رَميمٌ أنتِ يا مُدُنَ الضبابِ
وحَبْلكِ لمْ يَزلْ حوْلَ الرِّقابِ
إذا مِتنا أتوْا بالموت حيّا
لنـُمنـَعَ دفنـَنا قبل الحساب
أقول لكم ولا تـُلقوا بـِسِرِّي
ضعيفُ العلـْم أفزَعُ مِنْ كتابي
فلولا الحربُ تعْبُرنا تِـباعا
لمَا لقـِّنـْتُ شِبْراً مِنْ تـُرابي
ولا أدركتُ ما قدسٌ ولا ما
رجوعٌ نحو حيفا للعتاب
ولا بغدادُ كيف روَتْ بـِحِبر ٍ
بُحورا واكتست حُللَ الخراب
ولمْ أعرفْ دمشقَ ولا قـَصيراً
ولم أعرفْ أسُودا كالذئاب
ولا بيروتَ لا صنعاءَ لا ما
يُذكِّرنا المذيعُ من الروابي
ولم أسمع بقاهرةٍ وقـَهري
يُهَرَّبُ في القوارب والقِــرَاب
ولم أعلمْ بتونسَ وابنَ غازي
ولا خـُرطومَ يُقطـَعُ قبْلَ ناب
ولا مُدنٍ تبالغ في علاها
وتـَسْقــُطُ كلَّ عام في انتداب
ولمْ يعلمْ سوانا ما رباطٌ
وبَذخٌ وافتقارٌ في اصطحاب
ولا وهران والشهداء فيها
وظهْرُ الأرض تجأرُ مِن عَذاب
عواصمنا مدائننا تهاوتْ
عليَّ ولمْ يَعُدْ يُجْدي انقلابي
أرى الأشياءَ أحسبها شظايا
وَأخبَرُ أنها سَقفي وبابي
وأنظرُ في السماء وليس فيها
وهذا السيلَ سطرٌ مِنْ سَحاب
أرى التاريخ أنكِر أن شيخا
تنفس بينهم صُعَدَا الشباب
أرى الفاروق أُقسِم أنَّ عدْلا
كما قالوا، مِن السبْع العُجاب
أرى الجنرال منا في تبوك
ومؤتة َ حاملا بعض الجـِعاب
وسيفـُكَ يا صلاحَ الدين يَكفي
لنـُحْكَمَ بالحِصار وبالعِقاب
أرى المرآة أجهلـُني ويَندى
جبيني حين أنظرُ في ثيابي
لها ثمنٌ من الأجسام أغلى
وعِطرٌ زادَ مِن حِلـَـق ِ الذُباب
أراني كالنعامة في حيائي
وفي حَزْمي أقلـِّدُ كالغـُراب
أجوبُ الغابَ أنهل من صِواها
لأنـِّي لمْ أدَرَّسْ غيرَ غابي
أراني في ذرا الأشجار أشدو
وأمْسِكُ إن سمِعتُ شَذا العُقاب
أراني جاريا في العشب ألهو
وأقذِف بالشعوب إلى الشعاب
أنـَصِّبُني إلى الأبد انتخابا
ويَكْفـُرُ من يُشَكِّكُ في انتخابي
أحارب من يحاربُكمْ سلاما
وأضرب بالفنادق لا أحابي
ومؤتمرا هنا وهناك أُجْري
وأخسَرُ في الذهاب و في الإياب
أقامر بالمدائن علَّ عرشاً
أشيِّدُ فوق ماءٍ أو سَراب
أيا مدن الضباب ألا انتفضنا
لِنمْخـُرَ ما نعيبُ من العُباب
نـُبايعُ مَكـَّة ً لا نـَجْـدَ فيها
ولا بترولَ يُشْرَى بالرَّباب
ونقصِدُها المنوَّرةَ اقتداءَ
لنهْدِمَ كلَّ أسوار التبابِ
رميمٌ أنتِ يا أخت السبايا
وإني لست من أهل السِّباب
أتيتكِ باكيا لا شيءَ أرجو
وإنكِ تعلمين اليوم ما بي
أريدكِ حُرَّةً والحرُّ فينا
نفيسُ المهر يعشق في اضطراب
أحبك يا مدائننا لأني
عرفتك في الشدائد والصِّعاب
أصَلـِّي للمدائن كلَّ حين
وأكْثـِرُ من سُجودي واقترابي
ألـَقـِّنـُنِي الشهادة َبعدَ ربِّي
وأحمَـــدَ أنْ أبالغَ في انتسابي
وأجعلـُها زكاةً كلَّ حرف
مَلكْتُ وأنتَ يا شعري نصابي
أظنكِ تعرفين الشعر لمّا
يلامس صِدقهُ صِدْقَ الرُّضاب
وهذا ما استطعتُ اليوم بوحا
وما أعطِـيتُ مِنْ عِلـَلِ الخِطاب
قصيدي للضباب إذا تولى
سأكتبهُ زُلالا للشراب
وأنظـُم في مدائننا قصيدا
أعدِّدُها عَرائسَ في الحِجابِ
فأفحِمُ عِطـْرَ باريسَ المُصَفـّى
وأرغِمُها التضَوُّعَ من خِضابي
وأعدِلُ عند لندنَ راقِصَيْها
لتـَفصِلَ في التأخر والغياب
وأمْريكا إذا الطاعون منها
أداويها بأشعاري العِذاب
وأخبرها بأني لست شَرّا
كذلك لستُ صيدا للكلاب
ولست بذاكرٍ من دُقَّ فينا
كمسمار يدقـِّقُ في اغتصاب
أرى مدن الضباب إذا رمتهُ
بعيــــداً لم تعدْ مدن الضباب