قصّة تأسيس جماعة العدل والإحسان.. سلسلة تروي حكاية الولادة والنموّ (حلقة تمهيدية)

Cover Image for قصّة تأسيس جماعة العدل والإحسان.. سلسلة تروي حكاية الولادة والنموّ (حلقة تمهيدية)
نشر بتاريخ

لكل حدث قصة، ولكل قصة بداية. وكلُّ بدايةٍ لها إرهاصاتٌ غالبا ما تكون تفاصيلها جزءا من الحكاية، ولا يستغني عنها باحثٌ عن تكامل الفصول والأجزاء، وترابط الأفكار، وتسلسل الأحداث التاريخية. إنها تكتنز في عمقها جذورا روحية وأخرى معرفية، وتخفي بين خيوطها أحداثا قد توضح كثيرا مما لا يعلمه الكثير…

نستقرئ الذاكرة بالسماع من أفواه من شاهدوا وشهِدوا، لنروي بهم ونقرأ الأحداث معهم من جديد، فنعيد تركيب القصة عن بدايات جماعة العدل والإحسان. نكتبها في حلقات تحت عنوان “العدل والإحسان.. قصّة تأسيس جماعة”، لنتواصل بها مع قراء “بوابة العدل والإحسان” من أبناء وبنات الجماعة ومن الباحثين والمهتمين. نَرْكب فيها أمواج الذكريات مع نصوص، ومع رجال منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر، لنرسو في شاطئ البداية ومنطلقات التأسيس.

في الحديث عن مسار الجماعة، وعن مسار الحركات الاجتماعية عموما، يصعب الفصل بين تاريخ الأشخاص، وتاريخ المؤسسات، ذلك أن بدايات الجماعة ليست إلا سيرة رجال صحبوا رجلا أطلق صرخة هادئة دالة على الله، وقال لهم من هنا الطريق من هنا البداية…

وفق مقولة أفلاطون، فإن “البداية هي أهم جزء في العمل”، وعمل الأستاذ عبد السلام ياسين ومشروعه قد تلخصه هذه البداية، بعدما انطلق باحثا عن “الخلاص”، وكان البحث أول الأمر بحمل همه الشخصي، والسعي من أجل خلاصه الفردي، وذلك بالبحث عمن يخلصه من حيرته القلبية الروحية ويصل به إلى درجة الأنس بالله، ويمنحه صحبة تدخل به في سلسلة أهل الله وأوليائه الصالحين.

واصل مسيرة بحثه واطلاعه إلى أن استقر به المطاف في صحبة رجل عارف بالله، حينها تيقظ قلبه واستنار طريقه، فعاش معه مدة من الزمن داخل الزاوية البودشيشية، فتحقق له المراد في كنف هذه الصحبة المباركة. وما لبث أن تَحَوَّل هذا الهم الفردي إلى هم جماعي، أراد المزاوجة بموجبه بين السعي إلى حصول يقظة قلب الفرد طلبا لمعاني القرب من الله، والسعي إلى الرقي بحال الأمة وتحسين أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية…

بدأ الإمام عمله من حيث هو، من داخل الزاوية قبل إعلان خروجه، وبدت له معالم الطريق قبل التسلح باليقين ليسلكه، ومن داخل الزاوية كتب كتابين، هما “الإسلام بين الدعوة والدولة؛ المنهاج النبوي لتغيير الإنسان” الذي قدم له يوم 03 يناير سنة 1972م، وكتاب “الإسلام غدا، العمل الإسلامي وحركية المنهاج النبوي في زمن الفتنة” الذي قدم له يوم 22 دجنبر سنة 1972م، وهما الكتابان اللذان وضع فيهما عددا من منطلقات مشروعه الجديد.

في هاذين الكتابين حاول صياغة أفكاره الأولى عن المنهاج ليبين أهمية الترابط بين الهم الفردي والهم الجماعي في السلوك إلى الله، والربط بين هدف تزكية النفوس وهدف النهوض بالأمة في الآن نفسه. بعد وفاة شيخه الحاج العباس القادري رحمه الله تلك السنة (1972م) بدا له مسار جديد أعم وأشمل وأنفع، فحصلت له يقظة ثانية، بدأ معها البحث عن خلاص يتجاوز الفرد إلى الجماعة، فعزم على المضي قدما ولو منفردا، غير أن الله سخر له رجلين كانا له نعم السند منذ البداية، ثم ما لبث أن التف حوله جمع من الرجال والشباب، وجدوا فيه خلاصهم وخلاص أمتهم.

لقد أراد للزاوية أن تكون راعية لهذا المشروع، وسعى جاهدا في ذلك، ولما “تبين له أن الزاوية لا استعداد لها، انتقل إلى التفكير في مشروع جديد متكامل” كما يقول الأستاذ فتح الله أرسلان، عقد النية على الخروج، وشقّ طريقا آخر، ولما خشي من إلحاق الأذى بالزاوية من هذا المسار الجديد كان لزاما عليه أن يعلن انفصاله، وهو ما حكاه لاحقا في حواره المسموع مع الأستاذين منير ركراكي وعبد الكريم العلمي “فكتبت رسالة إلى الشيخ سيدي حمزة. قلت له: يا أخي، إنني كنت في الزاوية وأحسنتم إليّ أحسن الله إليكم، لكنني أخاف أن تؤذوا من جانبي، فأنا أقول لكم: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته”.

فلما تحدث عما وصفه بـ”الأذى” تبين أنه مقبل على مشروع ليس بالهين وقد سار معه فيه صاحباه اللذان آمنا بفكرته ووقفا إلى جانبه منذ أول اختبار، وقد ذكر ذلك الأستاذ أحمد الملاخ أحد هاذين الرجلين المجاهدين رحم الله الجميع: “امتحن إرادتنا وتصميمنا، هل نحن بالفعل مستعدون على أن نواكبه على العمل إلى الأخير مهما كانت الظروف”، فكان الاختبار الأول؛ كتابة رسالة الإسلام أو الطوفان وإرسالها إلى الملك.

الأستاذ ياسين استخدم في سبيل فكرته ما يملك، وكل ما ملكه حينها؛ هو صوته وقلمه وكلمته وعزيمته، ففعل بها ما استطاع… فما الذي استطاع فعله؟ إلى ماذا صار أمره؟ وما الذي ميز عبد السلام الزاوية عن عبد السلام ما بعدها؟ وكيف استطاع بعد ذلك تأسيس جماعة العدل والإحسان؟ وكيف كان سيرها ومصيريها؟

أهلا بكم قراءنا إلى هذه السلسلة التي تستذكر إرهاصات تأسيس جماعة العدل والإحسان وخطواتها الأولى. سلسلة نرويها على لسان من عاشوا تلك المراحل وخبروا تفاصيلها وأحداثها.

ترقبوا حلقات “العدل والإحسان.. قصّة تأسيس جماعة” يوم اثنين من كل أسبوع.

يتبع