أصدرت الأمانة العامة للدائرة السياسية لجماعة العدل والإحسان مساء الأربعاء 1 أكتوبر بيانا بخصوص “الاحتجاجات الشبابية” التي عرفها المغرب منذ 27 شتنبر، ويعتبر هذا البيان وثيقة سياسية مهمة:
– فهي من جهة تكشف عن موقف الجماعة من الأحداث باعتبارها قوة معارضة ذات رؤية خارج النسق السياسي الرسمي، حيث تؤكد دائما على ضرورة الإصلاح الجذري بالطرق السلمية والمشروعة عوض الحلول الترقيعية والتخديرية.
– ومن جهة أخرى لأنها تحمل وبشكل واضح لا لبس فيه الدولة المسؤولية الكاملة عن الاحتجاجات الشبابية في المغرب وغيرها، وتعدها إحدى أبرز التعبيرات الاجتماعية عن حالة الغضب والاحتقان الناتجة عن أوضاع اقتصادية واجتماعية وسياسية متأزمة تنبئ عن استمرار الأزمة البنيوية في عمق النظام المغربي وطبيعته الاستبدادية الإفسادية وليست أزمة تدبير حكومي فاشلة وعارضة.
وقد جاء بيان الأمانة العامة للدائرة السياسية لجماعة العدل والإحسان ليعكس موقف الجماعة من هذه الأحداث، ويوضح رؤيتها في التشخيص والمعالجة متسقا مع خطابها المبدئي الذي عبرت عنه على الأقل منذ ربع قرن في عدة مناسبات نذكر منها باختصار، حراك 20 فبراير (2011) الذي رفعت فيه الجماعة شعارات مرتبطة بالحرية والعدالة، مع التشديد على الطابع السلمي، ثم حراك الريف (2016-2017) والذي أصدرت الجماعة فيه بيانات مشابهة أدانت القمع وطالبت بالإفراج عن المعتقلين، وظل موقفها ثابتًا أيضا في الاحتجاجات الاجتماعية التي عرفتها جرادة، والحسيمة، وأيضا في الاحتجاجات القطاعية والفئوية كاحتجاجات الأساتذة المتعاقدين واحتجاجات النظام الأساسي، وهو موقف مؤسس على ثلاثة أثافي: تحميل الدولة المسؤولية كاملة، دعم المطالب المشروعة للشعب دون شرط أو قيد، الدعوة إلى السلمية ونبذ العنف بكل أشكاله وأطرافه.
في الشكل:
عبر البيان عن مرجعية إسلامية واضحة من خلال استهلاله بقول الله تعالى: إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ، ومن خلاله استناده إلى القرآن الكريم في توصيف الواقع والدعوة إلى الإصلاح (الكرامة، العدل، التعاون على البر)، وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ، كما تميز خطاب البيان بنفس تعبوي-سياسي جمع بين الحس الديني والبعد الاحتجاجي، موجّهًا إلى الشعب المغربي وإلى القوى السياسية والمدنية على السواء.
في المضمون:
قام البيان بتشخيص الأوضاع الاجتماعية والسياسية، وتحميل مسؤولية الاحتجاجات إلى سياسات الدولة الممنهجة في التفقير والتهميش والتضييق، في ظل تكريس سياسة انتشار الفساد ونهب المال العام، وهو تشخيص يتقاطع مع تحليلات سابقة للجماعة، حيث أكدت دائمًا أن جذور الأزمات بنيوية عميقة وليست ظرفية أو عارضة، كما جددت التأكيد على مواقفها المبدئية، ويمكن تلخيص المواقف المعلنة في:
1. تحميل الدولة المسؤولية: اعتبرت الجماعة أن الدولة مسؤولة مباشرة عن تفاقم الأوضاع نتيجة سياسات فاشلة وغياب العدالة الاجتماعية.
2. إدانة القمع الأمني: سجل البيان “العنف المفرط” و”التدخلات القمعية”، داعيًا إلى الإفراج عن جميع المعتقلين.
3. رفض العنف والتخريب: أكدت الجماعة أن بعض أعمال العنف تُسيء للمطالب العادلة وتُستغل لتبرير القمع، وهو موقف ينسجم مع تبنيها خيار السلمية.
4. الدعوة إلى إصلاح جذري: شددت على أن الحل لا يكون بالوعود الفارغة أو المقاربة الأمنية، بل بإصلاح شامل يعيد الثقة للشعب ويؤسس لمرحلة جديدة قوامها الحرية والكرامة والعدالة.
5. مخاطبة القوى الحية: دعت الأحزاب والنقابات والهيئات المدنية إلى تحمّل مسؤولياتها التاريخية والخروج من موقع “المتفرج”.
ويمكن القول أن البيان يأتي في سياق المسؤولية الوطنية والسياسية والتاريخية التي تشعر بها الجماعة أمام أبناء شعبها وليست في إطار المزايدة السياسية الفارغة على الدولة ونسقها وأجهزتها، أو استغلال الظرفية وركوب موجة الاحتجاجات كما قد يظن البعض، فالبيان كان واضحا في رسائله، فالرسالة إلى النظام: المقاربة الأمنية لم تعد تجدي، والرسالة إلى الشباب المحتج: المطالب مشروعة لكن السلمية واجبة، والرسالة إلى القوى السياسية: الصمت لم يعد مقبولًا، والتحالف لبناء بديل عن بنية “الفساد والاستبداد” أصبح ضرورة تاريخية.