كيف حال قلبك مع الله

Cover Image for كيف حال قلبك مع الله
نشر بتاريخ

كيف حال قلبك مع الله

سألتها ذات مرة وهي شاردة مأخوذة بمنظر الغروب على ضفاف النهر تسبح ربها ، أتذكرين يوم أن سألتك ذاك السؤال قبل عشرين سنة ، حين وجدتني تائهة أرهقتني الحياة ، ضاقت بي الأرض بما رحبت ورمتني الأقدار محطمة على صخرة الواقع ، تتخطفني الطير من كل مكان وقد بلغت مني الحيرة كل مبلغ ، سؤالا عن سبب كل هذا التداعي الذي وصلت إليه ، فأجبتني يا حبيبة الروح وشفتاك تلهج بالذكر تالية الآية الكريمة وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ، أتذكرين ردة فعلي آنذاك، أتذكرين الحيرة التي ازدادت أكثر فأكثر حتى أخرست لساني ، أتذكرين ، فأردفت قائلة وكـأنك قرأت على صفحة وجهي المشدوه أسئلتي الكثيرة المتوالية : كيف يكون البعد والإعراض وأنا التي بفضل الله تعالى لم تترك صلاتها قط ، كيف يكون ذلك وأنا من نشأت في جو أسرة سعت جاهدة لتربي أبناءها على الطاعة الله تعالى والبعد عن كل ما يغضبه ، كيف لي أن أصدقك وأنا من تؤدي الفرض والنفل … فأجبتني بسؤالك الذي هز كياني هزا و رجني رجا : ما حال قلبك مع الله ؟ لتعيديني بحكمتك إلى صواب العبودية له تعالى ، “لا تعبدوه ليعطي بل اعبدوه ليرضى فإذا رضي أدهشكم بعطائه ” حين ذاك أحسستك منة ساقها المولى لي لتأخذ بيدي إليه وهكذا كنت نعم الأخت والصديقة والرفيقة أحببتك في الله وهاهي أخوتنا لازالت إلى اليوم مستمرة فما كان لله دام واتصل وما كان لغير الله انقطع وانفصل أدامها الله نعمة وحفظها من الزوال وجعلنا على منابر من نور يوم القيامة.

وأنا أسترجع شريط الذكريات مرت بذهني أو بالأحرى بقلبي تلك المقولة ، مقولة ابن القيم رحمه الله التي ذكرتها في معرض حديثك ذاك مِن كمال إحْسان الربّ تعالى ، أن يُذِيق عَبدَه مرَارة الكسْرِ قبل حلاوَةِ الجَبْر ، ويُعَرّفهُ قدر نِعمتِه عَليه بِأن يَبْتليه بِضِدّهَ) فكانت البلسم الشافي لقلب كسير أعياه خذلان الحبيب والرفيق

أتذكر مليا ما أرسلته لي بعد تلك الكلمات التي هززت بها كياني ، ها أنا ذي اليوم أعيده عسى الله أن يثبت الله به فؤادي وينفع به قلبا متخبطا يعيش ما عشت :

” قد تسأل نفسك وأنت في خضم الحياة : ما حال قلبي مع الله ؟ قد يأتيك السؤال ويتكرر، لتجد نفسك تائها تصارع وتقاوم هيجان هذا البحر ، بحر أقدار الله ، نعم تصارع، فلو توكلت ما قاومت أقداره بنفس يائسة وقلب ضيق ، تتخطى عقبة بنجاح لتسقط في الأخرى وهكذا تتوالى العقبات في طريقك إلى المولى عز وجل إلى أن يأتي ذاك اليوم الذي ليس بعه يوم ، يوم تصعد روحك إلى السماوات تجاور ربا رضي عنها وناداها في كتابه قائلا يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً ليكون جزاؤها فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّ، أو لا قدر الله عز وجل تنتكس وتخنس ويرمى بها إلى غياهب الأرض إلى دركات النيران، فاعمل فإنما أنت من يختار وأنت من يكتب كتابا تأخذه بيمين أو شمال .

