ما السبب وراء استمرار اعتقال السيد محمد أعراب باعسو؟

Cover Image for ما السبب وراء استمرار اعتقال السيد محمد أعراب باعسو؟
نشر بتاريخ

ذة. السعدية اضريس عضو هيئة الدفاع

يعتبر الحق في الحرية حقا مقدسا بمقتضى جميع الشرائع السماوية والوضعية، حيث نصت المادة 9 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية في البند الأول منه على أن “لكل فرد حق في الحرية وفي الأمان على شخصه، ولا يجوز توقيف أحد أو اعتقاله تعسفا، ولا يجوز حرمان أحد من حريته إلا لأسباب ينص عليها القانون وطبقا للإجراء المقرر فيه”.

ونصت المادة 9 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أنه “لا يجوز اعتقال أي إنسان أو حجزه أو نفيه تعسفا”.

كما نص المشرع المغربي في المادة 117 من الدستور على أنه “يتولى القاضي حماية حقوق الأشخاص والجماعات وحرياتهم وأمنهم القضائي، وتطبيق القانون”.

ونظرا لقدسية هذا الحق، فقد تم إقرار مبدأ قرينة البراءة في كل الاتفاقيات والعهود الدولية؛ حيث نص البند 2 من المادة 14 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية على أنه “من حق كل متهم بارتكاب جريمة أن يعتبر بريئا إلى أن يثبت عليه الجرم قانونا”، ونصت المادة 11 من الإعلان العالمي لحقوق الانسان على أن “كلُّ شخص متَّهم بجريمة يُعتبَر بريئًا إلى أن يثبت ارتكابُه لها قانونًا في محاكمة علنية تكون قد وُفِّرت له فيها جميعُ الضمانات اللازمة للدفاع عن نفسه”، كما نص الدستور المغربي على مبدأ قرينة البراءة في الفقرة الأولى من الفصل 23، التي ورد أنه “لا يجوز إلقاء القبض على أي شخص أو اعتقاله أو متابعته أو إدانته، إلا في الحالات وطبقا للإجراءات التي ينص عليها القانون”، ونص أيضا في الفقرة الأخيرة من نفس المادة على أن ” قرينة البراءة والحق في محاكمة عادلة مضمونان”.

ولأهمية هذا المبدأ، دبج به المشرع قانون المسطرة الجنائية، حيث جاء في المادة الأولى منه أن “كل متهم أو مشتبه فيه بارتكاب جريمة يعتبر بريئا إلى أن تثبت إدانته قانوناً بمقرر مكتسب لقوة الشيء المقضي به، بناء على محاكمة عادلة تتوفر فيها كل الضمانات القانونية”.

وتجدر الإشارة أن من تجليات مبدأ قرينة البراءة أن المشرع جعل الأصل هو متابعة الأشخاص في حالة سراح، والاستثناء هو متابعتهم في حالة اعتقال، حيث أقر في المادة 159 من قانون المسطرة الجنائية أن “الوضع تحت المراقبة القضائية والاعتقال الاحتياطي تدبيران استثنائيان، يعمل بهما في الجنايات أو في الجنح المعاقب عليها بعقوبة سالبة للحرية”، وحتى بعد إقرار الاعتقال الاحتياطي كاستثناء في هذه المادة، قيده المشرع بشروط في المادة 160 من قانون المسطرة الجنائية، وهي: انعدام ضمانات الحضور، وأن تكون ضرورة التحقيق أو الحفاظ على أمن الأشخاص أو على النظام العام تتطلب الاعتقال احتياطيا، بل إنه حتى عند عدم توفر الشروط المنصوص عليها في المادة 160 السالفة الذكر، وضع المشرع بديلا للاعتقال الاحتياطي في المادة 161 من نفس القانون، حيث نص فيها على 18 تدبيرا يمكن الأخذ بها عوض الاعتقال الاحتياطي.

ومن تجليات الاعتقال الاحتياطي أيضا إلزام المحكمة بتعليل الأحكام وفقا للمادة 286 من قانون المسطرة الجنائية، وإقرار طرق الطعن، وتعدد درجات التقاضي كضمانة لفائدة المتهم، مع العلم أنه في المادة الزجرية لا يكتسب المقرر القضائي قوة الشيء المقضي به إلا بعد صدور قرار عن محكمة النقض أو مرور أجل النقض.

وبعد كل هذه الضمانات، منح المشرع للمتهم ضمانة أخرى في حالة اعتقاله من قبل النيابة العامة أو قاضي التحقيق، وهي الحق في النظر في مشروعية اعتقاله من قبل المحكمة المختصة دون إبطاء، وهذه الضمانة أقرها البند الرابع من المادة 9 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، حيث جاء فيه “لكل شخص حرم من حريته بالتوقيف أو الاعتقال حق الرجوع إلى محكمة لكي تفصل هذه المحكمة دون إبطاء في قانونية اعتقاله، وتأمر بالإفراج عنه إذا كان الاعتقال غير قانوني”.

والمشرع المغربي في إطار المبدأ الدستوري القاضي بملاءمة القوانين الوطنية مع الاتفاقيات الدولية التي وقع عليها والتزم بمقتضياتها، نص في المادة 180 من قانون المسطرة الجنائية على أنه “يمكن في كل وقت، أن يقدم طلب الإفراج المؤقت، ويمكن أن يطلبه في أية مرحلة من مراحل المسطرة وطبق الشروط المنصوص عليها في الفقرات التالية كل من المتهم أو محاميه أو ممثل النيابة العامة”.

وبالرجوع إلى ملف المعتقل السياسي الدكتور محمد أعراب باعسو الذي توبع فيه أمام محكمة الاستئناف بمكناس بمجموعة من التهم، منها الاتجار بالبشر وفقا لقرار الإحالة الصادر عن السيد قاضي التحقيق بنفس المحكمة، يتبين أنه يتوفر على جميع الضمانات القانونية للحضور أمام المحكمة؛ فهو موظف بالمندوبية الإقليمية لوزارة التربية الوطنية، لديه سكن قار، متزوج، رب أسرة تتكون من عدة أفراد، لديه سمعة طيبة  وحضور  مشرف بين ساكنة مدينة مكناس ونواحيها، ليس لديه أية سوابق قضائية، لا تسجل عليه أية خطورة، ولا يخشى منه لا على أمن الأشخاص ولا على النظام العام.

ومن جهة أخرى، فقد سبق أن توبع مجموعة من الأشخاص في حالة سراح أمام محكمة الاستئناف بمكناس بالاتجار بالبشر في العديد من الملفات التي تضمنت وقائع خطيرة جدا بالمقارنة مع ما تم تلفيقه للسيد محمد أعراب باعسو، ولا مجال للمقارنة بينها وبين ما سطر في ملفه. إلا أنه بالرغم من كل الضمانات التي يتوفر عليها المعتقل السيد محمد أعراب باعسو، فقد قضت محكمة الاستئناف بمكناس برفض طلب الإفراج المؤقت 19 مرة، آخرها قرارها الصادر بتاريخ 2 ماي 2023، الأمر الذي يطرح العديد من الأسئلة حول حرمانه من كل الضمانات التي تمتع بها غيره، وهو ما يؤكد الطبيعة السياسية لملفه.

أتمنى أن ترد غرفة الجنايات الاستئنافية بمكناس الأمور إلى نصابها بمناسبة بثها في الطعن بالاستئناف يوم الخميس (11 ماي) في القرار الصادر بتاريخ 2 ماي 2023، وتقضي بالإفراج انتصارا لقرينة البراءة!