تحتفي المرأة بيومها العالمي في يوم 8 مارس من كل عام، وفي هذا اليوم وقُبَيْلَه وبُعَيده يتجدد النقاش حول وضعيتها المثقلة بأوحال التاريخ، ومظلوميتها المزمنة في هذا العالم الذي يبدو أنه لا يكترث لما تكابده مستضعَفة المستضعفين إلا بما تجلبه له آلامها من رفاه في العيش، وبما يضخه كَبَدُها في حركة الاقتصاد من دمها وصحتها وكرامتها وحقوقها التي تمتصها رؤوس الأموال الفاسدة وتُنهكها الأعراف البالية وتهينها المبادئ المتنكرة لإنسانيتها.
تحتفي المرأة بهذا اليوم هذا العام، إن جاز تعبير “الاحتفاء”، على عويل الأيتام والثكالى والأرامل والمهجّرين من بلدانهم إلى المجهول على أبواب القارة العجوز الموصدة في وجوههم، أو آهات الموؤودات والموؤودين تحت الأنقاض ببراميل البارود الملقاة على الرؤوس من علٍ والألغام المتفجرة تحت الأقدام، أو خرير نزيف الكرامة والحرية تحت نير الاستبداد الذي يسترق المرأة مقابل لقمة عيش بطعم الذل… ولا نستثني من هذه الحرب ما تتعرض له المرأة من حرب قذرة تُستعمل المرأة على واجهة براقة العناوين جذابة الشعارات تُخفي خلفها فطرة مدمَّرة وروحا كسيحة وإرادة مستعبَدة.
أشكال وألوان من الظلم الذي تئن المرأة بنِيره وتنتظر، بوعي أو بغير وعي، يدا تستنقذها منه وتنتشلها من وهدتها التي طال مكثها في ظلماتها. أشكال وألوان من الاستعباد ومن الاستبداد ومن الاستضعاف، الظاهرُ فيها أن بعضها أخف من بعض، والحقيقة أن مرارة طعمها في روح المرأة وكيانها واحد، وشدةَ وطأتها على كاهلها واحدة، وضريبتها من إنسانيتها وحريتها وكرامتها وإرادتها ومصيرها هي هي.
ومما يزيد مشهد هذه الكوميديا السوداء حلكة أن ينبري الاستبداد العالمي أو المحلي لإحصاء ما يعُدّه أفضالا على المرأة في يومها الأممي.
وننزل من أبراج ما يعد به هذا الاستبدادُ وملحقاته ومشتقاته المرأةَ المغربية من حرية متوهَّمة، وما يمنّ عليها به من كرامة مزعومة، وما يبثه في إعلامه من صور مزوقة منمقة لما يعتبره إنجازات اجتماعية واقتصادية وحقوقية لصالحها… ننزل من ذاك إلى واقع ما يوعِدها به على الأرض مما تبديه حقيقة الميدان الذي لم تفلح آلته الدعائية في إخفائه.
فالأستاذات المتدربات، مربيات أجيال المستقبل، اللائي تُهَشم رؤوسهن على الملإ دون أن يؤنب الجلادين وآمريهم ضمير، والحوامل اللائي يضعن حملهن على أبواب المستشفيات أو في زوايا ممراتها الضيقة أو على أرصفة الشوارع أمام الرائح والغادي، في صورة بشعة لما لا نجد له مرادفا في قاموس الظلم الاجتماعي، والقرويات المحاصرات خلف الجبال ووسط الثلوج وبين مخالب التفقير وأنياب التجهيل، يحملن على كواهلهن ما ينوء بالرجال، والنساء اللائي تتحملن مسؤولية بيوت تجمعن فيها بين وظائف الآباء والأمهات… ما هؤلاء جميعا في مشهد الاستبداد الذي تستفرد فيه القلة القليلة من النافذين بالكثرة الكاثرة من ثروات البلد وبكل سلطات الحكم إلا أمثلة قليلة صارخة تفضح المشهد المزري بالمرأة والرجل على حد سواء.
غير أنه حين يكون العدل الوحيد الذي يعدل به الاستبداد بين الرجل والمرأة هو الظلم، فن معناه أن المرأة تتجرع من آلام مكابدته أضعاف أضعاف ما يكابده هو. وإن من التخفيف عن المرأة أن يحمل الرجل عنها أكثر أعبائها ثقلا، وأن يحمل عنها في طريقهما إلى مستقبل أمتهما.