أصدرت الهيئة المغربية لمساندة المعتقلين السياسيين (هِمَم)، اليوم الخميس 19 يونيو 2025، تقريرها السنوي الثاني رصدت فيه تصاعدا “مقلقا” في وتيرة الاعتقالات والمتابعات القضائية بحق الصحافيين والنشطاء والمعارضين والمناهضين للتطبيع، على خلفية تعبيرهم عن آرائهم أو انخراطهم في احتجاجات سلمية، وذلك في الفترة التي أعقبت العفو الملكي الصادر في يوليوز 2024، والذي شمل عددا من معتقلي الرأي رغم استثنائه لآخرين.
وأكدت الهيئة في تقرير تلاه الحقوقي الدكتور محمد زهاري على الصحافة، في ندوة عقدتها اليوم بمقر الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بالرباط، أن الأمل الذي ساد عقب العفو الملكي بحدوث انفراج في ملف الحريات العامة، سرعان ما خاب مع تسجيل موجة جديدة من المتابعات القضائية، تطال بالأساس الصحفيين والمدونين ومناهضي التطبيع والمدافعين عن الحقوق الاجتماعية والاقتصادية.
الندوة التي أدارتها الصحافية لبنى الفلاح، أحد الرموز الصحافة التي يطالها التضييق، تناول فيها الكلمة كل من الحقوقيين وأعضاء السكريتارية الوطنية للهيئة؛ الأساتذة محمد زهاري وحسن بناجح والمعطي منجب وخديجة رياضي والسعدية الولوس، وقد أجمعوا على إدانة ما وصل إليه أسلوب السطلة في خنق الأصوات الحرة.
الصحافة تحت الحصار: ملاحقات متزايدة بحق الصحفيين والمدونين
تصدرت قضايا الصحافيين والمدونين التقرير، حيث عبرت “هِمَم” عن اندهاشها الكبير من الحكم بسنة ونصف حبسا نافذا وتعويض مالي ضخم قدره 150 مليون سنتيم ضد الصحافي حميد المهداوي، لصالح وزير العدل المغربي. كما تطرقت إلى متابعات مشابهة ضد كل من هشام العمراني، الذي تمت تبرئته لاحقا، وياسين زروال، الذي تمت تبرئته بعد تكييف قضيته ضمن قانون الصحافة، وليس القانون الجنائي.
كما سجل التقرير المضايقات التي طالت صحافيات صدرت في حقهن أحكام إدانة، مثل حنان باكور، على خلفية شكاية قدمها ضدها رئيس حزب سياسي، وكذا لبنى الفلاح وزميلها في هيئة تحرير جريدتها بسبب شكايتين قدمتا على التوالي من طرف المدير العام للشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة وأحد الموظفين العاملين بنفس المؤسسة، وقد اعتبر التقرير أن قضيتها تهدف إلى تصفية منبرها الإعلامي. وأشارت “همم” إلى حكم الإدانة في حق الصحفي محمد اليوسفي على خلفية عدة تدوينات فايسبوكية، تبعا لسبع شكايات من طرف خمسة منتخبين وشخص آخر…
الاحتجاج السلمي: أحكام مشددة في قضايا الزلزال وحراك الريف
وخصصت “هِمَم” في تقريرها حيزا لقضايا المشاركة في الاحتجاجات السلمية، منبهة إلى أحكام مشددة وانتقامية، ضد ناشطين بارزين. من أبرزهم سعيد أيت مهدي، الذي حُكم عليه استئنافيا بالسجن سنة نافذة بدل ثلاثة أشهر ابتدائيا بسبب نشاطه عقب زلزال الحوز، والحكم بأربعة أشهر حبسا نافذا في حق ثلاثة آخرين معه بدل حكم البراءة في الطور الابتدائي.
وأكدت الهيئة أن استمرار وضع ستة من ناشطي “حراك الريف” رهن الاعتقال منذ سنة 2017، بعد إدانتهم بعقوبات وصلت إلى عشرين سنة سجنا، يؤكد المقاربة الانتقامية الممارسة في حقهم، ويؤكد ذلك تحريك المتابعة من جديد في حق المعتقل السابق لحراك الريف الناشط ربيع الأبلق وإدانته بالحسيمة بأربع سنوات وغرامة 20 ألف درهم، على خلفية فيديوهات ينتقد فيها الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.
وشجب التقرير الأحكام الصادرة ضد نشطاء الاحتجاجات الاجتماعية في خنيفرة وطاطا وغيرها مثل مولاي لحسن الجعفري، وسعيد أوفريد، مبرزا الطابع الزجري والردعي الذي يطغى على هذه المتابعات بدل تغليب منطق الحوار والانفراج الحقوقي والاجتماعي، وطالب بالإفراج عن ما تبقى من معتقلي الريف وكل هؤلاء المعتقلين السياسيين على خلفية التعبير أو الاحتجاج.
