واشـــوقـــاه… !!

Cover Image for واشـــوقـــاه… !!
نشر بتاريخ

الشوق حار، وما تزال حدته تشتد وتشتد كلما اقتربنا من المكان، تتسارع الخطى، وتزداد معها دقات القلب في الخفقان، وتلهج الحناجر بالتلبية مهللة وشاكرة وحامدة للواهب المنان، ها قد وصلنا…، أحقا نحن أمام البيت الحرام؟ اللهم إن هذا الحرم حرمك والبلد بلدك والأمن أمنك والأمة أمتك، جئتك من بلاد بعيدة بذنوب كثيرة، اللهم استقبلني بمحض عفوك وحرم لحمي وعظمي على النار)، تتصاعد الأنفاس وتتوقف التلبية، إنها الكعبة المشرفة: لا إلاه إلا الله والله أكبر، اللهم زد هذا البيت تشريفا وتعظيما وتكريما ومهابة وأمنا)، جلال المكان يقع في القلوب فتهتز النفوس لتغادر خدورها فتنكشف عيوبها وتزال أصباغها وألوانها، إنها لحظة الحقيقة. أشواط الطواف ترحل بك إلى عالم آخر بينك وبين خالقك. أنت جئت ملبية النداء وساعية نحو الخلاص والنجاة، تطلبين عفو ربك ورحمته، ذليلة ضعيفة متوسلة لا حول لك ولا قوة، بنفس ضعيفة ترجو الرحمة وتسعى إلى التوبة وتطمع في الصفاء والتخلص من الأدران وألا ترجع من هذا المكان إلا بسعي مشكور وذنب مغفور، وأن تعاود الكرة وتتكرر الزيارة. رؤية الكعبة تربط القلب برباط روحي فيه قداسة المكان، وجلال الخالق المنان وهبته وعظمته ورحمته وكرمه أن اختارك من ضيوفه الكرام، فأنت الآن في كنف الرحمان، فلا شك أنه يحنو عليك ويرأف لحالك ويجود عليك تفضلا وكرما. فتصفو النفس وتهدأ بالتملي في الكعبة فيغدو الوقت ثمينا، حينها تتمنين أن تطول الساعات وتتباطأ الأيام لأن العين لا تشبع من رؤية أحسن وأعظم وأجل مكان، فتشع أنوار الروح لتحلق بك بعيدا في عالم الأنس بالخلوة مع الواحد الماجد، تشكين له ضعفك وقلة حيلتك وغلبة نفسك وهواها وشيطانها، فتطلبين المدد والغوث من الجواد الكريم لعلها تكون ساعة قبول واستجابة فيقبل الطلب وتفوزين بالرضا، فتتلذذين حينها بخفة الروح وإشراقها وكأنك ولدت للتو، وملأت القلب بحب الله، فكأنك تقفين للصلاة لأول مرة، تستشعرين معية الخالق في سجودك، وكأنك تقرئين القرآن غضا طريا كما لم تقرئيه من قبل، تستشعرين حلاوة التلاوة في كلماته وحروفه التي تجلت واضحة كأنك لم تمري عليها من قبل. ويلهج اللسان بالأدعية والأذكار في الطواف والسعي، أرزاق يسوقها الوهاب الرازق، منها ما تحفظينه ومنها ما تلفظينه صدقا وعفوا ومنها ما تجدين لسانك ينطق به دون انتباه منك سبحان الله والحمد لله، ولا حول ولا قوة الا بالله ولا إلاه إلا الله والله أكبر، الله اكبر ولله الحمد) أذكار العيد ساقها الرحمن لحظة تصالح النفس مع بارئها، هو عيد وما أجله من عيد ،عيد التصالح والصفاء!

وتسكن النفس في مدينة الجمال، وفي الروضة الشريفة تستسلمين لراحة وهدوء المكان، تصلين وتسلمين على طه العدنان وعلى آله وصحبه الكرام، وأنت تدعين لأمة الإسلام بالنصر والتمكين وبأعلى مقام، وأن يجمعك الله عز وجل بمحمد خير الأنام، وأن تشربي من يديه الشريفتين شربة ماء لا تظمئين بعدها أبدا، وأن تكوني من صالحات أمته من يشفع لهن ويفرح بلقائهن ويفتح لهن الباب، آمين.

يا حبيبي يا رسول الله، يا شفيعي يا خير خلق الله، واشوقاه إلى لقياك، حينها أبوح لك بالشوق والحب والحنين، وأعترف لك بالتقصير، لكن… حجب عنا نحن -النساء-قبرك، فصدمنا بالحاجز الدنيوي الآدمي وكان الوقع قويا وشديدا، فرجونا الواحد أن يجمعنا بك يوم القيامة بلا حاجز ولا حجاب، وأن نلقاك لقاء المبتهج برؤية من يحب آمين.

وما لنا بعد أن غادرنا المكان وعدنا إلى الديار، إلا أن نقول وا شوقاه لركعات في روضة رسول الله!). اللهم جازه عنا خير ما تجازي به نبيا عن أمته وصل اللهم وسلم على حبيبك تسليما كثيرا.