لم تدخر هيئة الدفاع عن المعتقل السياسي الدكتور محمد باعسو جهدا، من خلال مذكرتها القوية التي دعمت بها مرافعاتها الشفوية في آخر جلسات محاكمته، ومنذ قرار قاضي التحقيق بمحكمة الاستئناف بمكناس إحالته من أجل جناية الاتجار في البشر، وذلك بـ”استدراج أشخاص بواسطة الاحتيال والخداع وإساءة استعمال الوظيفة واستغلال حالة الضعف والهشاشة بغرض الاستغلال الجنسي”، و”جناية هتك عرض أنثى باستعمال العنف”، و”جنح الإخلال العلني بالحياء وممارسة الضغوط والإكراه لجلب واستدراج أشخاص لممارسة الدعارة”.
وقد أتى السادة المحامون في مذكرتهم على بنيان كل هاته الاتهامات من القواعد، وهم الذين ندبوا أنفسهم للدفاع عن المعتقل تعسفيا في ملف سياسي بامتياز، وفصّلوا في مذكراتهم ومرافعاتهم وقائعَ القضية ووسائلَ الإثبات. وشددوا على أن الملف يحتاج تمحيصا وتدقيقا وتصفية للحصول على رواية مستقيمة ومنسجة ومعقولة يمكن الاطمئنان إليها.
ديباجة المحضر تفضح تعسّف الشرطة في إنجاز المسطرة والدوافع التي حركتها
سجل الدفاع ملاحظات عدّة على محضر الضابطة القضائية وعلى تصريحات الأطراف، وذهبوا إلى أن اعتبارهما مصدرا للوقائع خلال مراحل البحث والتحقيق والمحاكمة مع ما عليهما من تحفظات أمر لا يقبله المنطق السليم.
واستند الدفاع إلى قرار المحكمة الصادر يوم 23 ماي 2023، الذي وقفت فيه على أن الشرطة القضائية من خلال ديباجة المحضر خرجت عن الحياد المفروض في عملها وتجاوزت حدود اختصاصها مما ترتب عنه أمر المحكمة بسحب الديباجة من وثائق القضية ومن المناقشات.
وأوضح الدفاع الاتجاه الذي اختارته الشرطة في إنجاز المسطرة والدوافع التي حركتها، وما ورد في ديباجة المحضر يعطي فكرة واضحة عن ذلك، وهو ما يزكي عدم إمكانية الاطمئنان للإجراءات التي قامت بها والمحاضر التي حررتها تبعا لذلك.
ومما يزكي هذا الشك المشروع والمؤسس، وفق المحامين، تصريحات إحدى الواردتين في الملف أمام السيد الوكيل العام للملك أثناء التقديم والتي صرحت أنها “تعرضت لضغوط من طرف الشرطة”، معتبرين أن محضرا حرر بالضغط على أطرافه لا يمكن الاطمئنان إليه.
من تناقضت أقواله سقطت دعواه
ووقف السادة المحامون في مذكرتهم على جملة من التناقضات في تصريحات “الضحيتين المزعومتين”، موضحين أنه لا يمكن الاستناد إلى روايات متناقضة في مختلف مراحل الملف، وهو ما يدعمه الفقه والقضاء معا طبقا لقاعدة “من تناقضت أقواله سقطت دعواه”.
وقد أكدت محكمة النقض ذلك في إحدى قراراتها -رقم 8/379 سنة 2013- جاء في حيثياته: “… بينما أفادوا فيما بعد خلال البحث الذي أجري في النازلة، بأن تواجدهما كان على سبيل المنفعة، دون بيان نوع هذه المنفعة، وبالتالي هناك تناقض في أقوالهم، وأن من تناقضت أقواله سقطت دعواه”.
كما أن شهادة الشهود لا يمكن الاعتداد بها إلا إذا كانت واضحة ومتجانسة وليس فيها تعارض أو تناقض، كما هو حاصل في نازلة الحال، وقد استقرت محكمة النقض على استبعاد مثل هاته الشهادات في عدة قرارات لها.
