بناتنا والحجاب |3| عوائق ارتداء البنات للحجاب

Cover Image for بناتنا والحجاب |3| عوائق ارتداء البنات للحجاب
نشر بتاريخ

يأتي أمر الحجاب كعبادة ربانية تمتزج مع الفطرة البشرية، تعد من أولى ما ينبغي تعليمه وتدريبه للفتاة، خاصة حينما تبدأ تظهر عليها علامات البلوغ. ومع ذلك ليس من السهل إقناع البنت بلبسه، هذه الحقيقة يجب أن نتفهمها حتى نستطيع التعامل معها. فما تمر به البنات اللواتي يرفضن ارتداء الحجاب وما يجده الوالدان من صعوبة في إقناعهن أمر طبيعي جدا، خاصة في مرحلة المراهقة التي تتسم بالعناد والرغبة في إثبات الذات، حتى لو كان ذلك بالمخالفة لمجرد المخالفة، لذا يفترض بالوالدين البحث عن مفاتيح جديدة تعينهما في تجاوز هذه الأزمة، وأول خطوة تتمثل في تحديد العوائق والمشاكل التي تعترضهما.

انطماس الفطرة

الفطرة معناها استواء الخِلقة الباطنية للولد المعبر عنها بالقلب، المجبولة على الإيمان بالله جل وعلا ومعرفته. أما في عصرنا الحالي فالمدخلات كثيرة ومتشعبة، والمجتمعات مفتوحة على ثقافات وأفكار مختلفة، والشباب واقع تحت تأثير حضارة العمران والتمدين، فنجد أثر ذلك تشوها صارخا في الفطرة. فدعوات التيارات المعادية للإسلام تحاول جاهدة مسخ الأنثى وطمس هويتها، وتشويه فطرتها الأنثوية التي تنتعش فيما شرعه الله تعالى، عن طريق حملات التشكيك في الحجاب، والتي تعددت مسبباتها ومصادرها، وتلونت أساليبها وطرقها.

والوسيلة الصحيحة لمواجهة خطر هذه الحملات وتأثيراتها على بناتنا هي بناء استراتيجيات وقائيـة طويلة المدى، تساعد على حصانة البنات من الشبهات، فالوقايـة هـي إحـدى الاستراتيجيات الكبرى المأمور بتطبيقها في تربية الطفل امتثالاً لقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ [التحريم، 6]. ومن الإجراءات الوقائية تعزيز الشعور العميق لدى البنت بانتمائها لأمة الإسلام، وتربيتها على أبعاد الهوية الإسلامية ومرتكزاتها الأساسية، حتى ترتبط بها عقيدة وعبادة، وتتصل بها منهاجاً ونظاما. ومما يدل على ذلك ما ورد عن جندب بن عبد الله رضي الله عنه قال: “كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ فِتْيَانٌ حَزَاوِرَةٌ، فَتَعَلَّمْنَا الْإِيمَانَ قَبْلَ أَنْ نَتَعَلَّمَ الْقُرْآنَ، ثُمَّ تَعَلَّمْنَا الْقُرْآنَ فَازْدَدْنَا بِهِ إِيمَانًا” [صحيح ابن ماجه].

أثر وسائل التواصل الاجتماعي

الحقيقة التي لا يمكن تجاهلها، هو أثر الإعلام الرقمي القوي والفعال في بلورة شخصية بناتنا وتحديد معالمها. فالبنت تأخذ بالتأثر والتفاعل معها، فتقتبس مختلف أنماط السلوك والمعتقدات وأساليب العيش. فوسائل الإعلام ساهمت بشكل كبير في انتقال القيم والثقافات المختلفة لبناتنا، ويتم تمرير هذه الثقافة من خلال الرسوم المتحركة والأفلام والموسيقى وألعاب الفيديو وغير ذلك من الوسائل الجذابة التي تؤثر في وجدان البنت، بحيث تبني شخصيتها من النماذج التي تقدم لها. ويمكن ملاحظة ذلك من خلال التغيرات الكثيرة التي يعيشونها بفعل التفاعل مع مواقع التواصل الاجتماعي، وما تبثه من أفكار وقيم وعادات جديدة، مما أثر في نظرتهن للأشياء، وبالتالي تسبب في إرباكهن، وأدى إلى وقوعهن في حيرة بين الأصالة والمعاصرة، وهذا ما أثر على سلوكياتهن وعلى علاقاتهن، بل وجعلهن أكثر انطواء داخل غرفهن.