كيف لي أن أختار وقد غرست في نفسي شهوات متشابكة ما إن أبدأ بالواحدة حتى تتجاذبني نفسي للثانية ثم تتوالى لأغرق في بريقها متناسيا غافلا معرضا عن الله ، كيف لي ذلك ، والله تعالى قال وقوله الحق : زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ، كيف لي ذلك وهي مزينة في ناظري، ميسرة قريبة المنال ، فلو أرادني الله لغير هذا ماركبها في ، ما جعلني إنسانا ضعيفا مخيرا ، أعطي من الحرية ما لم يستطع من خلالها أن يثبت على حال _ حال طاعة أو حال معصية _ لو أرادني لغير ذلك لجعلني ملاكا مقربا أو نبيا مرسلا معصوما ، وبين هذا وذاك وفي خضم حيرة البحث عن الجواب ، تتخبط ، تصارع ، إلى أن تأخذ بيدك يد العناية الربانية الحانية تحملك من حال إلى حال من غفلة إلى يقظة من موت إلى حياة ، تحملك إلى سفينة الاستقامة مع الذين أنعم عليهم المولى عز وجل بطمأنينة القرب وسكينة الحب الوحيد الأوحد “جميع من في الأرض عندهم موتى عاجزون مرضى ، فقراء ، الجنة بالإضافة إليهم كأنها خراب النار بالإضافة إليهم كأنها مخمودة ، لا أرض ولا سماء ولا ساكن فيهما ، تتحد جهاتهم فتصير جهة واحدة كانوا مع الدنيا وأهلها ثم صاروا مع الأخرى وأهلها ثم صاروا مع رب الدنيا والآخرة التحقوا به وبالمحبين له ” تلتحق بموكب نوراني بهيج فقد اخترت الله بقلبك فاختارك لقربه ، اخترته فتقربت إليه بالفرض والنفل، ذكرته بلسانك فقلبك فسرك فحقت لك منه المنة ، جئته بقلبك وشوق حبك صادقا صابرا منتظرا داعيا راجيا خائفا محتسبا فصيرك له وليا ، صار سمعك وبصرك ويدك ورجلك ، لن يكلك بعد اليوم لنفسك طرفة عين يصنعك على عينه.

تلك إرادة الله لك فهل كنت كذلك هل سعيت لهذا القرب ، لهذا الشرف ، أم أنك غفلت وتغافلت شغلتك نفسك بالمعصية فتهت وبعدت فلولا عناية الله ما أشهدك لطائف مننه ، ما أشهدك رسائل حبه ما أفهمك إشارات قربه فكن نعم الفاهم عن الله نعم المتلقي لإشاراته واسع بهمتك العالية لطلب النظر إلى وجهه الكريم فذاك النعيم الذي لا يقابله نعيم ” فيكشف الحجاب، فما أعطوا شيئاً أحب إليهم من النظر إلى ربهم عز وجل ”

” ألا إن لربكم في أيام دهركم لنفحات ألا فتعرضوا لها “ ونحن اليوم على أبواب شهر رمضان الأبرك شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النار فليكن طريقك إليه حبا وشوقا وقربا .

اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان يارب .

والله لو قطعوا بأسياف الجفا قلبي

فمنهم لست اقطع مطمعي

إلهي..

أنا الفقيرُ إليكَ في غِنايَ..

فكيف لا أكونُ فقيراً إليكَ في فقري؟!!

وأنا الجَهول إليكَ في عِلمي..

فكيف لا أكونُ جَهولاً إليكَ في جَهلي؟!!

إلهي..

ماذا وَجَدَ مَنْ فَقَدَكَ؟

وَماذا فَقَدَ مَنْ وَجَدَكَ؟؟

لقد خاب من رَضِيَ دُونَك بَدلاً..

ولقد خَسِرَ من بَغىَ عَنكَ حِولاً..

إلهي..

سَمِعَ العابِدون بجزيلِ ثوابِكَ فَخَشَعُوا..

وسَمِعَ الزَّاهِدونَ بِسعَةِ رَحمَتِك فَقَنَعُوا..

وسَمِعَ المُولُّونَ عن القَصدِ بجُودِكَ فَرجَعُوا..

وسَمِعَ المجرمُون بِسِعَةِ غُفرانِكَ فَطَمِعُوا..

وسَمِعَ المؤمنُونَ بِكَرَمِ عَفوِكَ فَرَغبُوا..

إلهي..

إنَّ مَن تَعرَّفَ بِكَ غَيرَ مخذُولٍ..

ومَن أَقبَلتَ عَليهِ غَيرَ ممَلُولٍ..

وإنَّ مَن اعْتَصمَ بكَ لَمُستجير..

وقد لُذتُ بكَ يا إلهي

فلا تُخيِّب ظَنِّي مِن رَحمَتِك

ولا تَحْجِبني عَن رأفتِكَ.