التضارب الصارخ في تقارير الخبرة المنجزة
وذكر الدفاع أن النيابة العامة أدلت في الملف بتقارير خبرات تقنية منجزة من طرف الشرطة، موضحا أن العمل القضائي “لا يعتبر الخبرة المنجزة من طرف الدرك الملكي أو الإدارة العامة للأمن الوطني وثيقة رسمية”، وقد ذهب إلى ذلك المجلس الأعلى للقضاء، كما في قراره عدد 645/10 الصادر سنة 2009 بقوله: ”إن تقرير الخبرة المنجزة من طرف مصلحة الدرك الملكي والإدارة العامة للأمن الوطني، لا يعتبر وثيقة رسمية لا يطعن فيها إلا بالزور، بل هو مجرد رأي تقني مضمن في خبرة قضائية تخضع للسلطة المخولة لقضاة الموضوع في تقييم الحجج وترجيح بعضها على البعض الآخر”.
وكشف الدفاع “تضاربا واضحا” في تقارير الخبرة المنجزة، ومثالا على ذلك، الخبرة البيولوجية والعلمية على عينتين من سائل شفاف عثر عليه في قارورتين زجاجيتين بسيارة السيد باعسو تم الترميز لهما بـ (Cav U) أرسل هذا الطلب بتاريخ 03 نونبر 2022.
لكن الواضح، من خلال مرافعات الدفاع، استنادا إلى التقرير أن الخبرة أنجزت على عينتين “تحملان رمزين مختلفين تماما عن الترميز الوارد في محضر الحج “، لنكون بذلك أمام رمزين جديدين وهما (E1-CAV-S) وكذا (E1-CAV-T) الأمر الذي يدل على أن الخبرة أنجزت على عينتين غير العينات المحجوزة.
ومع أن نتيجة الخبرة جاءت سلبية حسب خلاصة المختبر العلمي، إلا أن المفارقة العجيبة، تكمن في أن محضر تنزيل الخبرة من قبل الضابطة القضائية اعتبر أنها جاءت إيجابية لأن المحلول تبين أنه يستعمل كمعدل للقدرة الجنسية. وهو ما لم يشر إليه تقرير الخبرة إطلاقا.
ومن ذلك أيضا تقرير خبرة حول “الخيانة الزوجية”، ويتعلق الأمر بإجراء خبرة بيولوجية على خمس محجوزات من المناديل الورقية، وزعم التقرير أن عينات إحدى المحجوزات ثبتت إيجابيتها، في حين، تقول هيئة الدفاع: “لكن بالرجوع للصورة المرفقة بالتقرير بخصوص اختبار السائل المنوي نجد عكس ذلك، وجميعها تتضمن خطا واحدا فقط مما يعني أن نتيجتها سلبية وليست إيجابية”، كما أن الصورة بينت عدد المحجوزات الذي أصبحت بقدرة قادر سبعة بدل الخمسة الأصلية، وهو ما “يطرح أكثر من علامة استفهام حول مصداقية هذا الاختبار” وفق مذكرة السادة المحامين نفسها.
وفضلا عن ذلك فإنه لا يمكن عمليا أخد سائل من منشقة ومنديل ورقي حتى يمكن القيام باختبار السائل المنوي الذي يعتمد على وجود سائل. مع العلم أن الخبرة أنجزت بتاريخ 8 نونبر، أي بعد 9 أيام من الحجز “فلا يعقل أن يظل هناك سائل عالق بمنشفة ومنديل ورقي لهكذا مدة”.
دليل أعرج.. الهاتف الذي ظل مستعملا بعد الحجز
لفت الدفاع في مذكرته إلى أن غالبية المحجوزات، فقدت أختامها في مخالفة واضحة للقانون، مما يفتح باب الشكوك عن إمكانية العبث والتصرف فيها، وهو ما حصل أيضا مع الهاتف الذي حُجِز دون موافقة صاحبه منذ لحظة إيقافه.
الهاتف بناء على ذلك، ووفق مذكرة الدفاع، تعرض للاستغلال عبر فترات زمنية متعددة من قبل الضابطة القضائية، وهو المحجوز الوحيد الذي بقي لديها منذ الإيقاف يوم 31 أكتوبر إلى يوم 10 نونبر 2022 لتقرر توجيهه إلى المختبر الجهوي لتحليل الآثار الرقمية بفاس الذي “لم يتوصل به إلا بتاريخ 21 نونبر 2022 أي بعد 11 يوما من الإرسال. علما أن باقي المحجوزات المعروضة على الخبرة أُرْسِلت يوم 3 نونبر إلى الدار البيضاء ووصلت في اليوم نفسه”.
