توطئة
قصيدة نظمتها على عَجَل، وألقيتُها بخجَل في حفل تأبين الفقيد الحميد السعيد الأستاذ عبد السلام ياسين مؤسّس جماعة العدل والإحسان، ومرشدها رحمه الله، وأسكنه فسيح الجِنان بجوار نبيّنا عليه الصلاة والسلام، ملتمسا بركة «اذكروا موتاكم بخير»، ورَدَّ جميل «من أسدى إليكم معروفا»، وشُكْرَ صَنيع مَن كان بالعلم والصّلاح والجهاد والأهلية للتجديد موصوفاً، مع الاعتذار عن التطويل والتقصير، وتقديم العزاء لعائلة الفقيد خاصة والمسلمين عامّة مِن نساء ورجال، وكبير وصغير، رحم الله من مات وأبقانا على العهد والوُدّ، وحفِظَ مَن بقي ليكون على سَنن النيّة والقصد، وأجارَنا وإياهم من كلّ جورٍ ومكرٍ وكيد، ووفَّقَنا لنكون مِن أبنائه البررة الدّعاة البُناة صُنّاع الحياة، والحمد لله الذي بنعمته تتمّ الصالحات.
لو كان غيرُك لاستشَطتُ من الغضب
ولَقُلت سَفَّاحٌ وقَلْب مِن خشَب
لو كان غيرُك ما كفَفْتُ عن البُكا
وصرَخْت مَن؟ ولِمَن؟ وكيف؟ وما السّبب؟
لو كان غيرُك ما رَكَنْتُ لراحة
حتى أُقاضِيَ مَن بغا ثمّ احتجَب
لو كان غيرُك لاعتصَمْت بشارِع
ورفَعْت صوتي لا أبالي مَن عَتَب
لو كان غيرُك قُلْت «زين» هارِبٌ
و«مبارك» و«عميد حكّام العرب»
ومُقاوِم الأحرار صانِعُ بُؤسِهِم
أَسَدٌ وهل يحمي عُرا الإسلام خَبّ؟!
لكنْ قضاءٌ أنت فينا نافِذ
مَن ذا يرُدُّ مُقدَّراً مِن أمْر رَبّ
أنْتَ المـُصيبة والصّوابُ فَواسِنا
بِمبرِّرٍ يَشفي القلوب مِن الوَصَب
قُل إنَّ صاحبنا قضى مُـتطَهِّراً
مِن كلّ ذنب وارتقى أعلى الرُّتَب
قل إنّ مُرشِدنا ارتضى ترك الدُّنى
لجِنان خُلدٍ والحبيب ومَن أحبّ
قل إنّ رائدَنا أتاه بشيرُه
لينال جائزة الوليّ الـمُنتجَب
مَن كان اِبناً صالحا نال الرِّضا
مِن شيخِه، مِن والِدٍ، أُمٍّ وأب
ومُعلّما ومُربّيا ومُجاهدا
في كلّ ما صنَعَت يداه وما كتَب
منهاجه النبويُّ أسُّ خلافة
للرُّشد تدعو لا لِحُكم مغتَصَب
للعدل والإحسان أمرهما هُدى
لا للهَوى مِن وارِثٍ لا مُنتَخَب
عبدَ السّلام وهل لنا إلاّ الرِّضا
ذُخراً لمن واسى وصابَر واحتَسَب
القلبُ يحزن والعيون مَدامِعٌ
والقول يُرضي ربَّنا رغم الكُرَب
مَن يُطفِئ النّيران مَن يُنسي الأَسى
مَن ذا يُسكِّن روحنا مِن ذا اللَّهَب
إلاّ الرَّجا في رحمة مِن خالق
جعَل المَنيّة تُحفة لِمَن اقترَب
بالصّوم عن دنيا الهوى وفُتونها
عن أهلِها عَن كُلِّ غِرٍّ مُستَلَب
بالذكر، بالقرآن سلوى مؤمن
أمضى الحياة مُفَرِّداً ماءَ القَرَب
يروي ببِلَّته العِطاش مِن الصَّدى
إمّا رأَيْت الوجه أو قَلْبٌ وجَب
كرَم وعِلْم مِن حليم راحمٍ
حَبْر، ويزهد في الشّواهد واللَّقَب
مَن ذا يُدكتِرُه وبَحْرٌ عِلمُه
هيهات يُؤذي البَحر مَن ألقى الحَصَب
و«رسالة الطوفان» كِلْمَة شاهد
في وجه سلطان عن الوثقى نَكَب
لا السّجن لا الإحصار روَّض ظَهْرَه
بل زادَه عِزّاً وألهمَه الدَّأَب
في ملتقى «استانبول» هَلَّ هِلالُه
بُشرى بفِكْرٍ جامع يَطْوي الحِقَب
ويُعيدُ للخَيريّة الفُضلى سَنا
وَحْيٍ بفهم الآل أرباب النَّسَب
فكأنّها كانت بِداية شُهرة
زَهِد المؤَيَّد في صداها وانسحَب
«منهاجه» «إحسانه» «تنويره»
