قراءة في الموقف الدولي من عملية “طوفان الأقصى”

Cover Image for قراءة في الموقف الدولي من عملية “طوفان الأقصى”
نشر بتاريخ

كما كان متوقعا لم يخرج الموقف الدولي عن السياق الكلاسيكي المعتاد، رغم أنه كان هذه المرة بطعم المرارة والصدمة، ويمكن حصر خطوطه العريضة إجمالا في:

1.     دعم الكيان الصهيوني في “محنته” دعما غير مشروط.

2.     التأكيد على حقه في الدفاع عن نفسه.

3.     إدانة “الإرهاب الفلسطيني” وشجب العدوان على “الأراضي الإسرائيلية”.

4.     الدعوة لضبط النفس وحماية المدنيين.

هذا الموقف المعلن، لا يخلو من لوم ولو بشكل محتشم ومُبطّن، يحمل الحكومة الإسرائيلية المتطرفة اليمينية المسؤولية، ويعتبر أن سياساتها هي التي تسببت في توتير الوضع في الشرق الأوسط بإقبارها لكل مبادرات ومسارات السلام والتمادي في سياسة الاستيطان والمبالغة في استفزاز الشعور الديني للفلسطينيين والمسلمين والنصارى باقتحام الأقصى واستباحة المقدسات الإسلامية والمسيحية، وهذا ما جاء واضحا في الموقف الروسي الذي اعتبر سفيره في الأمم المتحدة أن هذا الوضع يعود إلى “قضايا لم يتم حلها”.

هذا الموقف الدولي في عمومه، وعلى رأسه الموقف الأمريكي، الذي عبر عنه مساعد السفير لدى الأمم المتحدة روبرت وود “دان عدد كبير من الدول هجمات حماس، لكن من الواضح، ليس جميعها”.

يوفر بالطبع غطاء سياسيا ودبلوماسيا لإطلاق يد اليمين الصهيوني المتطرف ومعه الآلة العسكرية للقيام بعمليات انتقام واسعة لاستعادة بعض من شرفها العسكري المهدور، ورصيدها السياسي ولتحقيق أهداف عسكرية واستخباراتية معلن عنها سابقا وقبل “طوفان الأقصى” عنوانها الأبرز القضاء على المقاومة نهائيا، وإعادة غزة إلى 50 سنة من التردي، بمعنى إعلان حرب شاملة وغير أخلاقية، ينتهك فيها القانون الدولي وترتكب فيها جرائم ضد الإنسانية تحت مبرر الدفاع عن النفس الذي بدأ التسويق له.

بموازاة هذا الموقف العام، تكثف العواصم الغربية جهودها لمحاصرة بقعة الزيت التي تتمدد بسرعة، لعدم توسيع نطاق الحرب بالضغط على إيران وحزب الله، بطلب إسرائيلي ملح وغير معلن، تفضحه التهديدات المتوالية، وكذلك محاولة فتح قنوات سرية للوساطة مع السعودية ومصر وقطر وتركيا للتوسط لإطلاق الأسرى والرهائن الصهاينة، بل إن الحليف الأمريكي لم يكتف بالموقف الدبلوماسي بل بدأ في إرسال مساعدات وإمدادات وحرك جيوشه العسكرية والاستخباراتية إلى المنطقة لإيجاد حالة من التوازن في المنطقة ولإنقاذ حليفه إذا تورط في ارتكاب حماقات غير محسوبة العواقب، في ظل واقع دولي متسم بالتجاذب والاستقطاب، أكده عدم حصول إجماع داخل مجلس الأمن الدولي على إدانة العملية.

على مستوى الموقف العربي والإسلامي لم يسجل أمر جديد، إذ تراوح الموقف بين القلق الشديد والدعوة إلى ضبط النفس، وطلب حماية المدنيين، والإدانة المحتشمة لسياسات الحكومة الصهيونية المتطرفة والعنيفة، والمطالبة باستئناف عملية السلام برعاية دولية، باستثناء الموقف القطري، الذي حمل الصهاينة بشكل واضح وصريح “إسرائيل وحدها تتحمل مسؤولية التصعيد الجاري الآن، بسبب انتهاكاتها المستمرة لحقوق الشعب الفلسطيني، وآخرها الاقتحامات المتكررة للمسجد الأقصى تحت حماية الشرطة الإسرائيلية”.

الملاحظ أن مجمل المواقف بدت كلاسيكية ولم تدرك طبيعة التحول التاريخي غير المعهود، فعملية طوفان الأقصى عملية استراتيجية بكل المعايير ستغير وجه المنطقة لا محالة جيواستراتيجيا، ويبدو أن العواصم العربية لم تدرك أن المنطقة مقبلة على حرب شاملة لا مجال فيها للحياد، وأن الإنسانية ستجد نفسها مشاركة بصمتها أو تأييدها لإسرائيل في جرائم بشعة وإبادة جماعية وعقاب جماعي للشعب الفلسطيني، وهو ما أعلنه بنيامين نتنياهو بشكل واضح “حرب طويلة وصعبة”، وأيضا في تفجير بركان من المقاومة سيشعل المنطقة على المدى القريب جدا، مما سيندر ببوادر حرب شاملة نتائجها كارثية على المدنيين الأبرياء، خاصة إذا تم إطلاق يد الصهاينة لتهجير فلسطينيي غزة نحو سيناء، وهو السيناريو المتكتم عليه.

بدون شك سيوازي المجهود الحربي الصهيوني، بروباغندا إعلامية ضخمة، تحاول إضعاف التضامن العربي والإسلامي، وتشيطن الشعب الفلسطيني، وليس المقاومة فقط، وتقلب حقائق التاريخ، وتقفز على ذاكرة المنتظم الدولي، وتتستر على جرائمه ضد الإنسانية، وهو مضمون عبّر عن جزء كبير منه المندوب الفلسطيني الدائم لدى الأمم المتحدة رياض منصور حين قال “بالنسبة إلى بعض وسائل الإعلام والمسؤولين السياسيين، لا يبدأ التاريخ إلا عندما يُقتل إسرائيليون، لن نقبل أبدا بخطاب يشوه إنسانيتنا وينكر حقوقنا، بخطاب يتجاهل احتلال أرضنا وقمع شعبنا”.

وبالطبع يتطلب هذا من الأمة مجهودا إعلاميا مضادا، يقوم فيه المسلمون والعرب بفضح الصهاينة في كل المنتديات، وتعبئة الجهد الداعم والتضامني فالمعركة طويلة وكبيرة، والله أكبر، أكبر من الصهاينة وحلفائهم وعملائهم، وأكبر من مكرهم ومؤامراتهم، وأكبر مما تدركه عقولنا.