وأشار الدفاع إلى أن الضابطة القضائية حاولت توصيف باعسو بأنه يسجل أسماء الفتيات أو النساء برموز مُشابة، مع إخفاء الأمر حتى لا ينكشف أمره خاصة مع زوجته، لكن الحقيقة وفق المذكرة، هي أن الجهة التي كانت تحتفظ بالهاتف هي من قامت باستعماله وربط ذلك بالمتهم.
والدليل على ذلك أن محضر استقراء وتنزيل المقاطع الصوتية ذكر أن الرقم الدولي (…) مسجل تحت اسم (…) وهي فتاة تنحدر من مدينة خنيفرة وربما مقيمة بقطر، هذا ما قاله التقرير الذي كذبه الدفاع مشددا على أن الحقيقة هي “أن الرقم الدولي المتعلق بدولة قطر يخص إبنة المؤازر المسماة نسيبة باعسو”، وبعد تعليل التعديل على الاسم من طرف العابث بهاتف باعسو لأغراض واضحة، أرفق الدفاع هذا التكذيب بدليل أصل عقد اشتراك يثبت أن الرقم المعني، يخص نسيبة باعسو.
وبينما أشار الدفاع أيضا إلى تغيير اسم أخت باعسو سميرة، ليصبح (SAMIRA MRIRT)، شدد على أن الأكثر من كل ما سبق، هو أن الهاتف ظل مستعملا حتى بعد إيداعه بكتابة الضبط بتاريخ 3 نونبر، وقد سجل انسحابه يوم 12 مارس من مجموعتي واتساب خاصة بأفراد عائلته.
تحريف وكذب.. محاضر الضابطة القضائية تؤثر على مجريات القضية
ووقف الدفاع مع ما وصفه بـ “تحريف الوقائع” الذي طال محاضر الضابطة القضائية، ومن ذلك على سبيل المثال ما يلي: “بخصوص القضية… وحضور المسماة… وتسجيلها شكاية في حقي فاني أفيدكم…”، فإن منطوق هذه الجملة هو تسجيل شكاية في حق المتهم، لكن بعد التدقيق، يتضح أن المعنية بالأمر، لم يسبق لها أن سجلت أي شكاية ضد المتهم، وهذا كذب وتحريف للوقائع، أثر سلبا على مجريات القضية، وأمثال هذا التحريف كثير في مختلف أطوار الملف.
وكذلك، جاء في قرار الإحالة ما يلي: “وبالاستماع إلى… صرحت أنها سقطت فعلا في شباك المتهم بأسلوبه الاحتيالي في تحقيق رغبتها…”، ثم يضيف، بحسب قرار الإحالة، “كانت تتركه يمارس بعض أفعاله الدنيئة…”، لكن بالرجوع إلى محضر الاستماع للمصرحة اتضح أنها لم يسبق لها أن صرحت بكونها سقطت في شباك المتهم، ولم يسبق لها أن صرحت بأن المتهم له أسلوب احتيالي، خلافا لما ورد في قرار الإحالة في مَوْطنين.
وبما أن قرار الإحالة تضمن تحريفا واضحا عند سرده للوقائع التي سيؤسس عليها قرار المتابعة، اعتمادا على ديباجة المحضر وليس تصريح المصرحة المفصل به، فإنه لا يصح من الناحية الواقعية الاعتماد عليه، والتعليل الوارد به معيب وفاسد لاستناده على وقائع غير صحيحة.
تنزيل المقتضيات القانونية لـ”الاتجار بالبشر” على وقائع النازلة
وبعد بسطه لأركان “جريمة الاتجار بالبشر” كما جاءت في القانون، شدد الدفاع على أن الرجوع إلى الملف يبين بما لا يترك مجالا للتأويل بالعقل والمنطق والوقائع أن أركانه وخصائصه، غير متوفرة في هذه النازلة ولا تنطبق عليها.
في تناوله لعنصر “الاستدراج”، استند الدفاع في مذكرته أمام المحكمة إلى نفي السيد باعسو نفيا مطلقا أن يكون قد وعد الضحيتين المزعومتين بتشغيلهما لدى الغير، وعلى فرض صحة ما ادعتَاه بإيجاد عمل لدى الغير وبالتشغيل في التعليم الأولي، فإنه لم يثبت قيام المتهم بأي فعل من أفعال الخداع والاحتيال بإيهام الضحيتين بأفعال تصور الواقع على خلاف حقيقته.
