القرآن الكريم فضله وحرمته وما أعد الله تعالى لقارئه من الأجر والثواب

Cover Image for القرآن الكريم فضله وحرمته وما أعد الله تعالى لقارئه من الأجر والثواب
نشر بتاريخ

قال الله تعالى: ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مذكر، وسمى الله تعالى القرآن كريما فقال تعالى: إنه لقرآن كريم، وسماه حكيما فقال تعالى: يس والقرآن الحكيم، وسماه مجيدا فقال تعالى: ق والقرآن المجيد، أنزله الله تعالى على سيد الأنام وخاتم الأنبياء الكرام عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام، فكان من أعظم معجزاته أن أعجز الله الفصحاء عن معارضته وعن الإتيان بآية من مثله قال تعالى: قل فأتوا بسورة مثله، وقال تعالى: قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا، فهو النور المبين والحق المستبين لا شيء أسطع من أعلامه، ولا أصدع من أحكامه، ولا أفصح من بلاغته، ولا أرجح من فصاحته، ولا أكثر من إفادته، ولا ألذ من تلاوته، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “القرآن فيه خبر من قبلكم، ونبأ من بعدكم، وحكم ما بينكم”.

وقال صلى الله عليه وسلم أيضا: “إن أصغر البيوت بيت ليس فيه من كتاب الله تعالى شيء”.

وقال الشعبي رحمه الله: “الذي يقرأ القرآن إنما يحدث عن ربه عز وجل”.

ووفد غالب بن صعصعة على سيدنا علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ومعه ابنه الفرزدق، فقال له: “من أنت؟” قال: “غالب بن صعصعة”، قال: “ذو الإبل الكثيرة؟” قال: “نعم”، قال: “فما فعلت بإبلك؟” قال: “أذهبتها النوائب، وزعزعتها الحقوق”، قال: “ذلك خير سبلها”، ثم قال له: “يا أبا الأخطل، من هذا الذي معك؟” قال: “ابني، وهو شاعر”، قال: “علمه القرآن فهو خير له من الشعر”، فكان ذلك في نفس الفرزدق حتى قيد نفسه وآلى على نفسه أن لا يحل قيده حتى يحفظ القرآن، فحفظه في سنة، وفي ذلك قال:

وما صب رجلي في حديد مجاشع ** مع القيد إلا حاجة لي أريدها

وقال سيدنا أنس رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يا بني، لا تغفل عن قراءة القرآن إذا أصبحت وإذا أمسيت، فإن القرآن يحيي القلب الميت، وينهى عن الفحشاء والمنكر”.

وكان سفيان الثوري رحمه الله تعالى إذا دخل رمضان ترك جميع العبادة وأقبل على قراءة القرآن.

وكان الإمام مالك بن أنس رحمه الله تعالى إذا دخل شهر رمضان يفر من مذاكرة الحديث ومجالسة أهل العلم، ويقبل على القراءة في المصحف.

وكان أبو حنيفة والشعبي رحمهما الله تعالى يختمان في رمضان ستين ختمة.

وقال سيدنا علي رضي الله تعالى عنه: “من قرأ القرآن فمات فدخل النار، فهو ممن كان يتخذ آيات الله هزؤا”. وقال الشعبي رحمه الله: “اللسان عدل على الأذن والقلب، فاقرأ قراءة تسمعها أذنك ويفهمها قلبك”.

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من قرأ القرآن ثم رأى أن أحدا أوتي خيرا منه فقد استصغر ما عظم الله”. وقال صلى الله عليه وسلم: “إن القلوب لتصدأ كما يصدأ الحديد”، قيل: يا رسول الله، وما جلاؤها؟ قال: “قراءة القرآن وذكر الموت”.

وقال عمر بن ميمون رحمه الله: “من نشر مصحفا حين يصلي الصبح فقرأ مائة آية رفع الله له مثل عمل جميع أهل الدنيا”.

وقال سيدنا ابن عباس رضي الله عنهما: “لأن أقرأ البقرة وآل عمران أرتلهما وأتدبرهما أحب إلى من أن أقرأ القرآن كله هَذْرمةً”.

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “اقرؤوا القرآن وابكوا، فإن لم تبكوا فتباكوا”.

وعن صالح المزني رحمه الله قال: “قرأت القرآن على رسول الله في المنام فقال لي: يا صالح، هذه القراءة، فأين البكاء؟”.

وكان سيدنا عثمان رضي الله عنه يفتتح ليلة الجمعة بالبقرة إلى المائدة، وليلة السبت بالأنعام إلى هود، وليلة الأحد بيوسف إلى مريم، وليلة الاثنين بطه إلى طسم نبأ موسى وفرعون، وليلة الثلاثاء بالعنكبوت إلى ص، وليلة الأربعاء بتنزيل إلى الرحمن، ويختم ليلة الخميس.

وعن سيدنا علي رضي الله عنه: “لا خير في عبادة لا فقه فيها، ولا خير في قراءة لا تدبر فيها”.

وكان عكرمة رضي الله تعالى عنه إذا نشر المصحف أغمي عليه، ويقول: “هو كلام ربي”.

وأبطأت سيدتنا عائشة رضي الله عنها على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة فقال: “ما حبسك؟” قالت: “قراءة رجل ما سمعت أحسن صوتا منه”، فقام فاستمع إليه طويلا ثم قال: “هذا سالم مولى أبي حذيفة، الحمد الله الذي جعل في أمتي مثله”.