كلٌّ يدلّ على صَباح مرتَقَب
وربيعُنا العربيُّ ليس سِوى أذا
نٍ بعد ليْل حالِكٍ رَهْنَ الرَّهَب
رَحَل الحبيب وقد أقام بناءه
صَرْحاً على أُسُس المحبّة والأدب
عَدْلاً وشورى صُحبة وجماعة
ذكراً وصدقا لا يَضِنُّ بما وُهِبَ
عِلما إلى العمَل المُوفَّق مُنهِضا
لا للعداوة والدِّعاية والخُطَب
سَمتاً جميلا في اتّئادٍ قاصِد
تِسعٌ وعاشِرها الجِهاد بلا تَبَب
في قومة ميثاقُها يأوي الأُسى
صفّاً على كَلِم سواءٍ مُقتضَب
الله غايتُنا وأحمد أسوة
والعدل يَجْمَعُنا ومَن يرغَب طَلَب
لكنّ إحسان العبادة مَطْلَبٌ
سَنَنُ الرِّجال الموقنين بلا رِيَب
في «جُمعة» شهرَ «المحرّم» أَوْدَعوا
جُثْمانه في روضة بين النُّجُب
«شهدائنا» الأبرار فخر رباطنا
أخيار «أندلسٍ» وساكنة القِبَب
بعد الجنازة شُيِّعَت مِن سُنّة
في سُنّة تُعمي الحَسود ومَن شَجَب
حزب التّلاوة كان ياسيناً فهل
فَقِه المُرتِّل ذي الإشارَة فانتَحَب
مِن كلّ صَوب جاءَنا أحبابه
ما همَّهم طول الطريق ولا تَعَب
كفّاً بكفّ في مَسيرٍ حاشدٍ
أنعِم به مِن موكِب مَلأ الرَّحَب
الموت يجمعُنا وتُنسينا المـُنى
أنّا سواءٌ في المصائب والنُّوَب
شكراً لِمَن شَهِدوا العَزاء وأبَّنوا
شكراً لأهل الفضل مِن كلّ النُّخَب
ما مات مَن ترك الصّلاح ودائعاً
عِلما وجارية وخيراً في عَقِب
وعظيمةٍ كان العظيمُ أَمَامَها
وإِمَامَها نالَتْ بصُحبته الشُّعَب
ما مات مَن صنع الحياة بفِتْية
ما منهمُ إلاّ لُجَيْنٌ أو ذَهَب
بمُحمّد علويِّنا وبأحْمَدٍ
وعليِّنا كلّ لدعوتنا عَصَب
ما مات مَن ترك الوصيّة حِكمة
لرجاله وبناته عَيْنَ الحَدَب
عقْداً ونَيْفاً قبل يوم رحيله
فكأنَّما قصَد الحبيب بها الدَّرَب
حتى إذا حان الوداع فلا ضنى
لا مَن تدمّر أو تمرَّد أو ندَب
نزل المُصاب على القلوب كما النّدى
فوق الجراح فلا اعتراض ولا حزَب
عجِبوا وقد ظنّوا الظُّنون وهالَهم
أن لم يكن منّا نحيبٌ أو صخَب
لم يعلَموا أنَّ الوليّ أعاذَنا
مِن حُبّ فانية وسوء المـُنْقلَب
ما السِرُّ في البُنيان بل في مَن بنى
فإذا بدا سبَب الرّضا بَطُل العَجَب
صلّوا على طه صلاة مُتَيَّم
صلّوا عليه صلاة مُنْشَرِح اللَّبَب
في يوم عيدٍ فرحَةً بِمُؤَبَّنٍ
دَلَّت جنازتُه على مَيْتٍ غَلَب
هزَم العِدا بالرَّهْط جاء مُعزِّيا
ومُذَكِّراً أن لا عزاء لِمَن رَسَب
مَن عاش في الدّنيا غويّا لاهِيا
وقضى وليس له إلى المولى أَرَب
صلوا على طه وآل محمّد
ما حنّ للمُختار والأصحاب صبّ
صلّوا على إخوانه يا ليتني
منهم فأحظى بالأجور بلا نصَب
والشّوق مِن خير البريّة يالَه
أُنساً لِمَن بالدّين للدّين اغترَب
صلّوا وصلّوا أكثروا لا تبخلوا
وادْعوا لِمَن نظَم القصيد على خَبَب
عذراً إذا خُنت القريضَ بيانَهُ
هذا ارتجال في نسيج مضطَرِب
وبجانبي سُرُجُ المعارف والتُّقى
والعِلم والفنّ الرّفيع من الأدب
إنّي خَجول أن أُدَنْدِن بينكم
تَجْثو أمام الموت والميت الرُّكَب
الكُلّ يفنى والبقاء لربّنا
هَنِّ الخليل فخِلُّه قُطْب وقَبّ
خِلٌّ على دين الخليل عزاؤنا
وعزاءُ مَن لَم يَلْقَ خِلاًّ ما كَسَبالرباط 29 محرم 1434هـ
الموافق ل14 دجنبر 2012م