الصلاة مرساتك في أرض العبودية

Cover Image for الصلاة مرساتك في أرض العبودية
نشر بتاريخ

لا يخفى على أحد مكانة الصلاة في الإسلام فهي ركن من أركانه، بل هي من أهم أركانه وأعظمها، وقد وردت كلمة الصلاة في القرآن الكريم بغير معنى الصلاة المفروضة بمعان مختلفة كلها جليلة وعظيمة عظمة ما تصبو إليه في علاقة العبد بربه، من بين هذه المعاني معنى الرحمة حيث قال الحق سبحانه وتعالى: أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (البقرة: 157)، قال القرطبي في تفسيره وصلاة الله على عبده: عفوه ورحمته وبركته وتشريفه إياه في الدنيا والآخرة، كما نجدها بمعنى الثناء والدعاء وذلك في قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ (الأحزاب: 56)، قال البخاري: قال أبو العالية: صلاة الله ثناؤه عليه عند الملائكة وصلاة الملائكة الدعاء، كما وردت بمعنى الدعاء والاستغفار في قوله سبحانه: وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ (التوبة: 103)، و غيرها من المعاني التي وقف عندها علماؤنا الأجلاء.

فالصلاة بكل هذه المعاني سواء بمعنى الصلاة المفروضة بوقتها أو الرحمة أو الاستغفار أو الدعاء أو الثناء تجعل للصلاة أنورا مشرقة إشراقة نور الله على عباده الذين تذللوا له بها فجعلوها حبل الوصال بينهم وبينه توددا ومناجاة، وحصنا حصينا يلجؤون إليه كلما أهمهم أمر، فقد جاء عن حذيفة بن اليمان قال: “إن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا حزبه أمر صلى” (صحيح أبي داود، رقم 1319)، أي إذا أحزنه أمر أو أصابه هم وغم لجأ إلى الصلاة، مصداقا لقول الله تعالى: وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ (البقرة: 45) في إشارة بالغة البيان أن الصلاة عون للعبد عند النوائب و المدلهمات، جعلوا الصلاة أيضا سكنا لروحهم العطشى التي إذا رووها بحب الله والافتقار إليه، وأسكنوها منزلها الأصلي في جنب الله، اطمأنت وهدأت وملأت صاحبها بالقوة واليقين والحب والثقة لأنها حينها في سكن آمن، جعلوا الصلاة أمانا لخوفهم و قوة لضعفهم وبلسما لجروحهم.

فالصلاة بكل هذه المعاني في حياة المؤمن تشعره أن له ربا رحيما قريبا منه؛ يلجأ إليه عند الحاجة فيسأله، عليما بضعفه فيتقوى به، ليس بينه وبينه حجاب إلا أن يتطهر ماديا ومعنويا لتتقوى الصلة فتعطي أجمل عطاياها نورا وعونا ومحبة منه سبحانه، وهي بهذا تذكر العبد بأنه عبد لله وأنه لا أمان له ولا راحة ولا عون له إلا هو سبحانه، وأنه مهما علم ومهما قوي ومهما كان له رهط ينصرونه ومهما ملك من الدنيا فالكل زائل وإلى فناء، ولا طاقة له بفعل ما يريد ومتى يريد وكيفما يريد إلا أن يشاء الله.

الوقوف بين يدي الله خمس مرات في اليوم صلاة مفروضة ترد المؤمن عن غيه وخطيئته وجبروته وحديث نفسه المتعجرفة، إن وقف وقفة المحبين المتذللين لعظمته ووحدانيته وجبروته وقدرته، فتثبت قدمه في أرض العبودية له سبحانه، وتجعله راسخ الإيمان صادق الطلب إن أقامها بحقها، لأنها تنهى عن الفحشاء والمنكر، تمنعه من الانزلاق والتوهان، ترده كلما شرد عن الطريق، وتذكره كلما نسي أن له ربا رقيبا، وتنهض همته ليستغفر ويطلب الصفح كلما زلت القدم، وتخبره معية الله له في كل نفس.

إنها مرساته في أرض عبوديته لله فلا ينبغي له أن يفرط فيها فتطير به الأهواء، وتطيش به نوازغ الشيطان، وتعمى منه البصيرة، ويقسو منه القلب حتى لا ينكر منكرا و لا يعرف معروفا.

إنها مرساته في أرض العبودية التي تشده بثقل لا تزحزحه نوائب الدهر بقدر ثقل الصلاة من الدين فهي عماده وفسطاطه.

إنها مرساته في أرض العبودية محبة وقربا ومناجاة، حيث الصلاة طاعة لله واتباع لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الباب الأعظم للدخول على الله.

إنها مرساته التي تشعره بالأمن والأمان وأن لا شيء يقدر عليه إلا بإذن رب الأرباب.

إنها مرساته التي تغرسه غرسا في أرض الهداية حتى ينتفي عنه الخوف والحزن، مصداقا لقول الله تعالى: فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (سورة البقرة: 38).

اللهم اجعل الصلاة مرساتنا في أرض العبودية لك.