المغرب والفرص الضائعة

Cover Image for المغرب والفرص الضائعة
نشر بتاريخ

كم كنا سنكون سعداء بنتيجة الاستفتاء، وكم كنا سنحترم نتيجته رغم اختلافنا مع كثير من مضامينه وأحكامه لو كانت هذه النتيجة تعبر عن إرادة الشعب حقا، ولو مرت عملية الاستفتاء في أجواء حرة ونزيهة وشفافة، ولو ظلت الإدارة محايدة، ولو كان الإعلام حرا، ولو لم تتدخل وزارة الداخلية في العملية من ألفها إلى يائها لتزور وتحشر الأموات من الأجداث للتصويت بنعم، ولو تم التعامل مع كل الأطراف بالمساواة المطلوبة، ولو كنا نعيش حياة سياسية حقيقية بأحزاب حقيقية وليس بمقاولات سياسية تروج أسهمها في بورصة المخزن، ولو كنا نمتلك مؤسسات حقيقية وتعددية حقيقية وبرامج حقيقية.

كنا سنعتبر أننا لم ننجح في إقناع الشعب ببرامجنا ومطالبنا، حينها كنا سنحترم إرادة الشعب ورغبته وأغلبيته، وننسحب لنعيد حساباتنا ونرتب أوراقنا بكل روح سياسية ورياضية، بكل احترام لمبادئ الديمقراطية؛ فلربما أخطأنا التقدير أو قصرنا عند التنفيذ، وكل هذا وارد في السياسة ومقبول لدى البشر.

كنا سنكون سعداء لو اعتبر النظام هذه المحطة استفتاء عاديا، كما الحال في كل بلاد الدنيا المتحضرة وليس مبايعة، لو اعتبر الدستور تعاقدا جديدا بين فئات المجتمع وليس صك امتلاك ومنحة شريفة تكرم بها “جلالة الملك” على رعاياه.

لكن للأسف، ما من يوم يمضي وما من استحقاق يمر منه المغرب إلا ويتأكد لنا بالملموس -وأكثر من السابق- أن خلاصاتنا صحيحة يصدقها الواقع والممارسة، ويتأكد أننا أمام نظام استبدادي شمولي لا يزداد يوما بعد يوم إلا استهتارا بإرادة شعبه وكرامته وتشبثا بامتيازاته وسلطاته المطلقة، كنا نتمنى أن يتفهم “المتحكمون فينا” قهرا دقة المرحلة وخصوصيتها، ويستغلوا الفرصة لعقد مصالحة مع الشعب وفتح صفحة سياسية جديدة. لكن للأسف يأبى المخزن إلا أن يفوت الفرصة تلو الأخرى ويدخل البلد في متاهة لا يعلم إلا الله نهايتها.

كنا نتمنى أن يفتح المخزن آذانه ولو لمرة ليصغي إلى مطالب الشعب بدون وسطاء، وقد خرجوا ليعبروا عنها بالآلاف في مدن المغرب وقراه، وقد بذلوا أرواحهم لإسماع أصواتهم، لكن لا حياة لمن تنادي.

كنا نتمنى أن يكون المخزن حيا وإيجابيا ولو لمرة في حياته، ويتخلص من نسبة 99 في المائة التي صارت نكتة باردة تبعث على الاشمئزاز؛ لكن للأسف، لا حياة لمن تنادي.

كنا نتمنى ونتمنى ونتمنى ولكن:ليس كل ما يتمنى المرء يدركه

تجري الرياح بما لا تشتهي السفنفسياسيونا خارج الزمان والجغرافيا، لا يرون أبعد من مكاتبهم وكراسيهم، يفتقدون كل رؤية مستقبلية استشرافية، مغامرون مقامرون اختاروا أن يغامروا بمستقبل المغرب واستقراره بإصلاحات تلفيقية ترقيعية مخدرة، سرعان ما ستكشف الأيام عن زيفها كسابقاتها من الوعود والشعارات.