وقال ابن عيينة رحمه الله: “رأيت رسول الله في المنام، فقلت: يا رسول الله، قد اختلفت علي القراءات فعلى قراءة من تأمرني؟ فقال: على قراءة أبي عمرو”. وإني لم أزل أطلب أن أقرأه كما قرأه رسول الله وكما أنزل عليه فقدمت مكة فلقيت بها عدة من التابعين ممن قرأ على الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، فقرأت عليهم.

وقال الشيخ محي الدين النووي رحمه الله تعالى في كتابه “الأذكار”: قد كان للسلف رضي الله عنهم عادات مختلفة في القدر الذي يختمون فيه، فكانت جماعة منهم يختمون في كل شهر ختمة، وآخرون في كل عشر ليال ختمة، وآخرون في كل ثلاث ليال ختمة، وكان كثيرون يختمون في كل يوم وليلة ختمة، وختم جماعة في كل يوم وليلة ختمتين، وختم بعضهم في اليوم والليلة ثمان ختمات أربعا في الليل وأربعا في النهار.

وروي أن مجاهدا رحمه الله تعالى كان يختم القرآن في شهر رمضان فيما بين المغرب والعشاء. وأما الذين ختموا القرآن في ركعة فلا يحصون لكثرتهم، فمنهم عثمان بن عفان وتميم الداري وسعيد بن جبير رضي الله تعالى عنهم.

وروينا في مسند الإمام المجمع على حفظه وجلاله وإتقانه وبراعته أبي محمد الدارمي رحمه الله عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: “إذا وافق ختم القرآن أول الليل صلت عليه الملائكة حتى يصبح، وإذا وافق أول النهار صلت عليه الملائكة حتى يمسي”. قال الدارمي رحمه الله: هذا حديث حسن.

عن سعد رضي الله عنه: “وأفضل القراءة ما كان في الصلاة، وأما في غير الصلاة فأفضلها قراءة الليل، والنصف الأخير منه أفضل من الأول، والقراءة بين المغرب والعشاء محبوبة، وأما قراءة النهار فأفضلها بعد الصبح، ولا كراهة في وقت من الأوقات، ولا في أوقات النهي عن الصلاة، ويستحب الاجتماع عند الختم لحصول البركة”.

وقيل إن الدعاء يستجاب عند ختم القرآن، وإن الرحمة تنزل عند ختمه، ويستحب الدعاء عقب الختم استجابا مؤكدا تأكيدا شديدا.

ويجب على القارئ الإخلاص في قراءته وأن يريد بها وجه الله تعالى، وأن لا يقصد بها توصلا إلى شيء سوى ذلك، وأن يتأدب مع القرآن ويستحضر في ذهنه أنه يناجي ربه سبحانه وتعالى، ويتلو كتابه فيقرأ على حالة من يرى الله تعالى، فإنه إن لم يكن يراه فإن الله يراه.

وينبغي للقارئ إذا أراد القراءة أن ينظف فمه بالسواك، وأن يكون شأنه الخشوع والتدبر والخضوع، فهذا هو المقصود المطلوب وبه تنشرح الصدور، ويتيسر المرغوب، ودلائله أكثر من أن تحصر، وأشهر من أن تذكر. وقد كان الواحد من السلف رضي الله عنهم يتلو آية واحدة ليلة كاملة يتدبرها.

ويستحب البكاء والتباكي لمن لا يقدر على البكاء، فإن البكاء عند القراءة صفة العارفين، وشعار عباد الله الصالحين، قال الله تعالى: ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا.

وقال السيد الجليل صاحب الكرامات والمعارف والمواهب واللطائف إبراهيم الخواص رضي الله تعالى عنه: “دواء القلب خمسة أشياء: قراءة القرآن بالتدبر، وخلو البطن، وقيام الليل، والتضرع عند السحر، ومجالسة الصالحين”.

وقد جاءت آثار بفضيلة رفع الصوت بالقراءة، وآثار بفضيلة الإسرار، قال العلماء: إن أراد القارئ بالإسرار بعد الرياء فهو أفضل في حق من يخاف ذلك، فإن لم يخف الرياء فالجهر أفضل بشرط أن لا يؤذي غيره من مصل أو نائم أو غيرهما.

والأحاديث في فضل القراءة وآداب حملة القرآن كثيرة غير محصورة، من أراد الزيادة فلينظر في كتاب “التبيان في آداب حملة القرآن” لشيخ مشايخ الإسلام محي الدين النووي قدس الله روحه ونور ضريحه.

وقد جاء في فضل القرآن أحاديث كثيرة وروي في فضل قراءة سور من القرآن في اليوم والليلة فضل كبير منها: يس، وتبارك الملك، والواقعة، والدخان، فعن سيدنا أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: “من قرأ يس في يوم وليلة ابتغاء وجه الله تعالى غفر له”. وفي رواية له: “من قرأ سورة الدخان في ليلة أصبح مغفورا له”.

وفي رواية عن ابن عباس وابن مسعود رضي الله عنهم: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “من قرأ سورة الواقعة كل ليلة لم تصبه فاقة”.

وعن سيدنا جابر رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينام كل ليلة حتى يقرأ ألم تنزيل الكتاب، وتبارك الملك”.

وعن سيدنا أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: “من قرأ في ليلة إذا زلزلت الأرض كانت له كعدل نصف القرآن، ومن قرأ قل يا أيها الكافرون كانت له كعدل ربع القرآن، ومن قرأ قل هو الله أحد كانت له كعدل الثلث”.

والأحاديث بنحو ما ذكرناه كثيرة، وقد أشرنا إلى المقاصد منها، والله تعالى أعلم بالصواب.