وفيما يتعلق بـ “استعمال الخداع والاحتيال” فإنه لم يثبت من وثائق الملف ولا حتى من تصريحات الطرفين أن المتهم أتى أي فعل من الأفعال التي قصد بها إيهامهما، وحتى مع التسليم بصحة وعد المتهم للمطالبة بالحق المدني بتشغيلها لدى الغير، فقد زعمت في تصريحها أمام المحكمة أنه اتصل فعلا بأحد متعهدي الحفلات، وطلب منه تشغيلها لديه، إلا أنه اعتذر له نظرا لوجود كفاية من العمال لديه.
أما عنصر “إساءة استعمال الوظيفة” فجدير بالذكر أن السيد باعسو يشتغل إطارا بمندوبية وزارة التعليم بمكناس مكلفا بالموارد البشرية، ومكلفا بالتكوين المستمر لأطر وموظفي المندوبية الذين يشتغلون فعلا، فلو صح فعلا أن المتهم صرح لهما بأنه يشتغل في التعليم أو أنه يعمل أستاذا جامعيا، فإن المنصبين لا يخولان له سلطة التوظيف.
وفيما يتعلق بـ”استغلال حالة الضعف والحاجة والهشاشة”، فقد أكد الدفاع أن أيا من السيدتين المعنيتين لا تنطبق عليهما الحالات الواردة في التعريف الذي وضعه القانون لهذا العنصر، وإن كانتا مطلقتين، فإنهما ليستا في حالة ضعف أو حاجة أو هشاشة، لكون الأولى مجازة في الفرنسية، واشتغلت بشركة مختصة في الكابلاج، وهي من تركت العمل برغبتها كما صرحت أمام المحكمة، وأنها تنفق من مدخراتها التي راكمتها من عملها السابق، كما صرحت أمام قاضي التحقيق أثناء الاستماع إليها.
بينما الثانية أكدت بدورها اشتغالها لدى عدة مشغلين سابقين. وكانت تملك هاتفا نقالا من نوع “هواوي” قيمته لا تقل عن 2000 درهم، وتستعمل الارتباط بشبكة الانترنيت وقادرة على أداء تكاليفه، كما أنها تتسوق من مراكز تجارية.
وفيما يتعلق بعنصر “الاستغلال الجنسي” الذي يقصد به المشرع استغلال الضحايا اقتصاديا للحصول على عائد مادي من وراء استغلالهم جنسيا. وهو ما لا ينطبق على هاته النازلة، لأنه حتى لو ثبتت الأفعال الجنسية المنسوبة إلى باعسو، فإنه لا يمكن وصفها بالاستغلال الجنسي الذي يشكل مناط قيام جريمة للاتجار بالبشر، لأن المتهم سيكون هادفا إلى إشباع رغباته الجنسية حسب زعمهما، ولا يدر عليه ذلك أي عائد.
وفضلا عن ذلك فإنهما لم يكونا في أي حال من الأحوال مسلوبتي الإرادة أو محرومتين من حرية تغيير وضعهما، وإهدار كرامتهما الإنسانية، وأكدتا ذلك في تصريحاتهما.
ودعمت المذكرة رأيها وتوجهها باجتهاد محكمة النقض الذي استقر على أنه “لا قيام لجناية الاتجار بالبشر في غياب عنصر سلب إرادة (الضحية) وحرمانها من حرية تغيير وضعها وإهدار كرامتها الإنسانية” وبقرارات عدة في ملفات من هذا القبيل.
ماذا عن جنحة الإخلال العلني بالحياء؟
وفضلا عن ذلك، فإن المحكمة قررت سحب ديباجة المحضر من أوراق الملف ومن المناقشات، وهو ما يؤكد فساده بالقدر نفسه الذي يؤكد به نوايا من حرره. وكل ذلك يقول الدفاع “لا يجعل المحكمة تطمئن لوسائل الإثبات المقدمة في الملف”.
أما جنحة الإخلال العلني بالحياء، فقد فصلت فيها مرافعات الدفاع، وأشارت إلى أن المشرع اشترط لقيام هذه الجنحة أن يكون هناك عري متعمد، أو بداءة في الإشارات أو الأفعال وأن يتم ذلك بحضور شخص أو أكثر شاهدوا ذلك عفوا أو بمحضر قاصر دون سن 18 سنة أو في مكان تتطلع إليه أنظار العموم.