إن التحديات والإكراهات كثيرة في عصر غزو الثقافة الإلكترونية للبيوت، ولكن مع ذلك يبقى وعي الوالدين وحسن تصرفهما أهم وسائل مقاومة هذا الزحف الجارف، وذلك عن طريق مواكبة التحديات الراهنة، ومعرفتهما المسبقة بمكونات هذه الثقافة ووسائطها، الصالح فيها والطالح، التي لا ينبغي أن تحمل طابع المنع أو الزجر أو التهديد. وأيضا لا بأس من مشاركتهما بناتهما عند مشاهدة أو استعمال الوسائط الإلكترونية، قد يكون أفضل من المراقبة والترصد.

أساليب المعاملة الوالدية الخاطئة

من الواجبات العظيمة المنوطة بالوالدين تربية الأولاد والعمل على تنشئتهم التنشئة الصالحة التي تخدم دينهم ودنياهم، فهما مسؤولان إلى حد كبير عن تحديد سمات شخصية ولدهما وسلوكه في المستقبل.  فتوازن شخصيته يتوقف على أسلوب التربية الذي يعتمده الوالدين في تنشئته. فالأسرة هي التي تصنع الطفل بما تعلمه وتؤدبه وتغرس فيه مـن السلوكيات، التي قد تكون غير سوية مما قد يتطور لتظهر أعراض التمرد؛ كرفض البنت ارتداء الحجاب مثلا. وهذا الرفض غالبا ما يكون سببه أساليب التربية الخاطئة، ونذكر منها:

التسلط والتشدد

ويعني تحكم الأب أو الأم في نشاط الطفل ومنعه من القيام بسلوك معين لتحقيق رغباته التي يريدها حتى ولو كانت مشروعة، ويصاحب ذلك استخدام العنف. وهذا من شأنه أن يؤدي إلى تكوين شخصية ضعيفة ميالة إلى الخروج عن القواعد والأنظمة. وهذا الأسلوب قد يعتمده بعض الآباء والأمهات ظانين أنه هو السبيل الأمثل لإقناع ابنتهما بالحجاب. ولكن هذه ليست الطريقة الوحيدة، ويمكن استبدالها بطرق أخرى قد تضمن تفاعلا أفضل من قبلها. من هذه الطرق مثلاً: النقاش والإقناع، وهي وسيلة جيدة بدلاً من التسلط التربوي.

التساهل والتراخي

ونقصد به تساهل الوالدين مع ولدهما وعدم إلزامه بنظام معين، وتركـه يفعـل مـا يشـاء دون توجيـه أو مساءلة. ومن آثار هذا الأسلوب على الطفل أنه يصبح ذا شخصية مترددة وقلقة، بلا قواعد أو حدود واضحة بين الصواب والخطأ والواجبات والحقوق، فيسهل عليه مخالفة القوانين. فالوالدان يلجآن إلى هذا الأسلوب كبديل عن التربية الصارمة، ظنا منهما أن التساهل مع الأولاد وسيلة للتقرب منهم، إلا أن عدم حزمهما في تطبيق منظومة الثواب والعقاب، يشجعهم على الفوضى واللامبالاة. وهذا ما نلاحظه عند كثير من الآباء والأمهات من التساهل مع مسألة الحجاب وعدم بذل الجهد الكافي لإقناع ابنتهما به. ولعلاج هذا الأسلوب على الوالدين إعطاء الأولاد قدرا معقولا من الحرية والمسؤوليات مع تعريفهم بأن الحرية يقابلها الإلزام، والحقوق تقابلها الواجبات.

التذبذب والتردد

ونعني به عدم اسـتقرار الوالـدين مـن حيـث اسـتخدام أسـاليب الثـواب والعقـاب، بمعنـى آخـر قد يثاب الولد على نفس السلوك، وقد يعاقب عليه مرة أخرى.  كما نعني به التنــاقض بــين أســلوب معاملــة الأب وأســلوب معاملــة الأم، مثل لجوء الأم إلـى التساهل في مسألة الحجاب، في حين أن الأب يكون صـارما وحازما، ويترك هذا الأسلوب آثار سلبية على شخصية البنت، حيث تجد صعوبة في التمييز بين الصواب والخطأ، ولتجنيبها هذه الصراعات على الوالدين تبني سياسة ثابتة في تربية ابنتهما والاتفاق على مبادئ موحّدة حتى تصل لها المعلومة أو المبدأ الذي يريدان تعليمه لها، والعمل على تقسيم المسؤوليات بينهما من خلال الحوار الإيجابي والبناء.