولك الحق: “ما من عثرة واختلاج عرق، ولا خدج عود إلا بما قدمت أيديكم، وما يعفو الله أكثر.”

رجاؤنا أن يشملنا عفو الكريم وأن يعيد للأمة عزتها وسؤددها حتى تتبع سنة الحبيب صلى الله عليه وسلم وتسعد في حياتها ومماتها. آمين آمين والحمد لله رب العالمين.


[1] الأنفال:33