وشدد الدفاع على أن الدكتور باعسو لم يُضبط في أي من الأوضاع التي عددها المشرع في الفصل موضوع المتابعة، وقد نفى في جميع أطوار المسطرة أن يكون قد تم ضبطه من الضابطة القضائية متلبسا بالوقائع المضمنة في محضر المعاينة، ناهيك على أنه لا يمكن الاطمئنان للمحضر أساسا.
ثم ماذا عن جناية “هتك عرض أنثى بعنف”؟
وأما جناية “هتك عرض أنثى بعنف” التي تابع بها قاضي التحقيق الدكتور باعسو طبقا لمقتضيات الفصل 485 من القانون الجنائي، فقد اشترط الفصل نفسه أن يكون هتك العرض أو محاولته بالعنف، قد تم باستعمال وسيلة من وسائل العنف أو القوة.
وأشار الدفاع إلى عدة قرارات متواترة عن المجلس الأعلى سابقا ومن بعده محكمة النقض، من بينها على سبيل المثال لا الحصر، القرار عدد 682 الصادر سنة 1969، الذي جاء في قاعدته: “… لا يكون جريمة هتك العرض جناية إلا إذا اقترنت باستعمال العنف وكان العنف وسيلة لاقترافها لا نتيجة لها”.
وقد صح فعلا ما نسب للمتهم من قبل المطالبة بالحق المدني والمصرحة في بعض مراحل المسطرة أن المتهم لم يقترف أي فعل من أفعال العنف في مواجهتهما، وهو ما تعين معه “التصريح ببراءة المتهم من هذه الجناية أيضا”.
التمييز بين الفعل الجرمي اللازم والفعل الجرمي المتعدي
تهمة أخرى، وهي جنحة “ممارسة الضغوط والإكراه لجلب واستدراج أشخاص لممارسة الدعارة” طبقا لمقتضيات الفصل 498 من القانون الجنائي، وقف فيها الدفاع للتمييز في الجرائم الجنسية، بين الفعل الجرمي اللازم والفعل الجرمي المتعدي وفقا للمشرع المغربي.
وبيّن الدفاع استنادا إلى وثائق الملف “على فرض صحة الوقائع المدعاة” أنه لا يمكن أن يكيف إلا بأنه خيانة زوجية، وهي من الأفعال اللازمة التي نظمها المشرع في الفرع السادس من الباب الثامن من الكتاب الثالث من القانون الجنائي في الفصول من 483 إلى 496.
ولذلك فلا يمكن بأي حال من الأحوال وفق مرافعات الدفاع، أن يكيف بأنه جنحة ممارسة الضغوط والإكراه لجلب واستدراج أشخاص لممارسة الدعارة، طبقا لمقتضيات الفصل 498 من القانون الجنائي لأنه فعل جرمي متعدي يقتضي طرفا ثالثا من الغير.
سياق تشريع قانون مكافحة الاتجار بالبشر.. وهل تتوفر خصائصه في نازلة باعسو؟
لم تغفل مرافعات الدفاع التذكير بسياق تشريع قانون مكافحة الاتجار بالبشر الذي اعتمده المغرب سنة 2016، في سياق دولي ووطني اتسم بارتفاع الأصوات المطالبة بحماية الأطفال والنساء من الاستغلال البشع جنسيا وجسديا وغيرها من ضروب المعاملات الحاطة من الكرامة الأدمية، موضحة أن الهدف كان هو التصدي لتنامي ظاهرة الشبكات الإجرامية المنظمة والعابرة للحدود.
هذا القانون بصيغته المفتوحة على كل التأويلات، أشارت هيئة الدفاع وغيرها من الحقوقيين إلى توظيفه من قبل السلطات في استهداف المعارضة والمدافعين عن حقوق الإنسان، ذلك أن عباراته فضفاضة وقابلة للتكييف والتأويل.
فالأصل في سن هذا القانون وفق فلسفة الاتفاقيات الدولية، هو حماية الفئات الهشة المعرضة للاستغلال المنظم، وهو ما يسائل السياسات العمومية للأسف التي تجعل الناس ضحايا لهذه الجريمة المنظمة، وذلك يفرض على الدولة مراجعة حساباتها، بدل الانتقام من المعارضين بتوظيف هذا القانون.
طالع أيضا:
ملف باعسو: خروقات بالجملة كشفتها هيئة الدفاع تُبرز الطابع السياسي للمحاكمة