بعد سنوات من اختفاء مثل هذه المشاهد، ظهرت مؤخرا عدة أشرطة توثق لهجرة شباب مغاربة عبر قوارب الموت وسط عباب البحر الأبيض المتوسط في اتجاه الضفة الأوربية بحثا عن أرض تحتضنهم وتحفظ كرامتهم، وتوفر لهم سبل العيش.
في هذا الصدد، يقول الدكتور بوبكر الونخاري أنه “عادت قوارب الموت لتوقع شهادة موت حس المسؤولية لدى السلطة القائمة، بل مرورها إلى مرحلة استرخاص أرواح الناس في إطار مزايدات ممجوجة شكلا ومضمونا، و صار بعض شباب الوطن مع أول فرصة متأهبا للفرار، ولسان حاله يقول “اللهم أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها””، مضيفا في حديث لموقع الجماعة.نت “هؤلاء الشباب من بسطاء هذا الوطن، ممن ضاقت بهم السبل، لم يعد لهم من هم إلا الفرار من قهر الوطن، متسائلا هل تعرف معنى أن تركب قاربا صغيرا مع العشرات من اليائسين لقطع الأميال في عرض البحر، مع احتمال كبير لعدم الوصول حيا؟”، ليردف قائلا “أن تختار الاقتراب من الموت معناه أنك تعيش شبه الموت في بلدك، وأنك فقدت الأمل في كل خطاب، وأنك ستلعب آخر أوراقك: “يا ربحة يا ذبحة””.
هجرة على مضض
يعبر عبد الله، وهو شاب تجاوز الثلاثين بخمس سنوات، عن رغبة شديدة في مغادرة البلاد نحو الديار الأوربية، لكي ينال حظه من العيش بكرامة افتقدها هنا، مشيرا إلى أنه يحيى أزمة شبابية كباقي أقرانه، تدفعه للتفكير بجدية وعلى مضض بترك الوطن والبحث عن مورد رزق في بلد آخر.
بعد الباكالوريا درس سنتين ونال شهادة لم تسعفه لولوج سوق الشغل رغم محاولاته المتكررة والمضنية طرق فيها مختلف الأبواب، وبعد سنوات من البطالة اشتغل عبد الله قبل أشهر رجل أمن خاص في شركة بعد وساطة أحد معارفه، بعدما اضطرته ظروفه الاجتماعية الهشة بقبول أي عمل يجني منه مالا يسد به بعض الخصاص الذي يعانيه وأسرته، يقول “في هذا السن أحس بأن زهرة عمري تذبل في هذا الوطن، رغم أني أحمل طاقة كبيرة للعمل وتقديم خدمات مهنية في مجال تخصصي، والمساهمة في تنمية البلاد كمواطن صالح، لكن لا شيء يشجع على العيش هنا، بل تقتل فينا الرغبة في الاستمرار فوق هذه الأرض”.
ويضيف هذا الشاب في الحديث ذاته “منذ سنوات أفكر في الهجرة إلى أوربا، هناك حيث تعيش إنسانيتك وتنال حقوقك” مستطردا “من كثرة تفكيري في الهجرة تعرضت للنصب من طرف أحد المحتالين الذي وعدني بالهجرة إلى اسبانيا بطريقة شرعية عن طريق عقد عمل محدود، لكن بعد مدي إياه بمبلغ فاق 5000 درهم التي جمعتها بصعوبة خلال الأشهر التي عملتها، اختفى أثره وغير رقم هاتفه، فكانت هذه أزمة أخرى ضاعفت من مشاكلي الاجتماعية والنفسية”.
هجرة داخلية تقاوم فكرة ترك الوطن
يرفض صديق عبدالله أن ييوافق فكرة هذا الأخير في الهجرة بسبب انسداد الأفق في البلاد وضرورة البحث عن أمل في العيش الكريم في دولة أوربية، لافتا أن البلاد تحمل من الثروات ما يكفيها لتنمو وتصير في مصاف الدول المتقدمة.
وأكد هذا الطالب الجامعي أن الدولة ينخرها الفساد والهجرة لن تزيد إلا في إطالة عمر الاستبداد، فإذا هاجر الشباب وهو ركيزة المجتمع وأساس نمائه، ويشكل النسبة الأكبر من تعداد ساكنته، ستتسع دائرة الأزمة التي لن تضر غير الشعب ولن يتنفع منها غير المستحوذين على السلطة والثروة.
ودعا المتحدث الشباب المغربي إلى الابتعاد عن الحلول السهلة وإن كانت تحمل في طيها مخاطر، مثل الهروب إلى دول أخرى عبر الهجرة البحرية وغيرها، والالتفاف حول قضايانا الجوهرية والنضال بكافة السبل السلمية والمشروعة من أجل تحرير البلاد من ربقة الفساد الاستبداد.
وختم قائلا “بدل أن نهجر البلاد، لنهجر الجهل والملهيات والمخدرات نحو التعلم والبحث عن الحلول لتوعية الشعب والنهوض بالبلاد.
شباب لا يطلب المستحيل
لا يخفي الونخاري حزنه وخوفه عن هؤلاء الشباب المغامرين بحياتهم في سبيل الانعتاق “لأنهم حرموا من كل شيء حتى صاروا أكثر جرأة على الموت، لافتا إلى أن تعريض حياة أجيال للتدمير هو لعب بالنار نخشى نتائجه، مستطردا” هؤلاء الشباب لا يطلبون المستحيل، بل مطالب عادية ومشروعة وأولوية، تتجلى في الكرامة، والقدرة على العيش، والإحساس أن الوطن لكل المواطنين، وليس لفئة من المواطنين الذي لا يتصورون المغرب غير بقرة حلوب، يوم يجفّ ضرْعُها ينتهي انتماؤهم له”.
وتابع “من ظلم الظالمين فشلهم (المقصود) في تمكين الشباب من تعليم جيد ومسؤول ومؤسس للشخصية البانية المساهمة في التطور والنهضة. خربوا التعليم عن “سبق إصرار” لأنهم يعلمون أن النور يبدد الظلام، و من ظلم الشباب حرمهم من حقهم في العيش الكريم، بل لم يوفر قسوة إلا وردَّ بها على كل مطالب بالكرامة. فكانت الاعتقالات والمحاكمات والأحكام القرونية جوابا على مطالب الناس. هل بعد هذا يبقى لهم مكان، وإن كنا نرى أن الوطن أولى بشبابه”.
ليختم مؤكدا ” دوما كنا نلح أن الاستبداد مكلف للوطن، واليوم نجدد الإلحاح، مع التأكيد أنه صار خطرا على التماسك الاجتماعي”.