مناهضة التطبيع: محاكمات على خلفية التعبير والاحتجاج
ووقف التقرير عند “الطابع السياسي” لمحاكمات طالت مناهضي التطبيع، أبرزهم ملف عبد الإله بنعبد السلام ومن معه من الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع، والناشط محمد الكشكاش الذي اعتُقل بسبب دعوة لمقاطعة “كارفور”، والمهندس إسماعيل الغزاوي، الذي أدين بسنة حبسا بسبب مشاركته في وقفة احتجاجية ضد دعم الولايات المتحدة للاحتلال الإسرائيلي، قبل أن يتم تخفيف الحكم في مرحلة الاستئناف.
ولم تغفل “هِمَم” الإشارة إلى حالة رضوان القسطيط الذي أدين بسنتين حبسا نافذا وغرامة 10 آلاف درهم بسبب تدوينات تنتقد التطبيع، شأنه شأن محمد البوستاتي الذي أدين بسنة ونصف مع غرامة ألفين درهما، وكذا الناشط مصطفى بنتيفور المعروف بمشاركته في الوقفات المؤيدة لفلسطين.
منتقدو السلطة تحت المقصلة القضائية
وفي محور خاص، تطرقت الهيئة إلى حالات بارزة من الملاحقات التي تطال منتقدي السياسات العمومية، على رأسهم النقيب محمد زيان، الذي يخضع لعدة متابعات ويقضي عقوبة ثلاث سنوات في إحدى الملفات، وقد سجلت الهيئة تدهور حالته الصحية وأكدت أن استمرار اعتقاله مؤسف دون مراعاة لوضعه. كما وقفت على ملف فؤاد عبد المومني، الذي اعتبر التقرير أن اعتقاله كان انتقاما سياسيا واضحا شأنه شأن المعطي منجب الذي يتعرض لمضايقات أمنية وإعلامية مستمرة بسبب آرائه المنتقدة للسلطات العمومية.
كما أفرد التقرير بالذكر حالات كل من عزيز غالي، وفاروق المهداوي، وبوبكر الونخاري، وحسن بناجح، ثم عبد الفتاح الهوفي، الذي أثار الحكم عليه بأربع سنوات سجنا وحرمانه من عدد من الحقوق المدنية والسياسية ردود فعل واسعة في منصات التواصل وداخل الهيئات الحقوقية.
خلاصات وتوصيات: الحريات في خطر والتضييق ممنهج
وخلص تقرير “هِمَم” إلى أن هذه المتابعات مرتبطة بشكل كبير بضيق صدر السلطات عن تقبل الانتقاد للسياسات العمومية المتبعة، وخاصة منها التي لها ارتباط بقضايا الحريات وحقوق الإنسان، متأسفا من “توظيف القضاء في تصفية الحسابات مع كل الأصوات الممانعة والمعارضة لهذه السياسات”، سواء تعلق الأمر بالصحافة أو التدوين أو الاحتجاجات السلمية المناصرة للقضايا العادلة أو دفاعا عن الحقوق السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية المشروعة.
وشددت الهيئة على أن هذا التضييق يؤكد وجود إرادة ممنهجة لإسكات كل صوت حر يعبر عن مواقف قد تزعج بعض المسؤولين والجهات، ويشكل تهديدا خطيرا لحرية التعبير، وتقويضا للمجال العام.
وطالبت الهيئة في توصياتها للبرلمان المغربي من منطلق صلاحياته التشريعية بتعديل قانون الصحافة والنشر ومجموعة القانون الجنائي ورفض تجريم كل الآراء المعبر عنها بخصوص انتقاد السلطات العمومية والمالكين لسلط القرار، وإلى العمل من أجل إصدار قانون عفو شامل، ومناشدة الفاعلين الحقوقيين والمدنيين إلى تكثيف الجهود لمواجهة هذا “الوضع المتأزم”.
كما دعت الهيئة الحكومة المغربية إلى ضرورة احترام التزامات المغرب الدولية في مجال حقوق الإنسان، ووقف كافة المتابعات ذات الطابع السياسي، مع الإفراج عن جميع معتقلي الرأي، وكذا مراجعة النصوص القانونية بما فيها المسطرة الجنائية في اتجاه تعزيز الحريات وشروط وضمانات المحاكمة العادلة وتمكين المجتمع المدني من الانخراط في التبليغ عن الفساد ومحاربة الرشوة ودعوة السلطات القضائية المسؤولة إلى فتح التحقيقات الضرورية لترتيب الجزاء على المتورطين في جرائم الفساد ونهب المال العام.