البطش الممنهج

Cover Image for البطش الممنهج
نشر بتاريخ

منذ فترة والمتسلّطون يُرسلون رسائلهم المتتالية إلى من يهمهم الأمر، مُفادها أنهم قادرون على طحن وقمع كل صوت معارض دون أي مراعاة لفصول الدستور، ولا لبنود المواثيق الدولية، ولا لتقارير منظمات حقوق الإنسان، ولا لغضب الرأي العام. 

حتى إنهم يتعمّدون الظهور لعموم المغاربة بوجه “القْطاطْعية”، الذين يعتبرون أنفسهم فوق الشرائع والقانون والأعراف والأخلاق، وأنهم يستطيعون -متى شاؤوا- دَوْسَها بأقدامهم دون أن تتملكهم ذرة حياء، فيُلفّقوا التّهم لمعارضيهم في إخراج رديء جدا هم قاصدوه ليقولوا بوضوح تلك الرداءة: “اللي مادخلش جواه نخْليو دارو.. وبالعلالي”.

إن أسلوب الترهيب كان ولا يزال الوسيلة الأساسية في بسط هيمنة المتسلّطين على رقاب الناس، وغرَضه استهداف عقولهم للتّسليم بفكرة أنه: لا منجى لهم من بطش المتسلّطين إلا بالامتثال والخضوع لهم. 

ولذلك، تراهم مستعدّين للإتيان بكل الأفاعيل لإرهاب الناس، لِعلمهم أنّ استقرار سلطانهم متوقف على سيادة اعتقاد عام في أفراد الشعب بأنهم قادرون على إسكات كل صوت معارض، وبألا حدود لبأسهم، إذ يمكنه أن يطال الجميع، ولمعرفتهم أنهم بهذا الاعتقاد سيبسطون نفوذهم على أهم منطقة استراتيجية، وأكثرها حساسية، وهي عقول الناس، بأن حذفوا منها فكرةَ إمكانيةِ معارضتهم، حيث صيّروها فكرةً مستحيلة. 

بعد موجة الربيع العربي، أخذ رأي عام ينتشر بين عموم المغاربة بأن يد السلطوية لم تعد طويلة كما كانت، وأن الظروف والسياقات المحلية والدولية أجبرتها على احترام الحد الأدنى من حقوق المواطنين، وهو ما اعتبرته السلطوية خطرا داهما عليها، إذ من شأنه أن يُجرّئ الناس عليها، وبالتالي، لا بد لها من معالجته في أقرب فرصة. 

ثم لمّا سكنت رياح الربيع العربي، أُعطيَ الضوء الأخضر لظهور أسلوب “القْطاطعية” مُجدّدا، فكانت سلسلة الانتهاكات الخطيرة المعروفة، ابتداء بمحاكمات نشطاء حراك الريف السريالية، ومحاكمات نشطاء حراك جرادة، ومرورا بالزَّج بالصحفيين في غياهب السجون بتهم خيالية، إلى القمع الشديد للمحتجين السلميين، فغلق مقرات المعارضين السياسيين، ثم التضييق عليهم في وظائفهم وأرزاقهم، إلى عودة أساليب انتخابات الأزمنة الغابرة… والمتسلّطون في كل هذا يسعون عن قصد -وفق خطتهم لإعادة تربية المغاربة- بأن يُفهموهم أن لا شيء سيمنعهم من استهداف من يتجرأ على معارضتهم، لا قانون ولا أي شيء. 

إن المعركة اليوم تقف عند هذه الحدود: من جهة، هناك شعب يريد أن يستعيد حريته وكرامته، ولذلك يقاوم لإقناع نفسه بأنّ سبيل الانعتاق أمر ممكنٌ وقابل للتحقق، ومن جهة أخرى، هناك فئة متسلطة تعض على السلطة عضًّا، وتجبر الناس إجبارا، تسعى جاهدة إلى إقناع عموم المغاربة بأن فكرةَ الانفلات من قبضتها فكرةٌ مستحيلة. 

هي معركة غير متكافئة، لكن الرجاء في الله تعالى كبير، نسأله عز وجل أن يكسر شوكة المتسلّطين وأن لا يقيم لهم قائمة إلى يوم الدين، وأن ينصر عباده المستضعفين، ويلهمهم حسن اليقين والثبات والمثابرة، ويشدّ على عزيمة شعبنا نحو التحرر والانعتاق، بحيث لا يجد معها الاستبداد من سبيل إلا الانكماش والتواري في جحور الهَوام.